-A +A
محمد الهتار (جدة)تصوير : عبدالسلام السلمي
وانت في منطقة البلد بجدة تحاول استدعاء حوار الاماكن من الذاكرة حيث كانت كل من برحة العيدروس والفلاح والسنبل تشهد الاحتفالات بالعيد وكانت تقام حلقات المزمار وعروض الفلكلور ابتهاجاً بهذه المناسبة السعيدة، الآن المظاهر والعادات والتقاليد تغيرت ولم تعد مشاهد الامس كما كانت ولكن الرواشين وحيطان البيوت القديمة لا زالت تحتفظ بقبس من ذكرى الامس حيث كان اهالي الحارات يعايدون بعضهم البعض ويتزاورون كما ان ليلة العيد كانت تحمل للناس الكثير من المباهج.
ولانك في منطقة البلد فلا بد ان تطرق باب مكتب المسؤول الاول عن السياحة والتراث في محافظة جدة المهندس سامي نوار الذي اوضح ان العيد في الحواري القديمة كان له طعم آخر كما ان عيد الامس يختلف ايقاعه عن السائد في الوقت الحالي.

واضاف ان كل ماض جميل ليس في الاعياد فقط حتى في علاقات الناس ببعضهم البعض فان الماضي كان اروع.
واضاف: انه لا يزال يذكر حينما كان الاطفال يحملون على اعناق آبائهم او يمسكون بأياديهم وهم في طريقهم الى برحة العيدروس حيث تقام احتفالات العيد.
واضاف: ان برحة العيدروس كانت موقعاً لاحتفالات العيد لسكان حارة اليمن كما ان برحة الفلاح كانت تقام فيها احتفالات سكان حارة المظلوم اضافة الى برحة سنبل والتي كانت موقعاً عاماً لتجمع المحتفلين بالعيد.
وتابع: ان هذه البرحات الثلاث كانت تتميز بالمراجيح الخشبية التي يسمع اصوات صريرها من امكنة بعيدة حيث ان هناك بعض العوائل كانت مشهورة باقامة المراجيح مثل عائلة غراب كما كانت هذه البرحات تشهد سباق الخيول ورقصة المزمار والعديد من الوان الفنون التي تجمع بين الرقص والغناء ودق الطبول اضافة الى بعض الالعاب الشعبية.
اعياد المظلوم
ومن جانبه قال عمدة حارة اليمن والمظلوم عبدالصمد محمود ان اعياد زمان كان لها طعم خاص بطعم ايامها في ذلك الوقت وبطعم البساطة في تلك الايام.
واضاف ان افراح الاعياد كانت تتركز في احياء جدة القديمة الثلاثة وهي حارة اليمن والشام والمظلوم وكانت هذه الاحياء تتواصل بعضها البعض ففي اول ايامها كان مخصصا للتزاور بين الاهل فيما بينهم وفي اليوم الثاني كان اهالي حي المظلوم وحي الشام يعايدون على اهل حي اليمن وفي ثالث ايام العيد كان اهل حي اليمن واهل حي الشام يعايدون على اهل حي المظلوم اما في آخر ايام العيد المبارك فقد كان اهالي حي المظلوم واهالي حي اليمن يعايدون على اهل حارة الشام وقد كانت في تلك الايام البيوت مفتوحة ابوابها ندخل اليها بعد ان نطرقها ونجلس حتى وان لم يكن فيها احد لكن كانت اكثر افراحنا عندما كنا نلعب في المراجيح رغم بساطتها لكنها كانت في ذلك الوقت تدخل البهجة والانس في قلوبنا وتلك البرحات ما تزال شاهدة على افراح ابائنا الذين كانوا يتسابقون فيها على لعبة كالمزمار ولعبة الشبرية وايضا لعبة "البربر" ذات الاركان والصناديق والتي يتخطاها الواحد بقدم واحدة دون ان تدوس قدمه الاخرى بعض الصناديق هذا بخلاف التسابق بالخيول او الحمير ففرحة العيد في ذلك الوقت لم تكن كما يقال هذه الايام هي فرحة خاصة بالاطفال فقط بل كانت فرحة للجميع حتى النساء اللاتي يجتمعن مع بعضهن البعض ويرقصن ويرددن الغناء الفرايحي الذي عادة ما يكون مصحوباً ببعض الصفات لفلذات اكبادهن فكم اتمنى اليوم ونحن نحتفل بعيد الفطر المبارك ان تعود تلك المباهج الى هذه الاحياء رغم ان برحة الفلاح ما تزال حتى الآن محافظة على مظاهر افراح عيد الامس وذلك بنصب المراجيح الخشبية فيها والتجمع في مركاز العمدة حيث يتسابق اهل الحي بالمعايدة على بعضهم البعض.
برحة العيدروس
من جانبه قال عمدة حي الشاطئ طلعت غيث ان برحة العيدروس كانت من اهم المواقع في جدة في الزمن القديم وبالذات في ايام الاعياد اذ كانت هذه البرحة تنصب فيها المراجيح وفيها تقام الافراح وفيها يلتقي الصغار والكبار ونفس الحال ينطبق على برحة الفلاح التي يبدو ان ظروف استمرارها افضل حالا من ظروف برحة العيدروس التي تحولت الى منطقة تجارية.
فأفراح عيد الفطر في جدة سابقا كانت تنطلق مع اصوات طبل المسحراتي الذي يأخذ بالسير في داخل الاحياء وفي ازقتها وهو حامل في يديه طبلته يدق عليها وهو يقول: من العايدين ومن الفايزين وكان كلما مر امام بيت نادى صاحبه باسمه وحينها يعرف الناس ان العيد قد أتى فيهب كل صاحب دار لذلك المسحراتي ويمنحه الهدايا التي عادة ما تكون من الارزاق كالارز والشاي والسكر وبعض الملابس ومع الاعلان عن اقامة عيد الفطر كنا نتوجه الى المصلى «مشهد العيد» نصلي فيه صلاة العيد ونلتقي ببعضنا البعض اثناء عودتنا الى منازلنا ونحن نتبادل الاحاديث عن فلان وعلان وعن من سيفوز في سباق الخيل او من سيصل المداد بالمرجيحة والمدّاد هو الوصول الى مستوى العارضة الخشبية للمرجيحة دون ان يسقط منها.
وقال عمدة حي الصحيفة منصور بن عقيل: الجميع يعرف ان جدة القديمة قد قام انشاؤها على ثلاثة احياء هي المظلوم واليمن والشام فهذه الاحياء الثلاثة مازالت حتى اللحظة تحاول ابقاء ماضيها بداخلها والمحافظة عليه وسكانها القدامى والذين ارتبطوا بها يدركون جيدا انه لا سعادة تعادل سعادتهم وهم يسيرون داخل ازقتها يتذكرون ماضيهم الجميل فأيام زمان كان لها طعم آخر.
وفرحة العيد في ذلك الوقت كانت تنطلق من خروجهم من مصلى العيد «المشهد» وتوجههم الى بيت كبير العائلة سواء كان رجلا أم امرأة للسلام عليه وتهنئته بالعيد وتناول وجبة الافطار الجماعي فيه بعدها تبدأ الزيارات التبادلية وكنا في ذلك الوقت نستمتع بباعة الحلوى وهم يرددون «يا حلاوة العيد يا حلاوة من باب جديد يا حلاوة» اذ كانت الحلوى البلدي هي المنتشرة في ذلك الوقت وان كانت السكرية منتشرة ولكن على مستوى بسيط وكنا في ذلك الوقت نذهب الى البرحات الموجودة مثل برحة الفلاح التي ما زالت حتى الان تحاول ان تبقى رغم ظهور مراجيح حديثة ومدن ملاهى عملاقة ومع ذلك مازال بعض كبار السن وبالذات الذين ارتبطت افئدتهم بالمنطقة القديمة يزورون برحة الفلاح والعيدروس وسنبل لاستعادة ماضيهم. واخيرا قال هشام معروف: مازلت اتذكر برحة مدرستنا «مدرسة الفلاح» التي تتحول في اواخر ايام رمضان الى ورشة عمل لتجهيز مراجيح العيد والتخطيط لسباق الخيل والحمير وتحول تلك البرحة في ايام العيد الى كرنفال احتفالي بهيج وجميل للرجال والنساء وبالذات للصغار الذين يتذوقون طعم العيد بمذاق خاص من خلال استمتاعهم باللعب في «المداريه» وتذوق الحلوى البلدي مثل اللدو وطبطاب الجنة.