-A +A
فريدة صالح شطا
أشرت في الموضوع السابق إلى أن ازدياد الحوادث يكاد يصل إلى ما يسمى بالظاهرة، وهذا الوصف مثار خلاف واختلاف بين الناس.. فالحوادث توصف أحياناً بأنها ظاهرة فيما يرفض آخرون هذه التسمية ويعتبرونها مجرد حوادث وحالات فردية.. أيضاً يعتقد البعض أنها جديدة على مجتمعنا فيما يؤكد آخرون أنها ليست جديدة، وأن الجديد فيها هو نشرها والإعلان عنها في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة. وإلى جانب هذه الحوادث المختلفة كالسرقة والسطو المسلح، القتل، الاختطاف، الاغتصاب، العنف الأسري... إلخ.. ظهرت سلوكيات ومفاهيم غير مقبولة بين الناس لم تكن شائعة بهذا الشكل، كالعصبية بالنسب.. وتجاوزها من البشر إلى الأنعام كأنساب الإبل والأغنام.. إلخ. وهناك المزايدة في مبلغ الدية حتى تجاوزت الملايين من الريالات والمزايدة على لوحات السيارات بملايين اخرى (بموافقة إدارة المرور) بينما فقراء الضواحي يعيشون في كوكب آخر لايمكن الوصول اليهم لمساعدتهم. هذه السلوكيات وإن كانت وقتية (هوجة) تمر أو تختفي.. إلا أن غيرها سرعان ما تظهر.
و الاختلافات في الآراء حول هذه المسائل، بأنها قديمة أم جديدة، ظاهرة أم عابرة، فأياً ما كانت المسميات فما يهمنا أنها تحدث وتقع كل يوم تقريباً.. مما يضعنا أو يضع أمامنا تساؤلات عدة.. ما هي الأسباب التي أدت إلى ازدياد ظهور أو وقوع هذه الحوادث؟

ما هي أسباب التغيرات الحادثة في السلوكيات والمفاهيم؟ أهي نتيجة للمستجدات العلمية والثورة المعلوماتية التي أدت إلى الانفتاح الكبير على العالم وبالتالي أدت إلى خلل في المفاهيم؟ هل الانفتاح على العالم واتساع دائرة الاختلاط بالآخرين ممن نذهب إليهم أو من يقيمون معنا منهم أدى إلى خلخلة المفاهيم وظهور سلوكيات غريبة؟ أسئلة كثيرة يجب الإجابة عليها ولن يكفي مثلا معاقبة مرتكبي الجرائم للحد منها، ولن تكفي الفرجة أوالتنديد لمنع ظهور فقاعات السلوك التي وإن كانت تختفي إلا أن غيرها سرعان ما يلبث أن يظهر.
إن الواجب يحتم علينا التفكير العملي لتصحيح ما اختلّ من القيم، وهذا دور يقوم به المختصون من علماء النفس وعلماء الاجتماع، لدراسة الحالات وأسبابها، ووضع توصيات عامة للحد منها (ظاهرة أو عابرة) ولتصحيح ما (استجد) من سلوكيات وأقول «استجد» تجاوزاً فربما كانت هذه السلوكيات والمفاهيم موجودة أصلاً ثم جاء من يزيح عنها الغبار تحت عوامل كثيرة أهمها «المادة» والتغيير السريع وعدم القدرة على استيعاب هذه المتغيرات، وهي أمور يعرفها أفضل العلماء والأساتذة المتخصصين، ونحمد الله أن لدينا من الكفاءات في هذين المجالين ما يـُمكننا من الاستفادة بعلمهم وخبرتهم.. وما أتمناه أن يتم تشكيل هيئة تقوم بعمل الدراسات اللازمة فالحلول الفردية لن تساعد على منع تكرار هذه المشاكل أو ظهور غيرها.. وأرجو من هؤلاء الأساتذة المبادرة بالتعاون مع الأجهزة المعنية في هذا الشأن. ومن أهم هؤلاء الأساتذة سعادة الدكتورة فاتنة أمين شاكر التي وإن كانت قد توقفت عن العمل في وقت مبكر إلا أنها لم تتوقف عن الدراسة والبحث. وأذكركم بأني وضعت لقب «عالمة الاجتماع» قبل اسمها في موضوع سابق لأنها بحق عالمة في مجالها بما لديها من علم وخبرة ودأب مستمر في البحث..
إن الحديث عن ضرورة الاستفادة من خبرة أساتذة العلوم الإنسانية يؤدي بالضرورة إلى الحديث عن موقع هذه التخصصات من الاهتمام العام، حيث إننا نلاحظ أن التركيز في غالب الأمر على التخصص في العلوم التقنية والطبيعية بحجة احتياجات العصر ولمواكبة التقدم العلمي متسارع الخطوات. لكن مع إيماننا بضرورة العناية بهذه العلوم فإننا كما ذكر مرات ومرات فإننا لا يجب أن نغفل عن أهمية العلوم الإنسانية وحاجتنا لها لمساندة التطور، فهي التي ترقب وترصد ما تحدثه الطفرات العلمية في تركيبة المجتمع وتعمل على صيانة القيم والمفاهيم وتحافظ على التوازن بين الرغبة في الانطلاق وما يجب أن نتمسك به من قيم.
لذلك يجب أننا كما نشجع الأجيال على دراسة العلوم العصرية والتقنية لا بد من أن نشجعهم على دراسة العلوم الإنسانية جنباً إلى جنب.
سقط تساؤل لا أدري إن كان سقط سهواً أو عمداً لذلك أعيده هنا: الفقرة الخاصة بحوادث المعلمات في الموضوع السابق أنهيتها بتساؤل «هل يرسل مسؤولو التعيين بناتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم إلى المناطق النائية»؟!