-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
حرص المسؤولون الأمريكيون في الأيام الأخيرة السابقة لانعقاد مؤتمر أنابوليس على الحد من التوقعات والنتائج المنتظرة من المؤتمر. وهي استراتيجية أساسية تتبعها الدبلوماسية الأمريكية حتى إذا ما تحققت بعض المكاسب خلال المؤتمر تظهر هذه المكاسب باعتبارها متجاوزة للتوقعات والمعايير. إلا أن واقع البيان الذي قرأه الرئيس الأمريكي جاء مطابقا للتوقعات الأمريكية، ومواتيا للتطلعات الإسرائيلية، ولم يحفل بكثير من النتائج، ولم يحمل في طياته ما يعزز انطباع «البداية القويّة» الذي أشار إليه الرئيس الأمريكي في خطابه، ولا يدل على استعداد لتقديم تنازلات سياسية صعبة ضرورية للتوصل إلى اتفاق.
فقد تمنى الجانب الفلسطيني الحصول على «وثيقة تفاهم مشترك» للمفاوضات، بينما تمنى الجانب الإسرائيلي «بيان تفاهم مشترك»... فكان له ما تمنى. فالجانب الإسرائيلي يرفض أي وثيقة قد تهدد وثيقة الضمانات الأمريكية التي قدمها بوش إلى شارون في إبريل 2004م، والتي تقر بمصالح إسرائيل في قضايا القدس، والمستوطنات، والحدود، وعودة اللاجئين الفلسطينيين...والتي أعادها إيهود أولمرت إلى الأذهان في خطابه للمؤتمر. كما سعى الجانب الفلسطيني إلى الحصول على تفاهم مشترك يتناول القضايا الرئيسية للدولة الفلسطينية بالتفصيل كالحدود النهائية، والسيادة على القدس، ومصير اللاجئين الفلسطينيين، بينما سعى الجانب الإسرائيلي إلى لغة مجملة غامضة خالية من النقاط الخلافية تتناول فقط رؤية لدولتين وهما إسرائيل وفلسطين.. وما أشبه هذه اللغة بلغة مرحلة مفاوضات الاتفاق النهائي لخارطة الطريق والتي نصت على أن يُتوصل إلى اتفاق نهائي قبل نهاية عام 2005م والتي لم يتم تنفيذها. وضغط الجانب الفلسطيني باتجاه آلية رقابة فعالة، وتعيين مراقبين متفرغين لرصد وتقييم مدى التزام الطرفين بالوعود التي جاءت في البيان، وبخاصة على الصعيد الأمني وتجميد الاستيطان في الضفة الغربية لضمان تنفيذها، بينما شاء الجانب الإسرائيلي خلو «بيان التفاهم المشترك» من رقابة مباشرة...فكان له ما شاء.

لقد وصف رئيس السلطة الفلسطينية مؤتمر أنابوليس بأنه «فرصة تاريخية» لبناء جسور السلام والثقة فما كان له في البيان من البناء إلا ما بين العتبة إلى الباب، وما كان للبيان من التاريخ إلا اسمه. كل هذا يدعونا إلى التساؤل عن الأهداف الحقيقية من وراء يقظة الإدارة الأمريكية الحالية وسعيها لبدء أول مباحثات مباشرة بين الجانبين منذ ما يقرب من سبع سنوات من الفراغ السياسي. فالخبراء يصفون المؤتمر بأنه تغطية إعلامية يراد بها صرف الرأي العام الأمريكي والدولي عن ملفي العراق وأفغانستان، وإيهامه بتحقيق مكاسب دبلوماسية. فالواقع يشير إلى فقدان الإدارة الحالية خلال السبع سنوات الماضية لمصداقيتها كوسيط سلام عادل بين الطرفين، وتجاهلها لتنفيذ التزامات المراحل الأولى من اتفاقية خارطة الطريق. وفي ظل هذا الوضع أصبحت خبرتها السياسية محدودة جدا في التعامل مع ملف «السلام» الفلسطيني الإسرائيلي. أضف إلى ذلك أعباء الملفات العراقية والأفغانية والإيرانية...التي تكبل يدي الإدارة الأمريكية في التعامل مع الملف الفلسطيني الإسرائيلي. كل هذا يجعل تأهيل الإدارة الأمريكية الحالية للجانب الفلسطيني والإسرائيلي لقبول السلام مهمة صعبة للغاية ولكنها ليست بالمستحيلة. فمن المستبعد أن يتحقق التاريخ على يدي الإدارة الحالية في الوقت الراهن. فما زالت الإدارة الأمريكية تتجاهل محنة الشعب الفلسطيني الناتجة عن السياسات الإسرائيلية، متبنية في ذلك سياسة الكيل بمكيالين في عفوها عن الممارسات الإسرائيلية من الاحتلال والاستيطان ومصادرة الأراضي، وفي حرمانها للفلسطينيين من العدل والسلام. إلا أنها قادرة، إن تبنت قيم «السلام والحرية والعدالة للجميع»، على إحراز تقدم فعلي وواقعي مبني على خطوات منهجية لتفعيل عملية السلام ترثها وتستفيد منها الإدارة الأمريكية القادمة. ومن دون ذلك فلن يكون لمؤتمرات السلام أي جدوى، وسوف نظل نسمع قرقعة ولا نرى طحينا.
afansary@yahoo.com