-A +A
فاطمة بنت محمد العبودي
نشأت الهندسة بسبب حاجة قدماء المصريين الى مسح الأراضي الخصبة المغطاة بالوحل، والناتجة عن الفيضان السنوي لنهر النيل، ثم أخذ الإغريق الهندسة عن المصريين وأنشأوا منها مسرحا فكريا رائده الرياضي إقليدس الذي أنشأ مبادئ الهندسة حوالي 300 قبل الميلاد، واعتمد إقليدس في إثبات مبرهناته على عدد من المسلمات أو البديهيات، التي وضعها بدون برهان إما لعدم حاجتها لبرهان كالمسلمة التي تنص على أنه من كل نقطتين يمر مستقيم واحد، أو لعدم قدرته على إثباتها، كمسلمته الخامسة. وتنص هذه المسلمة على أن «من نقطة غير واقعة على مستقيم يوجد مواز واحد لهذا المستقيم» وقد حاول الرياضيون منذ عهد إقليدس ولقرون تلت، إثبات مسلمة التوازي، ولم يتمكنوا من ذلك. وبعد القرن التاسع عشر الميلادي يئس الرياضيون من المحاولة، فسلموا بأن ذلك غير ممكن، وأنشأوا نظما هندسية جديدة تعتمد على مسلمات تناقض مسلمة إقليدس الخامسة، منها الهندسة الزائدية التي تنادي بتعدد الخطوط الموازية لخط مستقيم واحد، والهندسة الناقصية التي تعارض ذلك وتؤكد على عدم وجود مستقيمات متوازية!! وقد أثبتت هذه الأنظمة الهندسية التي سميت الهندسة اللا إقليدية فائدتها، على الرغم من عدم قبولها في البداية، وقد اعتمد عليها وجود نظرية النسبية. والنسبية نظرية فيزيائية وضعها العالم الألماني أينشتاين، وهي خاصة بالكون، حيث تدرس المفاهيم والأفكار الخاصة بالزمن والفضاء والكون والجاذبية الأرضية، وتتعلق بالسرعات الكبيرة كسرعة الضوء، ولا يمكن فهم هذه النظرية للشخص العادي بسهولة فهي تعتمد على صيغ رياضية للتعبير عنها.
وقد تمكن حديثا عالم رياضي لبناني هو المهندس رشيد متى من اثبات مسلمة إقليدس الخامسة، بعد بحث دام عشرين عاما! وأعطى حوالي ثمانين طريقة للبرهان، وقد نشر عام 2006م كتابا يفند فيه براهينه، أسماه «ثلاثمائة عام من الضلال في الجيومترية»، حيث شرح متى في مقابلة خاصة مع CNN «بالعربية» أن «علماء عرب كثر عملوا على برهان هذه المسلمة ما بين القرنين الثامن والخامس عشر، وقد اقترب العالم الكبير ابن الهيثم من الحل، ولم يكن ينقصه إلا رؤية تطابق الخطوط ذات الاتجاه الواحد التي تمر بنقطة مشتركة، وهذا بالضبط ما توصلت الى برهانه مكللا جهود العلماء العرب بالنجاح». ويثير كتاب متى جدلا واسعا في الأوساط العلمية العالمية لما يحدثه من ثورة في المفاهيم العلمية، حيث يظهر التناقضات والخلل في الهندسة اللا إقليدية والتي أنشأها كل من العالمين الألمانيين غوس وريمن، والعالم الروسي لوباتشيفسكي، والهنغاري بولييه منذ 180 عاما. ويذكر العالم رشيد متى انه نجح في اظهار الأخطاء التي وقع فيها كبار علماء الرياضيات، باعتبارهم أن برهان المسلمة الخامسة مستحيل، ناقضا نظرية النسبية التي قدمها العالم البرت اينشتاين، لأنها ترتكز على الهندسة اللا إقليدية المناقضة لهندسة إقليدس، والتي تلغيها برهنة المسلمة الخامسة لإقليدس. وقد توجه رشيد متى باكتشافه الى جميع الوزارات اللبنانية المختصة والى رئيس الجمهورية ووجد دعما معنويا فقط، ثم توجه به الى أكاديمية العلوم الفرنسية والى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، الذي أحاله الى وزارة التربية الفرنسية التي اعتذرت عن مناقشة نظريته أو تبنيها لعدم وجود امكانيات فعلية أو كفاءة لمناقشتها.

حلم رشيد متى أن يدعمه أحد ماديا الى جانب الدعم المعنوي، وأن تتبنى الجهات المختصة نظريته التي يشدد على صحتها، وهو على أتم الاستعداد لمن يناقشه علميا. ووجود عالم عربي كرشيد متى هو فخر للدول العربية وعلى هذه الدول دعمه ماديا الى أن يتمكن من اقناع العالم بصحة براهينه أو يثبت عدم صحتها، وحتى في هذه الحالة فهو عالم ومفكر يستحق التكريم والتبني وبمثله تفخر الأمم.
fma34@yahoo.com