-A +A
جبير بن محمد بن جبير
يوم كنت شابا خرقت أكثر من مرة إحدى الوصايا الرمضانية لوالدي رحمه الله ، فقد كان يوصيني وإخوتي أن لا نتناول طعام الإفطار عند احد والا يتناوله احد عندنا، فكان حريصا على أن يجمع أبناءه وبناته وأحفاده وأسباطه على مائدة إفطار واحدة، وكان رحمه الله يذكرنا بأن هذا الاجتماع في هذا الشهر الفضيل وفي هذا الوقت بركة على بركة وعبادة تتلو عبادة، فيرجو منا الا نحرمه من هذه البركات بقبول الدعوات، والا نحرم غيرنا بتلبيتهم لدعوتنا، فالبركة كما علمنا تكون في أن نأكل جميعا ولا نفترق، وأن نتبادل الحديث العام على المائدة، والا نتناقش في أمر من أمور الدنيا.
وبمرور السنين وتوالي هذه الشهر الكريم علينا ازددت إدراكا بأهمية ذلك الاجتماع، فالدقائق الروحانية التي تسبق أذان المغرب لا يمكن أن يعوضها وقت آخر من أيام السنة، فهي فرصة لاستلهام المعاني العظيمة لهذه الفريضة، والواجب على رب كل أسرة أن يغتنمها ويحسن محادثة أفراد أسرته لإشاعة روح المودة والتقارب. ومما لا يغيب عن بالي مطلقا أحاديث والدي رحمه الله في هذا الاجتماع مع الأطفال، تتضمنها رسائل واضحة المعاني أيضا للكبار، ومن تلك الأحاديث أن يطلب مثلا من احد الأحفاد تعداد أنواع الأطباق الموضوعة على السفرة، ويطلب من آخر أيضا تعداد أنواع الشراب وعندما يفرغون من العد يبدأ بذكر عظمة سيد البشر صلى الله عليه وسلم وفضله علينا كمسلمين صغارا وكبارا بأسلوب شيق وبسيط ومؤثر.. ثم يربط بين نعمة الاجتماع وما تتكون منه سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتندهش وتضحك من أسئلة الأطفال البريئة حول هذا الموضوع، لكنه يحول تلك الأسئلة إلى إجابات واستفهامات في نفس الوقت عن حال جياع لا يستطيعون الحصول على أي من الأطباق التي على سفرتنا ليس في رمضان بل طوال أيام السنة، وحين يرفع أذان المغرب يفطر محمد كما أفطر محمد صلى الله عليه وسلم.

اعلم أنني أنقل صورة تتكرر في بيوت العائلات السعودية، فهم الأكثر تمسكا بهذه السنن الحميدة، فنادرا ما نلاحظ تلبية دعوات الإفطار خارج نطاق العائلة وبالذات في المطاعم والفنادق، وقد يكون لنظام العمل والدراسة المعمول به منذُ سنوات بالمملكة في هذا الشهر عامل مساعد في تأصيل تلك القيمة في نفوس أفراد المجتمع.. فاللهم لك الحمد.