أعتقد أن أهم وأكبر مجال تفوق فيه ابناء وبنات دول مجلس التعاون الخليجي على بقية الشعوب العربية، هو تكنولوجيا المعلومات «الانترنت»، فقد صار معظم المتعلمين في دول المنطقة يستخدمونه كما أن الوزارات صارت تسير جانبا من أعمالها بالانترنت والانترانت.. ولكنني أذكر لطم الخدود الذي مارسه الكثيرون على صفحات الجرائد وشاشات التلفزة عندما دخلت خدمات الانترنت منطقة الخليج، باعتبار انها فيروس خبيث يتسلل الى البيوت والعقول ليخربها ويدمرها.. فقد تبرمجت عقولنا على سوء الظن بكل ما هو جديد وحديث.. في صحيفة خليجية قرأت في تسعينات القرن الماضي في بريد القراء رسالة من سيدة تقول فيها ان «بنات القبائل والعوائل» لا يستخدمن الهاتف الجوال.. ويغلب الظن عندي ان تلك السيدة اضطرت لاحقا الى الانفصال عن بنات القبائل والعوائل وصارت تمتلك موبايلات بألوان جميع فساتينها.. مع بداية طرح خدمات الهاتف الجوال كنت رئيسا لقسم العلاقات العامة والترجمة في شركة اتصالات قطر، والتقيت ذات يوم في مدخل مبنى الشركة برجل غاضب يطالب بلقاء المدير لأمر هام، وبحكم منصبي كمسؤول عن العلاقة مع الجمهور فقد طيبت خاطر الرجل ودعوته الى مكتبي، بعد ان وعدته بترتيب لقاء له مع المدير إذا عجزت عن حل المسألة التي أغضبته، وما ان جلس حتى بادرني بالحديث: شوف يا ولدي شركتكم هاي لازم تمنع اشتراك الحريم في خدمات الهاتف الجوال إلا بموافقة ولي الأمر.. ما يصير حريمنا تتحكى وتضحك في الشوارع.. حاولت اقناعه بأن الموبايل لا يستخدم لتخصيب اليورانيوم، وأنه خال من الفيروسات التي تفسد الاخلاق (ما لم تكن اخلاق من يستخدمه رجلا كان ام امرأة فاسدة أصلا).. وان الكلام لو صدر عن رجل أو امرأة بصوت عال في الشوارع بجوال أو بدونه، ليس من حسن الأدب،.. ضاق الرجل بكلامي وشتمني بعبارات أخفها وطأة «مالت عليك أنت وشركتك.. لا تعرفون معنى الشرف والفضيلة».. قبلها كان هناك مأتم وعويل عند طرح خدمات النداء (البيجر/البليب)، وسودت صفحات طوال عراض عن تأثيره المدمر على الأخلاق وكتبت مقالا في صحيفة قطرية قلت فيه ان ذلك الجهاز لا يسبب الأذى ما لم تستخدمه لضرب شخص بقوة على رأسه وأن السيارات تفسد الأخلاق إذا استخدمها سيئو الخلق لمعاكسة الفتيات أو تهريب الخمور والمخدرات وان البيوت تفسد الاخلاق اذا استخدمت جدرانها وغرفها لممارسة الرذيلة أو تعاطي المواد التي تذهب بالعقل.