-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
أبرز سمات النظام القضائي الجديد هو تجسيده العملي لمبدأ استقلال القضاء. فلم يكتف النظام الجديد بإثبات هذا المبدأ في مواده الأولى الواردة في الباب الأول منه، وإنما أورد النظام العديد من التطبيقات العملية تجسدت من خلالها ضمانات استقلال القضاء التي أقرتها الشريعة الإسلامية. من هذه التطبيقات تحديد العلاقة بين السلطة القضائية و«وزير العدل» كأحد أعضاء السلطة التنفيذية، و«وزارة العدل» كجهاز تنفيذي في الدولة. فقد سعى النظام القضائي الجديد إلى تحقيق طفرة إصلاحية في العلاقة بين السلطتين تهدف إلى تعميق مبدأ استقلال السلطة القضائية في المملكة وتوسيع دائرة الضوابط التي تضمن استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية. يظهر ذلك بوضوح من خلال استخدام السلطة التنظيمية في المملكة لمصطلح «المجلس الأعلى للقضاء» كبديل لمصطلحي «وزارة العدل» و «وزير العدل» في مواد النظام القضائي الجديد.
فمن أبرز ملامح النظام القضائي الجديد إسناده لمهمة الإشراف على جميع المحاكم والقضاة وأعمالهم للمجلس الأعلى للقضاء. فقد تولى المجلس النظر في شؤون القضاة الوظيفية، من تعيين وتأديب وندب وإعارة وتدريب وإجازة وغير ذلك من المسائل التي كانت خاضعة لإشراف وزارة العدل، حيث كان الندب والترخيص للقضاة بالإجازات وندبهم وإحلالهم بغيرهم (في حالة غياب الأعضاء) في المجالس والهيئات يتم في السابق بقرار من وزير العدل. ومن الملاحظ أيضا غياب مصطلح «وزير العدل» من دائرة صنع القرار في الهيئة العامة للمحكمة العليا. فقد اشترط النظام القضائي السابق في اعتبار قرارات الهيئة العامة لمحكمة التمييز قرارات نهائية موافقة وزير العدل عليها. فإذا لم يوافق عليها أعادها إلى الهيئة لتتداول فيها مرة أخرى. فإذا لم تسفر مداولات الهيئة عن الوصول إلى قرار يوافق عليه وزير العدل عرض الأمر على مجلس القضاء الأعلى للفصل فيه ويعتبر قراره فيه نهائيا. أما في إطار النظام القضائي الجديد فتصدر قرارات هيئات مشابهة كالهيئة العامة للمحكمة العليا بالأغلبية، وتعد هذه القرارات نهائية دون أدنى مرجعية لأي عضو أو جهاز من أجهزة السلطة التنفيذية للدولة. كما تفرد المجلس الأعلى للقضاء بقرار تأليف محاكم الدرجة الأولى وتحديد اختصاصها والتي كانت في السابق تصدر بقرار من وزير العدل بناء على اقتراح المجلس. واختص المجلس بقرار تسمية رؤساء محاكم الاستئناف ومساعديهم من بين قضاة محاكم الاستئناف، ورؤساء محاكم الدرجة الأولى ومساعديهم. وبات قرار انعقاد جلسات المحاكم في غير مقارها وخارج دوائر اختصاصاتها عند الاقتضاء بيد المجلس الأعلى للقضاء وليس بقرار من وزير العدل كما هو المنصوص عليه في النظام السابق. كما أسند النظام الجديد مهمة التحقق من توفر «الأهلية للقضاء» للمجلس الأعلى للقضاء، حيث اشترط النظام الجديد في من يولى القضاء أن يكون حاصلا على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة أو شهادة أخرى معادلة لها ، بشرط أن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان خاص يعده المجلس الأعلى للقضاء، والذي كان في السابق يعد من قبل وزارة العدل. كما تولى المجلس الأعلى للقضاء مهمة تحديد الأعمال القضائية النظيرة المطلوبة لشغل الدرجات القضائية والتي تولى مجلس الوزراء في السابق مهمة بيان المقصود منها بناء على اقتراح من وزير العدل.

ويبرز حرص السلطة التنظيمية في المملكة على تحقيق مبدأ استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية في إخراج إدارة التفتيش القضائي على أعمال القضاة بالمحاكم من تبعية وزارة العدل وإسنادها إلى المجلس الأعلى للقضاء. كما انتقلت سلطة إصدار لائحة قواعد وإجراءات التفتيش القضائي، وسلطة إنشاء الدعوة الـتأديبية، وإقرار تنفيذ عقوبة اللوم للقضاة من وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء ورئيسه. وتجدر الإشارة هنا إلى أن صلاحيات وزارة العدل في ظل النظام الجديد باتت صلاحيات إدارية ومالية تتعلق بتطوير المحاكم وأجهزتها التنفيذية الهدف منها ضمان تفرغ السلطة القضائية للعمل القضائي لتحقيق نوع من الاستقرار في العمل يدعم الاستقلال القضائي. وليس في نقل النظام القضائي الجديد الصلاحيات السابقة من وزارة العدل والتي كانت تتمتع بها في إطار النظام السابق انتقاصا للدور الهام والبناء الذي لعبه هذا الجهاز التنفيذي، عبر تاريخ تطور النظام القضائي في المملكة، في تنمية وتطوير السلطة القضائية والمحافظة على استقلالية القضاء.
afansary@yahoo.com