-A +A
أمير تاج السر
حتى عهد قريب، لم تكن مسألة توقيع الكتب في المعارض بواسطة مؤلفيها، جزءا من بروتوكولنا الثقافي. كان الكتاب يكتب، وينشر وينتشر بشدة أو يبور بشدة حسب النصيب دون أن يقترب منه مؤلف ليضع توقيعه ويقدمه لقارئ ربما أراد الاحتفاء بالتوقيع أكثر من احتفائه بالمؤلف.وقد جبت الكثير من معارض الكتب في الماضي، كنت أعثر على الكتب هادئة أو مضطربة في رفوفها، الناس يشترون وينصرفون، ولا رائحة لمؤلف يحاول توقيع شيء.. وحين التقيت في نهاية الثمانينات، بالناشر المصري حسني سليمان، صاحب دار شرقيات، الذي عاش فترة في أوروبا، حدثني عن عادة التوقيعات التي تجري هناك كلما صدر كتاب، حتى لو كان مختصا بالسماد وتخصيب التربة..سرد لي حكايات طويلة عن مؤلفين صغار، كبروا حين وقعوا رواية أو كتاب شعر.. عن طوابير طويلة من القراء كل يحمل في يده نسخة من رواية (الوله التركي) للأسباني (أنطونيو غالا).. كانوا ينتظرون حضوره لساعات ليوقع لهم، بينما كان الرجل غافيا في قيلولة نهارية.. كان ذلك خصبا ومدرا للخيال وحفزني على الخوض في تلك المغامرة.. أن أوقع كتابا عربيا في معرض عربي.
كانت تجربتي الوحيدة مع التوقيع، قد جاءت بعد عامين من حديثي مع الناشر المصري، صدرت لي رواية وجئت إلى معرض الكتاب في الدوحة، وأعلنت في وسائل الإعلام إنني سأوقع عليها.. وقفت في جناح دار النشر.. لم يكن ثمة مقعد لأجلس عليه، لا شاي ولا قهوة ولا طوابير من الأيدي التي تحمل نسخ الرواية، كنت أنا الوحيد الذي بدأ التوقيع في معرض الدوحة والوحيد الذي وقع في تلك السنة، وكانت حصيلتي عشرة شبان اشتروا الكتاب وأرادوا توقيعي.. بعضهم فعل ذلك مجاملة وبعضهم لمجرد أنه التقى بكاتب وجها لوجه.

الآن أنا مقلع عن توقيع الكتب، لم أفعل ذلك منذ تلك المرة الأولى.. لكني أمر في معرض الدوحة الدولي، فأعثر بين كل طاولتين، على مؤلف أو مؤلفة منكبة على توقيع كتاب.. وأيضا ليست ثمة طوابير ترفع الروح المعنوية ولا إقبال حقيقيا على جهد كان مكلفا وهو يطبخ.. مجرد مؤلف مسكين يحاول أن يقدم كتابا مسكينا.
أصل إلى تلك الخلاصة المؤلمة.. الكتاب العربي ليس جاذبا للقارئ العربي.. والموقع العربي يحتاج إلى عشرات من السنين حتى يقف مرفوع الرأس ليوقع كتابا.