هذا المقال هو الأول من سلسلة مقالات ثلاثة تتعلَّق بأمن دول مجلس التعاون الخليجي بمناسبة انعقاد القمة الخليجية في البحرين في الأسبوع الأول من ديسمبر القادم، وأعتقد أن الأمن ما هو إلا الحد الأدنى للتعاون والتنسيق بين دول المجلس التي تمر بأصعب مراحل تاريخها لخطورة التهديدات والتحديات التي تواجهها والتي شهدَت الكثير من الإحباطات وحقَّقت الكثير من الإنجازات في مسيرتها التي تستحق أن تتوَّج بإعلان الاتحاد.
فبعد استقلال البحرين وقطر وقيام اتحاد الإمارات العربية عام (1971م) شعرت هذه الدول وبما فيها الكويت والسعودية وعُمان بالخطر الذي يهدد استقلالها وسيادتها، خصوصاً بعد الانسحاب البريطاني من شرق السويس في (1968م) وانكشاف الغطاء الأمني عنها وتزايد قوة وخطر إيران الشاهنشاهية التي استهلَّت الانسحاب البريطاني بالانقضاض على الجزر الإماراتية الثلاث، وعراق صدام حسين بنظامه الأيديولوجي البعثي العربي، لتُشعل تلك الدولتان نيران الحرب في (سبتمبر 1980م) ولم تكن لها نهاية معروفة، بل انعكست تأثيراتها على دول الخليج التي خشيت من امتداد الحرب إلى أراضيها؛ لذلك كان (الاتحاد التساعي) الذي سقط بسبب التهديدات الإيرانية، ليتأسس بعده (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) في (25 مايو 1981م)، والذي كان صاحب فكرته المغفور له سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح، ليشكّل ترجمة واقعية لحالة أمنية خطيرة جداً على كيانات واستقلال دول الخليج؛ ليكون المجلس منظومة للتعاون الإقليمي وليس منظومة سياسية تعمل ضد قوى الإقليم؛ وكان عليها أن تدخل آنذاك عالم الدبلوماسية والعلاقات الدولية المباشرة والمصالح السياسية المتشابكة وتتعامل وجها لوجه مع أطماع القوتين الكبريين في الإقليم (العراق وإيران).
من هنا تبرز أهمية أمن الخليج العربي والدور الخليجي في المعادلة الإقليمية والدولية ذات الأبعاد المتعددة، حيث أدرك القادة الحاجة الملحّة لوضع رؤية أمنية خليجية تأخذ في الاعتبار الأهداف والمصالح المشتركة، وتقف بقوة وثبات أمام التحديات الخطيرة والأطماع الإقليمية، فأصبح موضوع (أمن الخليج العربي) من البنود الدائمة والأساسية على جداول أعمال القمم الخليجية والاجتماعات الوزارية.
فمنذ قيام الثورة الخمينية في إيران عام (1979م) تغيَّرت قواعد العلاقات واللعبة السياسية في المنطقة؛ وتغلغلت اليد الإيرانية في عدد من الملفات والأوراق السياسية العربية المهمة، وأثارت تدخلاتها حالة من الانقسام والعداء الطائفي الحاد على امتداد الوطن العربي، وكان من أبرز تداعياتها قيام العديد من الحروب في منطقة الخليج.
لذلك يظل (الأمن الخليجي) هاجساً مقلقاً يلقي بظلاله على علاقات دول المجلس على المستويات السياسية والتاريخية والحدود الجغرافية التي تعتبر سبب استمرار المؤشرات السلبية ذات الصلة بالخشية من انتهاك سيادتها الوطنية وإرادتها السياسية والتي كثيراً ما طفت على السطح في صور ومواقف سياسية حادة كادت أن تطيح بهذه المنظومة المهمة، كإصرار قطر في قمة الدوحة عام (1990م) على حل خلافها الحدودي مع البحرين في الوقت الذي كانت تبحث فيه القمة أزمة الاحتلال العراقي للكويت، وموقف (السعودية والإمارات والبحرين) الداعم للنظام الجديد في مصر بقيادة الرئيس محمد عبدالفتاح السيسي وموقف (قطر) الداعم لحكم الإخوان المسلمين، الموقف العُماني من الصراع في اليمن الذي ما زال يشكل حالة من عدم الارتياح لدى دول التحالف العربي.
كل ذلك يؤكد أن دول مجلس التعاون ليست متفقة على المصدر الرئيسي المهدِّد لأمنها، كما لم تتوصَّل إلى مفهوم مشترك للأمن الاستراتيجي، رغم توقيعها للعديد من الاتفاقيات، واعتماد كل منها على ترتيبات أمنية ودفاعية مع أمريكا، مما يقف عائقاً أمام انتقال هذه المنظومة المهمة من التعاون إلى الاتحاد.
ورغم مباركة وترحيب قادة دول مجلس التعاون بمبادرة المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بــ(الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد) التي أعلنها في قمة الرياض (ديسمبر 2011م)؛ إلا أن عنصر المفاجأة عند عرضها استدعى تشكيل هيئة متخصصة توكل إليها مهمة دراستها، ووجد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أن (الاتحاد الخليجي) يتماشى والهدف الأساسي لقيام مجلس التعاون، وينسجم تماماً مع (رؤية البحرين) التي تم إقرارها في قمة أبوظبي عام (2009م) لتحقيق التنسيق والتكامل فيما بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
إن (الاتحاد الخليجي) يعكس الرؤية الواقعية لأمن دول مجلس التعاون النابعة من الداخل، والتي تأخذ بعين الاعتبار حماية الأهداف والمصالح الأمنية المشتركة بغض النظر عن التحفظات ذات الخلفية التاريخية والنظرة الضيقة للمصلحة الوطنية الآنية؛ فالتحديات والتهديدات والأطماع التي تحيط بدول المجلس واحدة وثابتة تاريخياً ولا تستثني دولة عن أخرى؛ وهذا يحتم تحقيق المزيد من خطوات التنسيق والتعاون نحو التوجهات الاتحادية التي تنقل مجلس (التعاون) إلى طور (الاتحاد).
(*) المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
فبعد استقلال البحرين وقطر وقيام اتحاد الإمارات العربية عام (1971م) شعرت هذه الدول وبما فيها الكويت والسعودية وعُمان بالخطر الذي يهدد استقلالها وسيادتها، خصوصاً بعد الانسحاب البريطاني من شرق السويس في (1968م) وانكشاف الغطاء الأمني عنها وتزايد قوة وخطر إيران الشاهنشاهية التي استهلَّت الانسحاب البريطاني بالانقضاض على الجزر الإماراتية الثلاث، وعراق صدام حسين بنظامه الأيديولوجي البعثي العربي، لتُشعل تلك الدولتان نيران الحرب في (سبتمبر 1980م) ولم تكن لها نهاية معروفة، بل انعكست تأثيراتها على دول الخليج التي خشيت من امتداد الحرب إلى أراضيها؛ لذلك كان (الاتحاد التساعي) الذي سقط بسبب التهديدات الإيرانية، ليتأسس بعده (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) في (25 مايو 1981م)، والذي كان صاحب فكرته المغفور له سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح، ليشكّل ترجمة واقعية لحالة أمنية خطيرة جداً على كيانات واستقلال دول الخليج؛ ليكون المجلس منظومة للتعاون الإقليمي وليس منظومة سياسية تعمل ضد قوى الإقليم؛ وكان عليها أن تدخل آنذاك عالم الدبلوماسية والعلاقات الدولية المباشرة والمصالح السياسية المتشابكة وتتعامل وجها لوجه مع أطماع القوتين الكبريين في الإقليم (العراق وإيران).
من هنا تبرز أهمية أمن الخليج العربي والدور الخليجي في المعادلة الإقليمية والدولية ذات الأبعاد المتعددة، حيث أدرك القادة الحاجة الملحّة لوضع رؤية أمنية خليجية تأخذ في الاعتبار الأهداف والمصالح المشتركة، وتقف بقوة وثبات أمام التحديات الخطيرة والأطماع الإقليمية، فأصبح موضوع (أمن الخليج العربي) من البنود الدائمة والأساسية على جداول أعمال القمم الخليجية والاجتماعات الوزارية.
فمنذ قيام الثورة الخمينية في إيران عام (1979م) تغيَّرت قواعد العلاقات واللعبة السياسية في المنطقة؛ وتغلغلت اليد الإيرانية في عدد من الملفات والأوراق السياسية العربية المهمة، وأثارت تدخلاتها حالة من الانقسام والعداء الطائفي الحاد على امتداد الوطن العربي، وكان من أبرز تداعياتها قيام العديد من الحروب في منطقة الخليج.
لذلك يظل (الأمن الخليجي) هاجساً مقلقاً يلقي بظلاله على علاقات دول المجلس على المستويات السياسية والتاريخية والحدود الجغرافية التي تعتبر سبب استمرار المؤشرات السلبية ذات الصلة بالخشية من انتهاك سيادتها الوطنية وإرادتها السياسية والتي كثيراً ما طفت على السطح في صور ومواقف سياسية حادة كادت أن تطيح بهذه المنظومة المهمة، كإصرار قطر في قمة الدوحة عام (1990م) على حل خلافها الحدودي مع البحرين في الوقت الذي كانت تبحث فيه القمة أزمة الاحتلال العراقي للكويت، وموقف (السعودية والإمارات والبحرين) الداعم للنظام الجديد في مصر بقيادة الرئيس محمد عبدالفتاح السيسي وموقف (قطر) الداعم لحكم الإخوان المسلمين، الموقف العُماني من الصراع في اليمن الذي ما زال يشكل حالة من عدم الارتياح لدى دول التحالف العربي.
كل ذلك يؤكد أن دول مجلس التعاون ليست متفقة على المصدر الرئيسي المهدِّد لأمنها، كما لم تتوصَّل إلى مفهوم مشترك للأمن الاستراتيجي، رغم توقيعها للعديد من الاتفاقيات، واعتماد كل منها على ترتيبات أمنية ودفاعية مع أمريكا، مما يقف عائقاً أمام انتقال هذه المنظومة المهمة من التعاون إلى الاتحاد.
ورغم مباركة وترحيب قادة دول مجلس التعاون بمبادرة المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بــ(الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد) التي أعلنها في قمة الرياض (ديسمبر 2011م)؛ إلا أن عنصر المفاجأة عند عرضها استدعى تشكيل هيئة متخصصة توكل إليها مهمة دراستها، ووجد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أن (الاتحاد الخليجي) يتماشى والهدف الأساسي لقيام مجلس التعاون، وينسجم تماماً مع (رؤية البحرين) التي تم إقرارها في قمة أبوظبي عام (2009م) لتحقيق التنسيق والتكامل فيما بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
إن (الاتحاد الخليجي) يعكس الرؤية الواقعية لأمن دول مجلس التعاون النابعة من الداخل، والتي تأخذ بعين الاعتبار حماية الأهداف والمصالح الأمنية المشتركة بغض النظر عن التحفظات ذات الخلفية التاريخية والنظرة الضيقة للمصلحة الوطنية الآنية؛ فالتحديات والتهديدات والأطماع التي تحيط بدول المجلس واحدة وثابتة تاريخياً ولا تستثني دولة عن أخرى؛ وهذا يحتم تحقيق المزيد من خطوات التنسيق والتعاون نحو التوجهات الاتحادية التي تنقل مجلس (التعاون) إلى طور (الاتحاد).
(*) المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون