-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
لفت انتباهي ما نقلته “العربية نت” في 13 رمضان 1428هـ من رفض عدد من علماء الأزهر مشاهد الزواج والطلاق في المسلسلات التلفزيونية بحجة وقوع هذا الزواج شرعا استنادا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في رواية: “ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد، النكاح، والطلاق، والعتق”، وذلك لدلالة الحديث بنصه على أن من تلفظ هازلا بألفاظ النكاح أو الطلاق وقع منه ذلك ولا اعتبار لهزله. ولست هنا بصدد البحث في حكم فنّ التمثيل واحترافه، كما لست هنا في معرض الانتقاد لآراء علماء الأزهر بل أتفهم تماماً سبب رفضهم لهذا النوع من المشاهد. فهم يقرنون بين صور نكاح وطلاق الهازل وبين ما يحدث على الشاشة من قيام ممثلة وممثل بتمثيل عقد زواج بينهما ، يخاطب فيه الرجل المرأة بعبارة صريحة دالة على إرادة النكاح شرعا وفي مراسم تكتمل فيها أركان عقد النكاح.
وفي كلتا الحالتين ذهب بعض العلماء إلى قياس ذلك على نكاح وطلاق الهازل من حيث الحكم. والحق هو عدم تشابه الصورتين مطلقا، لأن الممثل هنا بمنزلة الحاكي لما وقع من غيره من نكاح أو طلاق. فالأصل أن العرض المسرحي أو التمثيلي هو عبارة عن مشاهد تحكي قصة تصل بالمشاهد إلى فكرة وهدف معين، سواء كانت قصة من الواقع أو محض خيال مؤلفها. وبغض النظر عن مشروعية الفكرة أو الهدف، فعمل الممثل فيها هو قراءة نص هذه القصة بتعبيرها الحكائي التقليدي، متقمصا شخصية أو دور أحد أبطالها، يقوم فيها بأداء الدور المنوط به، ويردد نص الحوار دون أن ينسبه لقائله.
ويتشابه هذا التعبير الحكائي مع تعبير الهازل في أن كلا منهما صدرت عنه العبارة مع قصد التلفظ بها وفهم معناها، ولكن من غير قصد لاستعمالها في المعنى الذي تدل عليه، إلا أنهما يختلفان من وجوه:
الوجه الأول: من حيث القصد: فالهازل قصد تحقيق غرض آخر غير إنشاء عقد نكاح أو طلاق، وهذا الغرض لا يتحقق إلا مع التظاهر بإنشائه كالتلفظ بالطلاق هازلا، بخلاف الحاكي فإنه قصد غرضا آخر لا يحتاج في تحققه إلى التظاهر بإنشاء العقد بل الإخبار عنه.
الوجه الثاني : من حيث الحكم: فجمهور الفقهاء على صحة نكاح وطلاق الهازل، بخلاف الحاكي لنكاح أو طلاق غيره، فالفقهاء فيه متفقون على إلغاء عبارة الحاكي لطلاق غيره وإن فهم معناه.
فقد قال ابن نجيم في الأشباه والنظائر: “في القنية كتبت: أنت طالق، ثم قالت لزوجها: اقرأ علي فقرأ، لا تطلق ما لم يقصد خطابها ا.هـ. وقد سُئلت عن رجل كتب أيمانا ثم قال لآخر: إقرأها فقرأها هل تلزمه؟ فأجبت بأنها لا تلزمه إن كانت بطلاق حيث لم يقصد”.
وقال النووي في روضة الطالبين في كتاب الطلاق: “ الحاكي لطلاق غيره كقوله: قال فلان: زوجتي طالق، والفقيه إذا كرر لفظ الطلاق في تصويره وتدريسه وتكراره، لا طلاق عليه.” .
فخالف الهزل في النكاح والطلاق عبارة الممثل والممثلة يحكيان نكاحاً أو طلاقاً في قصة ما لدخوله في عبارة الحاكي لنكاح أو طلاق غيره. وإلى ذلك أشار الشيخ أحمد إبراهيم في بحث الأهلية وعوارضها حيث قال: “الممثل الذي يمثل مع زوجته أمام الجمهور حادثة طلاق مثلا، ويوجه إليها الخطاب بذلك، والناس يعلمون علما قاطعا أنه لا يريد تطليق زوجته، بل هو حاك وممثل لغيره، ففي مثل هذه الحالة لا يقال بوقوع الطلاق، لظهور الأمر ووضوحه”. ومن هنا يظهر الفرق بين نكاح وطلاق الهازل ونكاح أو طلاق الممثل الحاكي لهما.

afansary@yahoo.com