ربما في الجدل الأخير حول عودة العروض العامة للسينما، فرصة لنا لتقييم فرص وتحديات السينما المحلية، ولتقديم خطة زمنية مدروسة تضمن عدم اختطاف النشاط من قبل أصحاب السلوك التجاري الاستهلاكي أو الريعي المتفاخر.
وحتى لا ننزلق في مخالب ذهنية (الملتي- بليكس) الاستهلاكية أو نستيقظ على إغراق عروض المحتوى بأفلام أجنبية مستوردة.. يجب أن يسبق السماح بعروض السينما العامة مجموعة من الخطوات البديهية.
أولاً: إطلاق صندوق الفيلم السعودي، وهو صندوق رسمي لتمويل ودعم الأفلام المحلية، يصمم على أساس مرن ومبتكر. ترأسه لجنة كفؤة محايدة بخلفيات متنوعة، تضم لجانا للقراءة والفسح والتطوير. وظيفته حفز الإنتاج المحلي عبر خطة إنتاجية سنوية طموحة في شقّي الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، تقوم سياسته الإدارية على مزيج بين الخيري والتجاري بما يضمن كفاءة الإنفاق. وأقرب نموذج جدير بالاقتباس، تجربة دولة تشيلي، التي كانت حتى عام 1989 لا تملك سينما وطنية تذكر، وكان أغلب مخرجيها يعملون في المنفى، لكن مع تأسيس صندوق (فوندآرت) الرسمي، وهو مسؤول عن إنتاج 90 % من الأعمال التشيلية الروائية الطويلة منذ تأسيسه في 1992، انتعشت السينما التشيلية الوطنية، وأصبحت رقماً صعباً في كافة التظاهرات السينمائية الكبرى وفي ترشيحات الجوائز.
ثانياً: تأسيس وإطلاق الهيئة الملكية للأفلام؛ وهي جهة عامة يجب أن تصعد لتضطلع بشؤون تنظيم والإشراف على كامل نشاط السينما في البلاد. وحبذا أن تكون جهة ذات كيان مستقل، فالسينما لا يجدر أن تبقى نهباً لرعونة هيئة الترفيه، ولا لتقليدية وزارة الثقافة. إن أهم أهداف الهيئة الملكية للأفلام هي العمل على تأسيس صناعة سينمائية صلبة وواعدة، عبر التشريعات والأطر القانونية، والتنسيق الحكومي، والصرف على بنية تحتية من صالات، ومنظومة توزيع داخلية وخارجية، وخطة مهرجانات، ودعاية وإعلان، وبرامج تدريب. وأقرب نموذج جدير بالاقتباس هو: الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وهي دولة قريبة منا في تركيبتها الاجتماعية، وفي افتقارها لتراث وتقاليد سينمائية ممتدة، ومع ذلك قامت هيئتها أخيرا بأدوار لامعة.
ثالثاً: تأسيس معهد عالٍ للسينما بفروع متعددة، يقوم برفد الصناعة الناشئة بكوادرها ومواهبها المحلية المطلوبة في مجالات الإخراج، والتصوير، والتمثيل، والسيناريو، والمونتاج، وهندسة الصوت والمناظر والإنتاج والرسوم المتحركة. وأبرز نموذج جدير بالاقتباس هو معهد التدريب السينمائي في المكسيك (سي سي سي) الذي بات مسؤولاً عن تسيّد الحركة السينمائية الحديثة في المكسيك على أقرانها من السينمات الناشئة، حتى باتت أفلام خريجيها زائرا دائما في مهرجانات كبرى مثل كان وبرلين، أو مهرجان موراليا، والأخير هو أبرز مهرجانات أمريكا اللاتينية.
رابعاً: تشجيع قيام صناديق ومؤسسات غير ربحية لدعم إنتاج الأفلام. بعد أن قامت (إثراء) التابعة لأرامكو بتمويل مجموعة من الأفلام القصيرة لمخرجين محليين للمشاركة في برنامج خاص في كاليفورنيا، صرنا نلمس تحركهم نحو إطلاق صندوق دائم لدعم الأفلام المحلية طيلة العام. هذا توجّه يجب دعمه، والترحيب بمثيلاته. إن تجربتي المستقلة في توفير تمويل فيلم (بركة يقابل بركة) تؤكد وجود رغبة أهلية متنامية إلى تمويل الفنون والأفلام، لكنها تفتقر الإطار المؤسسي الذي يضمن استمراريتها. هناك نماذج مؤسسية بارزة في الجوار الإقليمي جدير أن نسير على خطاها مثل مؤسسة الفارابي للأفلام في إيران، أو صندوق آفاق للسينما العربية في بيروت.
خامساً: توسيع رقعة المهرجانات المحلية، إلى جانب مهرجان الفيلم السعودي الذي تقيمه جمعية الثقافة والفنون بالدمام بإشراف مباشر من أحمد الملا، هناك حاجة لتوسيع رقعة المهرجانات المحلية، كونها المنصة المثالية لإطلاق الأعمال الجديدة، والدعاية لها، وجذب المواهب نحو فرص تمويلية وإنتاجية، ناهيك عن بلورة حركة نقدية وثقافة سينمائية. اقترح تأسيس مهرجان سنوي رسمي للفيلم المحلي في مدينة الطائف، ليتوسط الكتل الديموغرافية الكبرى في المملكة، وليشكّل تأسيسه تحية لتاريخ الطائف العريق في عروض السينما. كما اقترح إطلاق مهرجان سينمائي دولي أو إقليمي على أحد شواطئ البحر الأحمر الشمالية، لوضع السعودية على الخريطة العالمية سينمائياً، وجذب التحالفات والصداقات المطلوبة في قادم السنين، وتعريض المواهب المحلية للتفاعل مع تجارب وفرص دولية حديثة ومميزة. وأقرب تجربة جديرة بالاقتباس هي تجربة مهرجان موراليا بالمكسيك، وهي مدينة كولينالية صغيرة تقع في ولاية ميتشوكان السياحية، الذي تحول مع السنوات إلى منصة بارزة لإطلاق المواهب المكسيكية الصاعدة، وتسليط الضوء عليها أمام نخبة من الزائرين الذين يمثلون كبرى مؤسسات ومهرجانات العالم، ناهيك عن توفير آخر التجارب السينمائية الدولية أمام المتلقي المحلي.
سادساً: التصريح بقيام صالات للسينما لعروض السينما المحلية؛ وهي صالات سواء كانت تجارية/ تقليدية، أو مستقلة/ بديلة بأشكال مبتكرة خارجة عن المألوف، تعنى في المرحلة الأولى بعرض الأفلام المحلية.. ومع الوقت يسمح لها برفع نسبة عروض الأفلام الأجنبية وفق «كوتا» مدروسة سنوية. وأبرز مثال تجربة «سينما عقيل» في الإمارات، وهي سينما متنقلّة تعرض الأفلام العربية والأجنبية ذات النوعية البديلة، في أماكن متفرقة وفي الهواء الطلق. وسوف أقوم شخصياً بالتقديم على تصريح «لسينما الحوش» لعروض الهواء الطلق في جدة، حال السماح بذلك!
إن هذه الخطوات كفيلة بقيام صناعة سينما محلية، منغرسة اجتماعياً وجماهيرياً محلياً، وتنافسية خارجياً. بعد أن نستقر عليها.. يمكن أن نتحدث عن الانفتاح الكامل على عروض السينما العربية والأجنبية لأغراض تجارية وترفيهية محضة.
إن علينا أن نخرج بتجربتنا، وألا نستنسخ أسوأ ما في التجارب المجاورة، فقط لإيهام أنفسنا بالمواكبة وعدم الجمود.
وحتى لا ننزلق في مخالب ذهنية (الملتي- بليكس) الاستهلاكية أو نستيقظ على إغراق عروض المحتوى بأفلام أجنبية مستوردة.. يجب أن يسبق السماح بعروض السينما العامة مجموعة من الخطوات البديهية.
أولاً: إطلاق صندوق الفيلم السعودي، وهو صندوق رسمي لتمويل ودعم الأفلام المحلية، يصمم على أساس مرن ومبتكر. ترأسه لجنة كفؤة محايدة بخلفيات متنوعة، تضم لجانا للقراءة والفسح والتطوير. وظيفته حفز الإنتاج المحلي عبر خطة إنتاجية سنوية طموحة في شقّي الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، تقوم سياسته الإدارية على مزيج بين الخيري والتجاري بما يضمن كفاءة الإنفاق. وأقرب نموذج جدير بالاقتباس، تجربة دولة تشيلي، التي كانت حتى عام 1989 لا تملك سينما وطنية تذكر، وكان أغلب مخرجيها يعملون في المنفى، لكن مع تأسيس صندوق (فوندآرت) الرسمي، وهو مسؤول عن إنتاج 90 % من الأعمال التشيلية الروائية الطويلة منذ تأسيسه في 1992، انتعشت السينما التشيلية الوطنية، وأصبحت رقماً صعباً في كافة التظاهرات السينمائية الكبرى وفي ترشيحات الجوائز.
ثانياً: تأسيس وإطلاق الهيئة الملكية للأفلام؛ وهي جهة عامة يجب أن تصعد لتضطلع بشؤون تنظيم والإشراف على كامل نشاط السينما في البلاد. وحبذا أن تكون جهة ذات كيان مستقل، فالسينما لا يجدر أن تبقى نهباً لرعونة هيئة الترفيه، ولا لتقليدية وزارة الثقافة. إن أهم أهداف الهيئة الملكية للأفلام هي العمل على تأسيس صناعة سينمائية صلبة وواعدة، عبر التشريعات والأطر القانونية، والتنسيق الحكومي، والصرف على بنية تحتية من صالات، ومنظومة توزيع داخلية وخارجية، وخطة مهرجانات، ودعاية وإعلان، وبرامج تدريب. وأقرب نموذج جدير بالاقتباس هو: الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وهي دولة قريبة منا في تركيبتها الاجتماعية، وفي افتقارها لتراث وتقاليد سينمائية ممتدة، ومع ذلك قامت هيئتها أخيرا بأدوار لامعة.
ثالثاً: تأسيس معهد عالٍ للسينما بفروع متعددة، يقوم برفد الصناعة الناشئة بكوادرها ومواهبها المحلية المطلوبة في مجالات الإخراج، والتصوير، والتمثيل، والسيناريو، والمونتاج، وهندسة الصوت والمناظر والإنتاج والرسوم المتحركة. وأبرز نموذج جدير بالاقتباس هو معهد التدريب السينمائي في المكسيك (سي سي سي) الذي بات مسؤولاً عن تسيّد الحركة السينمائية الحديثة في المكسيك على أقرانها من السينمات الناشئة، حتى باتت أفلام خريجيها زائرا دائما في مهرجانات كبرى مثل كان وبرلين، أو مهرجان موراليا، والأخير هو أبرز مهرجانات أمريكا اللاتينية.
رابعاً: تشجيع قيام صناديق ومؤسسات غير ربحية لدعم إنتاج الأفلام. بعد أن قامت (إثراء) التابعة لأرامكو بتمويل مجموعة من الأفلام القصيرة لمخرجين محليين للمشاركة في برنامج خاص في كاليفورنيا، صرنا نلمس تحركهم نحو إطلاق صندوق دائم لدعم الأفلام المحلية طيلة العام. هذا توجّه يجب دعمه، والترحيب بمثيلاته. إن تجربتي المستقلة في توفير تمويل فيلم (بركة يقابل بركة) تؤكد وجود رغبة أهلية متنامية إلى تمويل الفنون والأفلام، لكنها تفتقر الإطار المؤسسي الذي يضمن استمراريتها. هناك نماذج مؤسسية بارزة في الجوار الإقليمي جدير أن نسير على خطاها مثل مؤسسة الفارابي للأفلام في إيران، أو صندوق آفاق للسينما العربية في بيروت.
خامساً: توسيع رقعة المهرجانات المحلية، إلى جانب مهرجان الفيلم السعودي الذي تقيمه جمعية الثقافة والفنون بالدمام بإشراف مباشر من أحمد الملا، هناك حاجة لتوسيع رقعة المهرجانات المحلية، كونها المنصة المثالية لإطلاق الأعمال الجديدة، والدعاية لها، وجذب المواهب نحو فرص تمويلية وإنتاجية، ناهيك عن بلورة حركة نقدية وثقافة سينمائية. اقترح تأسيس مهرجان سنوي رسمي للفيلم المحلي في مدينة الطائف، ليتوسط الكتل الديموغرافية الكبرى في المملكة، وليشكّل تأسيسه تحية لتاريخ الطائف العريق في عروض السينما. كما اقترح إطلاق مهرجان سينمائي دولي أو إقليمي على أحد شواطئ البحر الأحمر الشمالية، لوضع السعودية على الخريطة العالمية سينمائياً، وجذب التحالفات والصداقات المطلوبة في قادم السنين، وتعريض المواهب المحلية للتفاعل مع تجارب وفرص دولية حديثة ومميزة. وأقرب تجربة جديرة بالاقتباس هي تجربة مهرجان موراليا بالمكسيك، وهي مدينة كولينالية صغيرة تقع في ولاية ميتشوكان السياحية، الذي تحول مع السنوات إلى منصة بارزة لإطلاق المواهب المكسيكية الصاعدة، وتسليط الضوء عليها أمام نخبة من الزائرين الذين يمثلون كبرى مؤسسات ومهرجانات العالم، ناهيك عن توفير آخر التجارب السينمائية الدولية أمام المتلقي المحلي.
سادساً: التصريح بقيام صالات للسينما لعروض السينما المحلية؛ وهي صالات سواء كانت تجارية/ تقليدية، أو مستقلة/ بديلة بأشكال مبتكرة خارجة عن المألوف، تعنى في المرحلة الأولى بعرض الأفلام المحلية.. ومع الوقت يسمح لها برفع نسبة عروض الأفلام الأجنبية وفق «كوتا» مدروسة سنوية. وأبرز مثال تجربة «سينما عقيل» في الإمارات، وهي سينما متنقلّة تعرض الأفلام العربية والأجنبية ذات النوعية البديلة، في أماكن متفرقة وفي الهواء الطلق. وسوف أقوم شخصياً بالتقديم على تصريح «لسينما الحوش» لعروض الهواء الطلق في جدة، حال السماح بذلك!
إن هذه الخطوات كفيلة بقيام صناعة سينما محلية، منغرسة اجتماعياً وجماهيرياً محلياً، وتنافسية خارجياً. بعد أن نستقر عليها.. يمكن أن نتحدث عن الانفتاح الكامل على عروض السينما العربية والأجنبية لأغراض تجارية وترفيهية محضة.
إن علينا أن نخرج بتجربتنا، وألا نستنسخ أسوأ ما في التجارب المجاورة، فقط لإيهام أنفسنا بالمواكبة وعدم الجمود.