-A +A
عبدالعزيز النهاري (أنقرة)
أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ان زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لأنقرة اليوم تمثل مصدر امتنان وتقدير لنا, وتعزيز مكانتنا في قلوب اشقائنا السعوديين. وقال أردوغان في حوار لـ «عكاظ» ان المملكة وتركيا اقوى دولتين اقتصاديا في الشرق الأوسط مشيرا الى وجود امكانيات هائلة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. واضاف رئيس الوزراء التركي بأن بلاده تتطلع لزيادة حجم التبادل التجاري مع المملكة الى أكثر من خمسة مليارات دولار. وأكد اردوغان ان العملية العسكرية المتوقعة في شمال العراق تستهدف فقط المنظمة الارهابية المعروفة باسم PKK متهماً السلطات المحلية في هذه المنطقة بأنها لم تحرك ساكنا ولم تظهر أية ارادة سياسية للمساهمة في محاربة الارهاب. واعرب عن أمله ان تتخذ السلطات العراقية من الاجراءات ما يحول دون العمل العسكري. ورفض رجب طيب أردوغان ادعاءات البعض بأن عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي سوف تسبب المشاكل مؤكداً ان هذه العضوية سوف تضيف لأوروبا. وكشف النقاب عن وجود تقدم ملموس في المباحثات الفنية مع الجانب الأوروبي.

الى أي مدى تعكس زيارة خادم الحرمين الشريفين لتركيا اليوم عمق وأهمية العلاقات بين البلدين؟

- تتميز الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله إلى تركيا في أغسطس 2006 بأهمية كبيرة لأنها الزيارة الأولى التي يقوم بها عاهل سعودي إلى بلادنا منذ عام 1966 من جهة ، وإنها تعكس ماوصل إليه مستوى العلاقات بين الدولتين الشقيقتين في الفترة الأخيرة.

ونلاحظ بامتنان وجود العزم والإرادة لدى الطرفين للحفاظ على هذا المستوى وزيادته بقدر الإمكان.

أما قرار خادم الحرمين الشريفين المتعلق بالقيام بالزيارة الثانية بعد عام واحد من الأولى، فكان مصدر امتنان وتقدير لنا، ويعزز مكانتنا في قلوب أشقائنا السعوديين.

إن حوارنا الصادق مع أشقائنا في المملكة سيؤدي حتما إلى اكتساب علاقاتنا الثنائية من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية لأبعاد جديدة، وتأسيس الاستقرار الدائم في منطقتنا ، وتقوية التعاون بيننا في مكافحة الإرهاب والذي يقتضي العمل الدولي المشترك.

امكانيات كبيرة للتعاون

ما هو تقييمكم لمستوى العلاقات مع المملكة سياسيا واقتصاديا؟

- تعتبر المملكة وتركيا أقوى دولتين في الشرق الأوسط من الناحية الاقتصادية . عليه فهنالك إمكانيات هائلة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.

ولقد تضاعف حجم التبادل التجاري خلال الأربعة أعوام الأخيرة وبلغ 3.2 مليار دولار عام 2006، بينما كان 1.3 مليار دولار عام 2002 ، وصادرات تركيا إلى المملكة كانت 555 مليون دولار وأصبحت 983 مليون دولار . ونلاحظ بامتنان زيادة حجم التبادل التجاري بيننا يوما بعد يوم ، إلا أننا نتطلع إلى المزيد . عليه، فإننا نتطلع إلى زيادة حجم التبادل التجاري ليفوق الخمسة مليار دولار.

وتأتي المملكة في مقدمة البلدان التي تعمل فيها شركات المقاولات التركية. حيث قامت هذه الشركات منذ الثمانينات بتنفيذ مشاريع في المملكة تفوق قيمتها على أربعة مليارات دولار، ومازال البعض من هذه المشاريع مستمرا إلى يومنا هذا. ونعلم بأن المملكة تخطط لمشاريع البنى التحتية، ونأمل أن تشارك الشركات التركية في تنفيذ هذه المشاريع.

وتعلمون من جهة أخرى بأننا نشجع الاستثمار الأجنبي في تركيا وتقدم حكومتنا كل التسهيلات الممكنة للمستثمرين الأجانب . ونلاحظ بامتنان زيادة إقبال الشركات الخليجية على الاستثمار في تركيا في الآونة الأخيرة ونأمل أن تحذو الشركات السعودية حذو شقيقاتها الخليجية.

وأود الإفادة أخيرا بأنه تم قطع شوط كبير في عملية تحديد الأسس القانونية للعلاقات الاقتصادية بين تركيا والمملكة. حيث تم في العام الماضي توقيع اتفاقية تبادل حماية وتشجيع الاستثمارات، وسوف تنتهي إجراءات اعتمادها في القريب العاجل. كما سيتم توقيع اتفاقية الإزدواج الضريبي التي إنتهت المباحثات المتعلقة بها . ونرى بأن هاتين الاتفاقيتين سوف تضيفان زخما جديدا على علاقاتنا الاقتصادية.

الخيار العسكري

ماذا بعد أن أخذتم الضوء الأخضر بضرب قواعد حزب العمال الكردستاني.. وهل أصبح العمل العسكري الخيار الأرجح؟

- إن وحدة الأراضي والسيادة الوطنية للعراق تأتي ضمن أولويات تركيا التي تعمل ما في وسعها لتأسيس الاستقرار والرفاه والطمأنينة في هذا البلد . الاستقرار في العراق يعني الاستقرار في تركيا ، والاعتداءات الإرهابية الصادرة من شمال العراق لاتهدد الاستقرار والطمأنينة في تركيا والعراق فحسب وإنما المنطقة بكاملها. إن منظمة PKK الإرهابية متمركزة مع الأسف في الشمال العراقي وتصول وتجول في هذه البقعة بكامل حريتها. لقد تحملت تركيا هذا الوضع لفترة طويلة وتطلعت إلى التعاون بشأنها مع الحكومة العراقية ، وأبرمت العديد من الاتفاقيات مع السلطات العراقية لتأمين إزالة تواجد المنظمات الإرهابية على أراضيها. وأعطت الفرص الكافية للسلطات العراقية لتنفيذ هذه الاتفاقيات. مقابل ذلك فإن السلطة المحلية التي تسيطر على القسم الشمالي من العراق حالت دون تطبيق الحكومة المركزية للاتفاقيات المذكورة. هذه السلطة المحلية لم تحرك ساكنا للمساهمة في عملية محاربة الإرهاب، بل ولم تظهر أية نوايا أو إرادة سياسية في هذا السياق. وهذه المنظمة الإرهابية أزهقت العديد من أرواح الأبرياء في تركيا، وفي 17 أكتوبر 2007 وافق مجلس الأمة التركي الأعلى على طلب الحكومة مظهرا الإرادة اللازمة لمحاربة الإرهاب ومانحا الحكومة التركية صلاحية العمليات ماوراء الحدود. وسوف يتم تحديد موعد وشمولية العمليات العسكرية في ضوء نتيجة الدراسات الفنية والدواعي العسكرية ومدى الحاجة إليها. لكن أمنية الجميع أن تتخذ السلطات العراقية التدابير اللازمة بهذا الشأن وتحول دون الحاجة إلى عمل عسكري. وفي حالة إستخدام الصلاحية المخولة للحكومة التركية والقيام بعمليات عسكرية، فإن الهدف الوحيد لهذه العمليات سوف يكون معاقل منظمة PKK الإرهابية .

الحل بالتفاهم والحوار

وماذا عن علاقات تركيا بالجار العراقي؟

- إن من أولويات تركيا الأساسية هي تأسيس دولة عراقية ذات سيادة وطنية وأراض موحدة لتساهم بشكل إيجابي في استقرار المنطقة وتكون لها علاقات طيبة مع الدول المجاورة لها.

ونرغب في أن يتم التوصل إلى حل المسائل في العراق عن طريق التفاهم والحوار بين الأطراف المتنازعة. وفي هذا السياق فإننا نولي أهمية خاصة لمستقبل منطقة كركوك التي قد تتسبب في إشعال فتيلة النزاع الطائفي.

وتعتبر عملية دول الجوار العراقي التي بدأت بمبادرة من تركيا محفلا دوليا هاما لتحديد مستقبل العراق.

وقد استضفنا المؤتمر الموسع الثاني لوزراء خارجية دول الجوار العراقي في مدينة إسطنبول في الفترة 2-3 نوفمبر الحالي. وقد تم التركيز في هذا المؤتمر على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية وتطهيرها من المنظمات الإرهابية.

كما اننا نولي عناية فائقة للمساواة في علاقاتنا مع جميع الأطراف العراقية.

فضلا على أن قنصليتنا العامة في الموصل بدأت بمزاولة نشاطها وسوف نفتح قنصلية عامة أخرى في البصرة قريبا ونعمل على هامش ذلك على تأسيس منطقة تجارية صناعية في الحدود العراقية الكويتية.

ولذا فإن نظرتنا إلى العراق تكاملية، وهنالك إمكانيات تعاون هائلة في مجال تدريب قوى الأمن والاقتصاد والطاقة والمعونات الإنسانية، ونأمل أن يتم استغلال هذه الامكانيات من أجل المصلحة المشتركة للبلدين وشعبيهما.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والعراق ثلاثة مليارات دولار ، وبلغ حجم الاستثمار للشركات التركية في العراق أربعة مليارات دولار.

كما ساهمنا بمساعدات مادية في صناديق المساعدات الدولية للعراق ومازلنا مستمرين في تقديم هذه المساعدات.

وتبذل تركيا كل ما في وسعها من أجل عودة جارتها وصديقتها العراق إلى المحافل الدولية.

هدفنا الأمن والاستقرار

كيف تنظرون الى علاقاتكم مع دول المنطقة وماهي طبيعة الدور التركي في دعم القضايا العربية؟

- إن لتركيا أواصر تأريخية وثقافية واجتماعية متجذرة مع منطقة الشرق الأوسط . وتتقاسم مع دول المنطقة وعلى رأسها الدول العربية المنطقة الجغرافية نفسها، وتواجه المخاطر والتهديدات شأنها شأن هذه الدول وتنتهج تركيا السياسات الرامية إلى سيادة الأمن والاستقرار في المنطقة والتي من شأنها رفع مستوى الرفاه الاقتصادي لشعوبها.

وترى تركيا عدم التوصل بعد إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية هو أساس القضايا العالقة في المنطقة وتؤيد كافة الجهود الرامية إلى إيجاد الحل وتعمل ما في وسعها من أجل ذلك في إطار قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة ومبادرة السلام العربية.

ومن هنا فإن ثقة طرفي القضية الفلسطينية في تركيا تمكنها من إبداء النصح السديد والصريح لكل من فلسطين وإسرائيل. وأود أن أشير هنا مرة أخرى إلى أهمية تفعيل مشروع منطقة أرز الصناعية الذي من شأنه فتح باب العمل والرزق لعشرات الآلاف من الفلسطينيين.

كما أن مساعينا الرامية إلى تأسيس الاستقرار في لبنان ومشاركتنا في القوات الدولية في هذا البلد تعكس موقفنا الواضح الملموس من هذه القضية.

من جهة أخرى فإن زيادة الزيارات المتبادلة مع دول المنطقة على أرفع المستويات والتطور الملموس في العلاقات الاقتصادية لها أهميتها في شرح دور تركيا في المنطقة.

جسر بين الشرق والغرب

الى أين وصلت المباحثات بشأن الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وهل ثمة تقدم في هذه القضية؟

- يعود تأريخ العلاقات المؤسساتية بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى أكثر من أربعين عاما، وقد سجلت العملية أسرع تطور لها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. أهم ما في الأمر هو اتخاذ خطوات ايجابية نحو المستقبل. وتركيا اليوم من الدول التي تتباحث مع الاتحاد الأوروبي، وهنالك تقدم ملموس في هذه المباحثات من الناحية الفنية. ورغم أن البعض يدعي بأن عضوية تركيا سوف تتسبب في المشاكل، ويتخذ موقفا حذرا من عضوية تركيا لكني أرفض ذلك وأؤكد بأن عضوية تركيا سوف تضيف الكثير إلى الاتحاد الأوروبي.

وتحتاج أوروبا إلى رؤية واسعة في التعريف بنفسها وبدورها في القرن الواحد والعشرين. في هذا الإطار فإنه من الضروري أن ينظر أرباب القرار الأوروبيين إلى عضوية تركيا كهدف نهائي.

كما تعتبر عملية الانضمام جسرا حيويا لربط الشرق الأوسط بالاتحاد الأوروبي . بمعنى آخر فإن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ستكون داعمة للجسر الذي يربط الغرب بالشرق وحلقة وصل لحوار الحضارات.