-A +A
د. طلال صالح بنان
الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، الدول الأربع الأعضاء في ما يسمى مجموعة الخمسة زائد واحد، التي تنظر في أزمة الملف النووي الإيراني في مجلس الأمن، أسقط في يدهم جميعاً إمكانية إصدار قرار ثالث من المجلس يفرض عقوبات جديدة على إيران، قد تُفسر في ما بعد من هذه الدول الأربع بزعامة الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات أشد عنفاً على إيران، في غياب قرار واضح وحاسم بذلك من مجلس الأمن، كما حدث في حالة العراق عند الغزو في مارس 2003. سبب هذا الإحباط الذي يسود هذه الدول، التي تمثل، الآن مجموعة “الضواري” في مجلس الأمن، وعلى مستوى النظام الدولي، التقرير الذي أصدرته مجموعة تضم 16 وكالة من وكالات الاستخبارات العامة الأمريكية (سي آي ايه) في الرابع من ديسمبر الحالي أقرت فيه من أن إيران، من 2003 ، لم يُتتبع لها أي نشاط مشبوه يقود إلى الاعتقاد من أنها تفكر في استخدام مشاريعها النووية لأغراض استراتيجية.
إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي، من جانبها، لازالت عند موقفها التقليدي من الأزمة، وإن كانت غيرت من منطق جدلها فيها. بعد أن كانت تؤكد أن لإيران طموحات إستراتيجية نووية، أضحت بعد صدور التقرير، تحذر من خطر للتكنولوجيا النووية، موقف أعاد تأكيده وزير الدفاع الأمريكي في المنامة الأسبوع الماضي، مؤتمر حوار المنامة..!؟

المشكلة التي تواجه مجموعة “الضواري” الأربع هذه في مجلس الأمن، أن تردد أعضاء مهمين في مجلس الأمن، مثل: روسيا والصين، بعد تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية تطور إلى مرحلة أكثر استعصاء في احتمال صدور قرار ثالث من مجلس الأمن يشدد نظام العقوبات المفروضة على إيران. الصين وروسيا كانتا تواجهان ضغط مجموعة الضواري هذه، مدفوعة بالإبقاء على مصالح اقتصادية مع إيران، ولكن سلوكهما في مجلس الأمن، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، جعل هاتين الدولتين المهمتين في مجلس الأمن تنكفئان على مصالحهما الاستراتيجية في مناطق النفوذ الحيوي التقليدي لهما، مع أقل قدر ممكن من الانخراط في قضايا السياسة الدولية البعيدة، لتستمر اهتمامات الولايات المتحدة الكونية وتتسع، منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن، دون أن تلقى ممانعة مؤثرة من الصين وروسيا الاتحادية.
آخر تطورات الأزمة ما أجمع عليه المندوب الأمريكي الدائم في الأمم المتحدة زلمان خليل زادة والسفير البريطاني في الأمم المتحدة جون سيورز باستبعاد إمكانية التوصل إلى اتفاق حتى نهاية العام وأكد الأخير على عمق الخلافات بين مجموعة الضواري الأربع، من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى، حول الأزمة.
ولكن، إلى أي مدى تظل مجموعة الضواري الأربع هذه حبيسة قفص مجلس الأمن... وهل هي في حاجة إلى قرار جديد. الدول الأربع بمقدورها أن تفعل الكثير، من فرض عقوبات جديدة فيما بينها ضد إيران، خارج مجلس الأمن، إلى مستوى التهور في إدارة الأزمة، بصورة أكثر عنفاً. شرعية مجلس الأمن، في إدارة الأزمة، هي أخلاقية في الأساس.. وقانونية في المحتوى.. وسياسية في النهاية. الدول الأربع، بما تملكه من إمكانات وموارد ضخمة في حركة السياسة الدولية، بإمكانها أن تتجاوز معظم العقبات التي تواجهها... فقط عليها تطوير الإرادة للمضي في الطريق إلى نهايته.
الضواري تكون أكثر شراسة وعنفاً وهي في الأسر أو الشعور بقلة الخيارات أمامها، ليبقى خيار القوة هو الأكثر جاذبية. هذا، ينطبق إلى حدٍ كبير، على حركة السياسة الدولية، التي تمثل حلبة واسعة فيها القليل من الضواري والكثير من الفرائس مع ندرة في آليات إدارة الأزمات في ما بينها، أوفي أفضل الأحوال تواضعها. الضواري، على أي حال تنجذب إلى سلوك الفرائس في التعامل معها، أكثر من الاستجابة لغريزة الافتراس في داخلها.
المهم، في كل هذا، وعلى مستوى تبصر حركة الأزمة وتداعياتها، يبرز السؤال: هل إيران وصلتها رسالة تقرير الاستخبارات الأمريكية.. واستوعبت محتواها أم لا. هل بمقدور إيران أن تسيطر على إدارة الأزمة، باستغلال التقرير لتظهر تعاوناً أكبر في حل الأزمة، وتطمينات أكثر لدول المنطقة بسلامة برنامجها النووي.. أو تندفع لتكشف، ما تريد هذه القوى من الضواري وتجتهد إيران في إخفائه للاستدلال عليه... ويصبح الطريق بعد ذلك سالكاً، إلى ما هو أبعد من قرار ثالث يصدر من مجلس الأمن ضد إيران.
الكرة، كما يُقال في المربع الإيراني. للإيرانيين أن يقذفوا الكرة في أي اتجاه، ويحاذروا من أية هجمة مرتدة من الخصم تدخل الكرة إلى مرماهم... وتنتهي اللعبة، بخسارة إيران والمنطقة، وربما أمن العالم وسلامه.