-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
التقرير الذي أصدرته شرطة نيويورك بعنوان «التطرف في الغرب: التهديد الداخلي المنشأ» كان محور إحدى مناقشات الطاولة المستديرة التي نظمتها جامعة جورج واشنطن الأمريكية بمشاركة اثنين من كبار محللي الاستخبارات من وحدة الاستخبارات التابعة لشرطة نيويورك: ميتشل سلبر وآرفن فات، اللذين قاما بإعداد التقرير. وقد أثار التقرير استياءً واسعاً في الأوساط الإسلامية داخل الولايات المتحدة التي اعتبرت التقرير دعوة للتمييز ضد المسلمين في الولايات المتحدة باسم «مكافحة الإرهاب». التقرير هو محاولة لفهم مسار التطرف عن طريق تتبع المراحل التي تقود المسلم من الاعتدال إلى التطرف والقيام بأعمال إرهابية. ويدعي الباحثان أنه من خلال تقييم ودراسة نماذج متطرفة إرهابية استنتجا أن عملية التطرف تمر بأربع مراحل متميزة: مرحلة ما قبل التطرف، ثم مرحلة التعرف على الذات، ثم مرحلة التلقين، وأخيرا مرحلة التطرف. ويظهر من خلال تصفح التقرير خروجه عن دائرة الحيدة والنزاهة رغم ترويج وسائل الإعلام الغربية له، ووصفه بأنه يُمثل مستوى مرموقا من الدقة والفهم لهذه الظاهرة. فالتقرير يستخدم لغة تدل على السطحية في التفكير وقصر النظر، والجهل ببعض البديهيات، والخلط بين مصطلحات ومقومات الإسلام الحقيقية والتطرف ومزجها بعضها ببعض لفرض الحصار وبشكل محكم حول حياة وأنشطة الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة وإحاطة أبنائها بظلال كثيفة من الشك.
ويشير التقرير إلى أن المراحل المبكرة للتطرف تبدأ بهؤلاء المسلمين الذين يعيشون بين المواطنين الأمريكيين، الذين يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، ويقومون بوظائف بسيطة، وليس لديهم تاريخ أو سجلات إجرامية، وهو الأمر الكفيل بزرع الضغينة والشك لدى المواطن الأمريكي في جاره المسلم. كما يفسر التقرير بعض الأعمال والأنشطة الطبيعية التي يقوم بها أفراد الجالية الإسلامية الأمريكية بأنها مؤشرات على وجود تهديدات بوقوع هجمات إرهابية. بل يذهب التقرير إلى أن دائرة الشك والاشتباه تشمل تلك المتغيرات الايجابية في السلوك والشخصية مثل التخلي عن التدخين وشرب الخمر والقمار... وهكذا يرى التقرير أن المتغيرات الايجابية، التي أوصى بها قادة جميع الديانات السماوية واعتبروها مؤشرا على استقامة الإنسان وصلاحه، هي مراحل قد تؤدي إلى التطرف الفكري والعقائدي إذا مارسها أحد أفراد الجالية الإسلامية وسببا في الاشتباه به. ومما يثير الدهشة والاستغراب، أن يعترف واضعو التقرير بأن النتائج التي توصلوا إليها لا توفر أي طريقة مفيدة لمعرفة الأشخاص الذين يمرون بهذه المراحل أو تحديد المشتبه بهم أو المساعدة في التنبؤ بوقوع هجمات إرهابية.
ولا يقدم التقرير أي تصور لعلاج هذه الظاهرة كالترويج للفكر الإسلامي الصحيح المعتدل، والتصدي للفكر المتطرف، وتنشيط الحوار مع أبناء الجالية الإسلامية. فالتقرير يكشف بوضوح مدى الجهل العميق بالثقافة الإسلامية. هذا الجهل ليس نابعا من نقص في قدرة الغرب على فهم الدين الإسلامي، وإنما هي ثقافة نبذ الآخر ورفض التنوع الثقافي والديني. فالتقرير يتجاهل آراء العلماء والباحثين المسلمين ويعتمد بدرجة كبيرة على التقارير الإخبارية من وسائل الإعلام التي تلعب دورا محوريا في تسييس مسألة التطرف بأسلوب عنصري، وهو الأمر الذي قد يؤدي بالضرورة إلى إدامة الأفكار النمطية عن المسلمين، وتهميش أبناء الجالية الإسلامية، وتشديد حدة الكراهية، واستبعادهم من المجتمع كما هو حال الجاليات الإسلامية في أوروبا. إن من الأهمية بمكان أن يُدرك المواطن الأمريكي أن المسلمين في أمريكا كانوا وسيظلون جزءا من نسيج الأمة الأمريكية يساهمون في بنائها، وأن الطريق الوحيد لمكافحة ظاهرة التطرف إنما يمر بالدرجة الأولى عبر أبناء هذه الجالية.

afansary@yahoo.com