-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
كلمات خادم الحرمين الشريفين وتصريحاته لتلفاز الـ«بي بي سي» حول نجاح التجربة السعودية في أسلوب النصح والمناصحة تعكس رؤية واقعية وصادقة للمناخ الأمني المستقر الذي نعيشه نتيجة لتضافر وتلاحم جهود المواطن ومؤسسات الدولة في التصدي لظاهرة الإرهاب في ظل الجهود والسياسات الحكيمة التي تتبعها المملكة من خلال الترويج للفكر الإسلامي الصحيح المعتدل، ونشر سياسة التسامح، ومحاربة الفكر الضال، وتنشيط الحوار الوطني. فمن هذه الجهود ما تبذله نخبة من أبناء الوطن من المشايخ وطلبة العلم والدعاة وأساتذة الجامعات في علم النفس والاجتماع ... عبر برنامج مناصحة الموقوفين أمنيا الذي تنظمه وزارة الداخلية، والذي يهدف إلى معالجة الفكر المتطرف وإيجاد الحلول النفسية والاجتماعية للموقوفين من خلال الحوار والبرامج العلمية المكثفة. تلك الجهود أثمرت عن نجاح اللجنة في إقناع أكثر من 80 بالمائة ممن خضعوا للمناصحة بالتراجع عن أفكارهم الخاطئة. هذا النجاح هو وراء الجهود الحالية لتعميم التجربة من خلال توسيع دائرة عمل اللجنة خارج نطاق السجون لتحصين ورعاية شباب المملكة عامة. ومن هذه الجهود تلك التي تبذلها وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة في إعادة تأهيل الأئمة والخطباء والمؤذنين. حيث قام أبناء الوطن عبر لجان شرعية وفنية تابعة للوزارة بزيارة آلاف المساجد للوقوف على أحوال الأئمة والخطباء والمؤذنين، وإعداد البرامج التأهيلية والتثقيفية لهم، والتأكد من عدم استغلال المساجد لنشر الفكر المتطرف أو التعصب والكراهية تجاه الآخرين. ولكي تتحقق الاستفادة من التجارب الوطنية قامت الوزارة بإعداد وطباعة الكتب والخطب والمحاضرات والكلمات الوعظية ممن قام بكتابتها أو ألقاها أبناء الوطن في كثير من مساجد المملكة، والتي تتضمن التحذير من الغلو والتطرف والإرهاب، والحث على ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال. ومن هذه الجهود التي تبنتها وزارة الشؤون الإسلامية أيضا ما تقوم به نخبة من أبناء الوطن من الدعاة والمشايخ والمتخصصين عبر برنامج «حملة السكينة» من محاورة من يحملون أفكارا «تكفيرية وآراء منحرفة» عبر المواقع والمنتديات والمجموعات على شبكة الإنترنت لنشر المنهج المعتدل، والتصدي للأفكار والمناهج المنحرفة، وبناء شخصية إسلامية متوازنة. تلك الجهود أثمرت عن إعلان المئات ممن كانوا يحملون أفكارا «تكفيرية وآراء منحرفة» عن تراجعهم عن «الفكر التكفيري والمتطرف». وللمؤسسات الدينية والعلماء والدعاة من أبناء الوطن دور قيادي في تقديم النصح والمناصحة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتفنيد الفكر التكفيري، والرد على الشبهات، وشرح موقف الشريعة في المسائل الخلافية.
كما لا يمكن أن نغفل الجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم في إصلاح نظام التعليم، وتطوير المناهج الدراسية، وتأهيل المعلمين وتوفير برامج تدريبية خاصة للتأكد من سلامة الرسالة التي يحملونها من أي توجهات دخيلة على المجتمع وقيمه ومبادئه الإسلامية السمحة، وكذلك توعية الطلاب بخطر الإرهاب والفكر المتطرف من خلال برامج التوجيه الديني للطلاب وأولياء الأمور، وإقامة ورش عمل للمعلمين في كيفية التعرف على مظاهر الانحراف الفكري وطرق التحصين والوقاية منه، وحث الطلبة على الإسهام والمشاركة بأعمالهم في مكافحة هذه الظاهرة.

كما كان للإعلام السعودي حضور بارز في مواجهة الفكر المتطرف ونشر عقيدة التسامح من خلال بث الندوات الحوارية، والحملات الإعلانية للتعريف بخطر الإرهاب والفكر المتطرف شارك فيها ضحايا الإرهاب وعائلاتهم. كما قام التلفاز ببث مشاهد تمثيلية وحلقات درامية توضح أخطار الإرهاب والغلو والتطرف. وكان للحوار الوطني من خلال مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني دور فعال في توفير البيئة الملائمة للحوار الوطني بين فئات المجتمع للمحافظة على وحدته في ظل المنهج الإسلامي الصحيح، وفي الإسهام في ترسيخ لغة الحوار في معالجة القضايا الوطنية وتوسيع دائرة المشاركة الوطنية بالقدر الذي يكفل حرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية. نعم كما قال خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – أدى تضافر جهود أبناء الوطن ومؤسساته إلى تراجع وتيرة العنف والتطرف والإرهاب في المملكة إلى حد بعيد، الأمر الذي حمل الكثير، ممن راهنوا في السابق على فشل التجربة السعودية، على إبداء الرغبة في الاستفادة منها. تلك النجاحات الداخلية والنماذج الرائعة في النصيحة والمناصحة كان لها الأثر الخارجي الواضح على الكثير من أبناء الشعوب الأخرى في عودتهم إلى منابع الإسلام الصافية السمحة ونبذهم للغلو والتطرف والإرهاب، وإلى تبني دول عدة وعلى رأسها بريطانيا للتجربة السعودية من خلال التنسيق والترابط مع أبناء الوطن من العلماء والجهات المختصة، والذي كان من ثماره مشاريع عدة في مقدمتها مشروع (The Radical Middle Way) أو «المنهج الوسطي الأساسي» البريطاني والذي تديره نخبة من الشباب البريطاني المسلم، ويهدف إلى دحض الأفكار الهدامة التي يثيرها المتطرفون من خلال العودة إلى منابع الإسلام الأساسية والقضاء على الجهل ونشر العلم ولغة الخطاب حسب المنهج الوسطي الإسلامي. هذه النجاحات في الداخل والخارج ستظل علامة مضيئة في تاريخ المملكة كونها تمت وتتم بأيد وطنية غيورة على دينها، وقيمها، وأخلاقها، وهويتها، ووطنها.
afansary@yahoo.com