-A +A
ادار الندوة: هناء البنهاوي (القاهرة)
جاء قرار الكونجرس الامريكي بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق سنية وشيعية وكردية، صادما للرأي العام العربي والدولي على حد سواء خصوصاً انه يمثل في حد ذاته خرقا فاضحا للقانون الدولي، فضلا عما يجر إليه العراق من تقطيع في أوصاله ومخاطر تمتد إلى باقي الدول العربية. والسؤال الذي طرح نفسه بقوه في المشهد السياسي العراقي هو هل يمكن أن يقدم مثل هذا القرار حلا سياسيا أو أمنيا لاستقرار العراق؟. أم انه سيشعل نيران المذهبية والطائفية ويكرس لحرب أهلية محتملة تقود إلى الانقسام والاقتتال؟ وهل سيقبل العالم العربي بهذا القرار في سياق رؤيته لمستقبل العراق؟. هذه القضية طرحتها «عكاظ» في ندوة بالقاهرة على كوكبة من خبراء القانون الدولي والسياسيين الذين اجمعوا على أن الدول العربية ترفض رفضا تاما هذا المشروع، وانها لن تقبله باعتباره تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية العراقية. واستبعدوا أن يؤدي مثل هذا القرار، إلى إمكانية تقديم أي حل سياسي في العراق أو يقضي على الفوضى والعنف بقدر ما سيؤجج الصراع في المنطقة. فإلى التفاصيل:


«عكاظ»: ما هو تأثير قرار الكونجرس على الوضع في العراق؟
- صبيح: في الحقيقة لم يسبق في تاريخ العلاقات الدولية أن قام مجلس تشريعي في بلد ما مهما كان وصفه اووزنه ببحث الأوضاع في بلد آخر وهذا الإجراء يعد انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وللقرارات الدولية الخاصة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية وهذا أمر خطير ومستهجن، وهو محاولة لتأجيج الصراع بين سكان هذه المنطقة. وهو أمر مرفوض للغاية، والشعب الأمريكي الذي نادى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ودافع عن هذه المبادئ لعقود طويلة، فإن هذا التفكير والنهج الحالي يمثل انتكاسة للتاريخ الأمريكي الذي دافع عن حقوق الإنسان وهذا التوجه خطير للغاية ويرفضه شعب العراق وهنا نطرح سؤالاً حول ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة إذا ظهرت أصوات تنادي بتقسيم أمريكا إلى أصول مكسيكية وهندية أو ايرلندية وغيرها على أساس عرقي أو ديني، وعلى ذلك فإنني أعتقد أن الكونجرس الأمريكي قد أصابه الشطط في هذا التوجه.
- د. عبدالرحمن: بداية ليس من حق الكونجرس أن يتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة، ولا يجوز له أن يتخذ قرارات تمس الأوضاع الداخلية في العراق أو غيره من دول العالم، فهذه مسألة تدخل في صميم السلطان الداخلي لكل دولة.
وأنوه هنا الى أن الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تحظر استخدام القوة للنيل من سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة بأي وجه يتنافى مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة، ومن باب أولى لا يجوز إصدار قرار من أي دولة ترتب الأوضاع الإقليمية لدولة أخرى. وأظن أن الكرة الآن في ملعب السلطات الدستورية العراقية للدفاع عن استقلال العراق ووحدته وسلامته الإقليمية. وأخلص من ذلك بأن هذا القرار من الناحية القانونية ليس له أي تأثير.
- د. أحمد ثابت: لاشك أن هذا القرار له تأثير سلبي وكارثي لأنه يكرس الأخطاء الأمريكية منذ احتلالها للعراق، وإذكاء التقسيم والانقسام الطائفي والعرقي بل والعمل على استمراره وتحويل العراق إلى دويلات متحاربة، وتمهيد الأوضاع لتفتيت دول المنطقة. وهذا القرار لم يكن متوقعا أن يفكر فيه الكونجرس الأمريكي من الأساس، خصوصاً الديمقراطيين، لأن كل ما يهمهم هو إخراج القوات الأمريكية من العراق في أسرع وقت وتقليل تكاليف الهزيمة. كما أنهم في نفس الوقت لا يفكرون في وضع العراق أثناء الاحتلال أو بعد انتهائه، لكن يبدو انهم يبحثون عن وسيلة لبقاء أمريكا في العراق عن طريق قواعد عسكرية وحتى يتم التحكم فيه، فإن تقسيمه طائفيا ومذهبيا مثلا لذلك، وهذا هو السبب الرئيسي في وجود حاجة مستمرة في التدخل الأمريكي في العراق والمنطقة من خلال هذا التقسيم الطائفي الذي يجعل الحرب الأهلية مشتعلة باستمرار ليبقى القرار في المنطقة بيد أمريكا حيث يلجأ إليها الجميع طلبا للدعم والمساندة.
قرار غير ملزم قانونيا
«عكاظ»: وما مدى التزام الإدارة الأمريكية بهذا القرار؟
- صبيح: في تقديري الإدارة الأمريكية لن تلتزم بهذا القرار لأنه يمثل انتهاكا فاضحا للقانون الدولي وسيؤدي إلى نتائج وخيمة بالنسبة إلى المصالح الأمريكية في المنطقة تماما كتوجه الكونجرس من قبل في موضوع القدس، والقرارات العدوانية التي تبنتها وحاولت فرضها على الإدارة الأمريكية. وأعتقد أنه حان الوقت لوضع حد للاستهتار بالقانون الدولي وحقوق الإنسان من قبل المسؤولين الامريكيين وقد أصيبت سمعة أمريكا بضرر كبير جراء هذه التوجهات الداعية إلى الفتنة والفوضى.
- د. عبدالرحمن: كما ذكرت هذا القرار ليس ملزما من الناحية القانونية لا للعراق ولا حتى ملزما للإدارة الأمريكية، لأن قضاء المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية مستقر على أنه إذا تعارضت الالتزامات الداخلية مع الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي فالعبرة بالالتزامات الدولية. وبموجب ذلك فإنه يجب على العالم كله أن يتضامن مع حق الشعب العراقي في وحدة أراضيه وأن تلتزم الإدارة الأمريكية بقواعد القانون الدولي التي تضمن السلامة الإقليمية لدول العالم.
- د. ثابت: لا أعتقد إطلاقا أن الإدارة الأمريكية يمكن أن تلتزم بهذا القرار، لأنه يتعارض مع محاولاتها تحسين صورتها خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتجديد الثلثي للكونجرس وبالتالي فهذه مهمة ليست مطروحة، كما أن الإدارة الأمريكية تعلم أن هذا القرار سيشعل فتيل صراعات خطيرة في المنطقة وستعترض عليه دول الإقليم والدول المجاورة للعراق بل ودول حليفة للولايات المتحدة نفسها.
مستقبل العراق بيد أبنائه
«عكاظ»: كيف ترون مستقبل العراق في ضوء هذه التطورات؟
- د. عبدالرحمن: مستقبل العراق يتوقف على الشعب العراقي ذاته، والفصائل السياسية العراقية ومدى قدرتها على احتواء أزمات التفاصيل الصغيرة لأجل هدف واحد وهو الحفاظ على وحدة العراق السياسية. فالحل في العراق يبدأ من داخله ثم يأتي دور المجتمع الدولي في مساندة الشعب العراقي الشقيق بدءا من دول الجوار والمجموعة العربية والأمم المتحدة، لكن لا يستطيع أحد أن يفرض حلا على الشعب العراقي لا يكون نابعا من داخله.
- صبيح: مستقبل العراق لا يقرره إلا أبناء العراق الذين بنوا حضارة عريقة وتصدوا لموجات عديدة من الغزاة وأعتقد أن التآلف الإنساني سيجعل العراق قادرا على الخروج من محنته والعودة مجددا إلى دوره في بناء أمته مهما صدرت من قرارات سياسية خاطئة من هنا أو من هناك.
- د. ثابت: أتصور أنه لا يمكن التنبؤ بمستقبل العراق في ضوء المعطيات السياسية والأمنية الراهنة، فالعملية في خضم أزمة التحالف الحاكم حيث يقاطع مجلس الوزراء حوالى الثلث من كتل أخرى، وفشل المالكي في إعادة هذه الكتل. وعلى ذلك فإن الوضع في العراق سيظل على ما هو عليه حتى يخرج الأمريكيون من العراق وهنا يمكن بدأ صفحة جديدة في تاريخ العراق بعد تحريره.
تكثيف الجهود
«عكاظ»: ما هو تصوركم لموقف العالم العربي حيال هذا القرار وماذا سيفعل؟
- صبيح : أي كلام عن التدخل أو الفصل أو التقسيم في العراق مرفوض عربيا شكلا وموضوعا، لأنه يلحق ضررا بليغا بنسيج الأمة العربية وبمصالح الولايات المتحدة وبالقانون الدولي الذي هو ميزان العلاقات الدولية. وللأسف تجاوزت بعض الأطراف في الولايات المتحدة الحد وهي تتحدث عن تقسيم العراق فهي لا ترى إلا بعين واحدة تفسر الأحداث والمواقف حسب أهوائها ومصالحها مثل تفسير الحريات الدينية وغيرها، وبموجب سياسات أمريكا صار معظم الشعب العراقي يعاني من الفقر والجوع والتشرد بين الأقاليم العربية بينما يصرف على حرب العراق مليارات الدولارات فالولايات المتحدة في حاجة إلى إعادة صياغة سياستها في المنطقة التي أضرت سمعتها. وأخلص إلى القول أن الجامعة العربية لن تقبل تحت أي شرط التدخل في الشؤون الداخلية لدولها العربية أو محاولة العدوان على وحدة وسيادة أراضيها.
- د. عبدالرحمن: لا شك أن العالم العربي ينظر بعين الخطر على الاستقرار في العالم العربي خاصة العراق على ذلك فإن الأزمة العراقية وفي ضوء القرار التقسيمي الصادر عن الكونجرس الأمريكي تستدعي تكثيف العمل على الحفاظ على أمن وسلامة الدول العربية عبر تحقيق المزيد من التكامل السياسي والاقتصادي العربي الذي من شأنه أن يدعم الحقوق العربية والحفاظ على وحدته في مواجهة مخاطر التقسيم.
- د. ثابت: للأسف الشديد العالم العربي ليس في يده شيء لإعادة الأمن والاستقرار في العراق، أو في إقناع الإدارة الأمريكية بسحب قواتها من العراق أو النجاح في إذابة الخلافات ورأب الصدع بين الكتل السياسية العراقية المتنازعة لكن العالم العربي يستنكر ويشجب ويدين مثل هذا القرار بالإجماع انتصارا لقيم القانون الدولي والإنساني، وربما تصدر بيانات رسمية من بعض الدول تعبر عن ذلك الموقف.