بودّي أن استثمر بعض الأمل في مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط، فالمعركة الدائرة منذ 59 سنة حول الأرض عينها بين الحركات الصهيونية، وحركات التحرّر الفلسطينية لم تكن مفيدة لأحد.
أودّ أن أشعر بالأمل، بالرغم من أن موعداً لهذا المؤتمر لم يتحدد بعد، كما أنه من غير الواضح بعد من سيشارك فيه، ولكونه جاء متأخراً سبع سنوات، وبالرغم من أن إسرائيل اختارت جذب السياح للمشاركة في احتفالاتها بالذكرى الستين لإنشائها، مع صور «لراعي بقر» إسرائيلي، في مزرعته في مرتفعات الجولان، الأمر الذي يوحي بأن هذه الدولة غير مستعدة لمبادلة الأرض بالسلام. كذلك، لا أرغب في أن أصاب باليأس، لكون إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، غارقاً في تحقيقات جزائية، ولكون الرئيس الأمريكي، جورج بوش هو أيضاً «شبه يائس»، فيما الرجل الوحيد الذي يجعل الرجلين السابقين يبدوان قويين، هو الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لأنه لا يسيطر إلا على الجناح الموجود في الضفة الغربية من حركته الوطنية. إن اليأس ليس خياراً، بالرغم من الاستراتيجية الراهنة، أي استراتيجية «الضفة الغربية أولاً»، تأتي بعد سنتين، عقب مقاربة «غزة أولاً»، التي كانت أعلنت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس عام 2005، قبل أن تفوّت الفرصة وتسيطر حماس على قطاع غزة. ولنتذكّر قليلاً جميع الكلام عن غزة، وعن «المرحلة التجريبية» لقيام دولة فلسطينية عقب انسحاب المستوطنين الإسرائيليين، والتصريحات العلنية بشأن الانتخابات الفلسطينية، غير أن الذكرى لا تنفع، لأن الذكريات زائدة عن اللزوم في الشرق الأوسط، ويكفي ما فيه من المقابر.
ومن خلال تطلعي نحو المستقبل، فإنني أرفض السماح بحصول الاقتتال الأخير في غزة بين حركتي فتح وحماس، حتى ولو أعلن محمود الزهار، القائد البارز في حماس، أنه بدون إعادة توحيد الضفة وغزة، لا يستطيع عباس تمثيل الجانب الفلسطيني في أنابوليس.
ويتوقع الزهار أن اللقاء في أنابوليس، سوف يكون «مثلاً فريداً للفشل» ويرد على مطالبتي باعتراف حماس بإسرائيل، بثلاثة أسئلة هي: ما هي حدود إسرائيل؟ وماذا سيحدث للقدس؟ وماذا سيحصل للاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
وهنا تكمن المشكلة، غير أنني أهدئ روعي بالقول إن أنابوليس لن يناقش التسوية السلمية، بل سيناقش كيفية وضع إطار للمفاوضات في عام 2008، وتحديد عدد قليل من المبادئ، والسعي للحصول على الدعم الإقليمي. والواضح الآن أن المبادئ البديهية والأساسية أصبحت موضع جدال ونقاش واختلاف، فمن المطالب العزيزة جداً على قلبي أولمرت، ووزيرة خارجيته «تسيبي ليفني» اليوم، هو مطلب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل على أنها «دولة يهودية».
لكن، صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، يرد على ذلك قائلاً: «الفلسطينيون لن يعترفوا أبداً بالهوية اليهودية لدولة إسرائيل».
ولماذا يقدم الفلسطينيون شيئاً من الوقت الذي لا تزال الضفة الغربية فيه عرضة للاستيطان المتوحش، فيما المستوطنات القائمة قد توسّعت بشكل لا يتصوّره عقل؟ إن فلسطين اليوم مجزأة إلى جيوب مقطعة الأوصال، وهو أمر واقع يرفض العديد من الإسرائيليين أن يروه. إن السبيل الوحيد للتخلص من اليأس، هو التفكير أو الاعتقاد، على الأقل، بأن أنابوليس سوف يمكن الطرفين، أي الإسرائيليين والفلسطينيين من الالتزام برؤية أحدهما الآخر، والاتفاق على تشكيل مجموعة عمل مشتركة، ورفض العنف، وتحويل الأموال المستحقة، ووضع مواعيد للتنفيذ. إن أقصى ما نستطيع أن نأمله هو وضع أجندة لإدارة الأزمة، بعيداً عن أوهام حل الأزمة. فالأحداث خلقت حواجز مادية وفكرية بين الطرفين، لا يستطيع إزالتها رئيس أمريكي قوي، فكيف بالأحرى، الرئيس الأمريكي الحالي، وهو رئيس ضعيف؟
ولذلك نقول إنه إذا كان «الصقر» لا يستطيع سماع صوت «الصقّار»، فإن الأمل يتضاءل. وهذا يعني أن أنابوليس يبدو مجرّد مناسبة لالتقاط الصور التذكارية.
* كاتب في صحيفة «هيرالد تريبيون»
ترجمة: جوزيف حرب
أودّ أن أشعر بالأمل، بالرغم من أن موعداً لهذا المؤتمر لم يتحدد بعد، كما أنه من غير الواضح بعد من سيشارك فيه، ولكونه جاء متأخراً سبع سنوات، وبالرغم من أن إسرائيل اختارت جذب السياح للمشاركة في احتفالاتها بالذكرى الستين لإنشائها، مع صور «لراعي بقر» إسرائيلي، في مزرعته في مرتفعات الجولان، الأمر الذي يوحي بأن هذه الدولة غير مستعدة لمبادلة الأرض بالسلام. كذلك، لا أرغب في أن أصاب باليأس، لكون إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، غارقاً في تحقيقات جزائية، ولكون الرئيس الأمريكي، جورج بوش هو أيضاً «شبه يائس»، فيما الرجل الوحيد الذي يجعل الرجلين السابقين يبدوان قويين، هو الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لأنه لا يسيطر إلا على الجناح الموجود في الضفة الغربية من حركته الوطنية. إن اليأس ليس خياراً، بالرغم من الاستراتيجية الراهنة، أي استراتيجية «الضفة الغربية أولاً»، تأتي بعد سنتين، عقب مقاربة «غزة أولاً»، التي كانت أعلنت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس عام 2005، قبل أن تفوّت الفرصة وتسيطر حماس على قطاع غزة. ولنتذكّر قليلاً جميع الكلام عن غزة، وعن «المرحلة التجريبية» لقيام دولة فلسطينية عقب انسحاب المستوطنين الإسرائيليين، والتصريحات العلنية بشأن الانتخابات الفلسطينية، غير أن الذكرى لا تنفع، لأن الذكريات زائدة عن اللزوم في الشرق الأوسط، ويكفي ما فيه من المقابر.
ومن خلال تطلعي نحو المستقبل، فإنني أرفض السماح بحصول الاقتتال الأخير في غزة بين حركتي فتح وحماس، حتى ولو أعلن محمود الزهار، القائد البارز في حماس، أنه بدون إعادة توحيد الضفة وغزة، لا يستطيع عباس تمثيل الجانب الفلسطيني في أنابوليس.
ويتوقع الزهار أن اللقاء في أنابوليس، سوف يكون «مثلاً فريداً للفشل» ويرد على مطالبتي باعتراف حماس بإسرائيل، بثلاثة أسئلة هي: ما هي حدود إسرائيل؟ وماذا سيحدث للقدس؟ وماذا سيحصل للاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
وهنا تكمن المشكلة، غير أنني أهدئ روعي بالقول إن أنابوليس لن يناقش التسوية السلمية، بل سيناقش كيفية وضع إطار للمفاوضات في عام 2008، وتحديد عدد قليل من المبادئ، والسعي للحصول على الدعم الإقليمي. والواضح الآن أن المبادئ البديهية والأساسية أصبحت موضع جدال ونقاش واختلاف، فمن المطالب العزيزة جداً على قلبي أولمرت، ووزيرة خارجيته «تسيبي ليفني» اليوم، هو مطلب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل على أنها «دولة يهودية».
لكن، صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، يرد على ذلك قائلاً: «الفلسطينيون لن يعترفوا أبداً بالهوية اليهودية لدولة إسرائيل».
ولماذا يقدم الفلسطينيون شيئاً من الوقت الذي لا تزال الضفة الغربية فيه عرضة للاستيطان المتوحش، فيما المستوطنات القائمة قد توسّعت بشكل لا يتصوّره عقل؟ إن فلسطين اليوم مجزأة إلى جيوب مقطعة الأوصال، وهو أمر واقع يرفض العديد من الإسرائيليين أن يروه. إن السبيل الوحيد للتخلص من اليأس، هو التفكير أو الاعتقاد، على الأقل، بأن أنابوليس سوف يمكن الطرفين، أي الإسرائيليين والفلسطينيين من الالتزام برؤية أحدهما الآخر، والاتفاق على تشكيل مجموعة عمل مشتركة، ورفض العنف، وتحويل الأموال المستحقة، ووضع مواعيد للتنفيذ. إن أقصى ما نستطيع أن نأمله هو وضع أجندة لإدارة الأزمة، بعيداً عن أوهام حل الأزمة. فالأحداث خلقت حواجز مادية وفكرية بين الطرفين، لا يستطيع إزالتها رئيس أمريكي قوي، فكيف بالأحرى، الرئيس الأمريكي الحالي، وهو رئيس ضعيف؟
ولذلك نقول إنه إذا كان «الصقر» لا يستطيع سماع صوت «الصقّار»، فإن الأمل يتضاءل. وهذا يعني أن أنابوليس يبدو مجرّد مناسبة لالتقاط الصور التذكارية.
* كاتب في صحيفة «هيرالد تريبيون»
ترجمة: جوزيف حرب