أبدأ مقالي بسؤال بسيط يقول، كم مرة قام الكثيرون منا بزيارة إلى المكاتب الرئيسية ومقرّات الإدارات العامة للكثير من الشركات الوطنية؛ على اختلاف مجالات أعمالها ومواقعها؟؛ ليس فقط الكبرى منها بل وحتى المتوسطة وبعض الصغيرة أيضاً، الإجابة بديهية ولكن غير البديهي ولا المقبول هو أن يكون أوّل من يستقبل الزائرين هناك هم موظفون وافدون؛ يمثلون (غالباً) أطقم السكرتارية التنفيذية وبعض المساعدين الإداريين؛ خصوصا العاملين منهم في مكاتب كبار تنفيذيي تلك الشركات؛ مِمّن يمكن بسهولة استبدالهم بموظفين سعوديين، هذا الملمح الملفت هو نتاج متوقع لتوسُّع الكثير من شركاتنا في ظاهرة (توظيفية) منتشرة تُعرَف بـ(الآوت سورس).
وقد يكون من المهم إعطاء فكرة سريعة عن الآوت سورسنج؛ المعروف عربياً بـ(التعهيد) باعتباره أسلوبا (غير مباشر) للتوظيف؛ أصبح الوسيلة المفضلة للكثير من الشركات السعودية في السنوات العشر الأخيرة للحصول على حاجتها من العمالة الوافدة؛ قد تتجاوز نسبتها١٠٪ من إجمالي عدد موظفيها!، ويعود سبب تفضيل كيانات الأعمال لهذا النوع من التوظيف كونه يتيح لها تعيين وافدين (من الباطن) عبر وكالات وسيطة؛ ما يجعل أولئك الوافدين غير مثبتين على الكادر الوظيفي للشركة، وبالتالي فهم لا يُدرجون (رسميا) ضمن مواردها البشرية ولا يُحتسبون ضمن عمالتها الوافدة؛ لأنهم مسجّلون لدى وزارة العمل كمكفولين للوكالات الموظِّفة لهم.
الأسلوب السابق أتاح للشركات إعطاء بيانات (مُضلَّلة) أو بتعبير ألطف (غير دقيقة) عن نسب السعودة فيها، إذ تبدو مرتفعة (دفتريا) فقط؛ عند تعاملها مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التي تشترط نسباً محددة لعدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص من إجمالي عدد الموظفين؛ مقابل تحويل المنشآت إلى النطاق الأخضر، وهو ما يسمح لتلك الشركات بالحصول على المزيد من تأشيرات العمالة الخارجية، وبمعنى آخر فإن الآوت سورس أتاح لكيانات الأعمال مزايا لم يكن بمقدورها الحصول عليها لو أتّبعت الأسلوب التقليدي للتوظيف الذي يجعل (جميع) عمالتها تحت كفالتها؛ عبر توظيفهم من خلال أقسام الموارد البشرية فيها وليس عبر وكالات وسيطة؛ يبقون تحت كفالتها في الوقت الذين يعملون فيه لدى الغير!.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بما إذا كانت وكالات التوظيف تلك، ملزمة هي أيضاً بنسب السعودة؟!، وإلّا فكيف تتمكن من توفير كل تلك العمالة للشركات؟!، لأن التوظيف عبرها هو ما سمح للشركات بالالتفاف على أنظمة السعودة، ليصبح ثغرة واسعة تُضاف إلى تحديات سوق العمل السعودية التي تعاني أصلاً من تشوهات هيكلية؛ تسعى وزارة العمل جاهدةً بقيادة معالي الوزير د. علي الغفيص لتصحيحها.
والمتابع لأداء وزارة العمل لا بد أن يستوقفه تراجع الوزارة عن تحقيق أهم أهدافها وهو السعودة؛ خلال العام الماضي، بعد تدنّي معدلات توظيف السعوديين، وارتفاع نسبة البطالة إلى 12.1% بنهاية العام الماضي 2016، صعوداً من 11.6% في العام الأسبق، وهي مرشّحة للمزيد من الارتفاع نتيجة لانضمام مئات الآف الخريجين سنويا إلى سوق عملنا التي تضيق أساسا بالعاملين السعوديين فيها، ويضاف لذلك تزايد أعداد المفصولين بموجب المادة 77، والتباطؤ الملحوظ على نمو الاقتصاد بعد تراجع الإنفاق الحكومي، وتزامن كل ذلك مع إيقاف التوظيف في القطاع العام.
الحقائق السابقة تستدعي قيام وزارة العمل بتكثيف جهودها لتوطين الوظائف بإحلال السعوديين مكان العمالة الوافدة؛ حيثما ووقتما كان ذلك ممكناً، ولاسيما حينما تكون وظائفهم إدارية، يمكن أن يؤديها عشرات الآلاف من شبابنا العاطلين، وهذا تحديدا هو الهدف من مقال اليوم الذي آمل أن يلفت النظر إلى مجال عمل واسع يمكن لوزارة العمل توظيفه لتوطين الكثير من وظائف الآوت سورس؛ عبر حصر تلك الوظائف؛ خصوصا لدى أكبر500 شركة سعودية، مع أهمية تصنيفها باعتبارها في حكم الشاغرة؛ كونها مشغولة بوافدين.
لذلك آمل أن تبادر وزارة العمل إلى مطالبة الشركات؛ بإحصائيات دقيقة عن عدد الوافدين العاملين لديها بعقود التعهيد، مع بيان أجورهم وطبيعة أعمالهم، والمزايا التي يحصلون عليها، كما يجب عليها احتساب أولئك الوافدين ضمن أعداد موظفي تلك الشركات وليس ضمن موظفي الوكالات الموظِّفة لهم، الأمر الذي سيعطي الوزارة النسبة الفعلية لتوطين الوظائف.
وأعتقد أن تساهل الوزارة مع توظيف الآوت سورس سينطوي على سلبيات عديدة، منها استمرار التحايل على جهود التوطين لأن نسبة لا بأس بها من الوظائف في القطاع الخاص تذهب لوافدين؛ في الوقت الذي يتواجد فيه سعوديون قادرون على أدائها؛ وهو ما يضع الكثيرمن شبابنا المؤهلين والعاطلين، على قارعة الطريق، وكنت آمل أن أتمكّن من تدعيم مقالي بأرقام رسمية من وزارة العمل عن عدد وظائف الآوت سورس وإعطاء تصنيف أكثر دِقّة لطبيعتها؛ لولا تعذّر ذلك، إلّا أن تقديراتي للعدد هو حوالي 100 ألف وظيفة؛ جاهزة للسعودة فوراً، وهي بنسبة لا تتجاوز 1% فقط من إجمالي الوافدين العاملين في القطاع الخاص الذين يناهزعددهم 10 ملايين وافد.
ختاماً، فإن تقديراتي الشخصية تؤكد أن غالبية وظائف الآوت سورسنج هي في مجالات إدارية؛ لا تتطلّب مؤهلات استثنائية خارقة؛ لذلك يمكن سعودتها بسهولة؛ بعد تدريب الكوادر الوطنية العاطلة لشغلها خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا؛ قد لا تتجاوز 90 يوماً؛ علماً بأن أجور النخبة من أولئك الوافدين العاملين في مجال السكرتارية وبعض الخدمات المساندة تصل إلى 20 ألف ريال شهريا؛ وهو راتب يفوق ما يحصل عليه بعض شاغلي المهن التخصصية كالمهندسين والأطباء.غسان بادكوك
gbadkook@yahoo.com
gbadkook@
وقد يكون من المهم إعطاء فكرة سريعة عن الآوت سورسنج؛ المعروف عربياً بـ(التعهيد) باعتباره أسلوبا (غير مباشر) للتوظيف؛ أصبح الوسيلة المفضلة للكثير من الشركات السعودية في السنوات العشر الأخيرة للحصول على حاجتها من العمالة الوافدة؛ قد تتجاوز نسبتها١٠٪ من إجمالي عدد موظفيها!، ويعود سبب تفضيل كيانات الأعمال لهذا النوع من التوظيف كونه يتيح لها تعيين وافدين (من الباطن) عبر وكالات وسيطة؛ ما يجعل أولئك الوافدين غير مثبتين على الكادر الوظيفي للشركة، وبالتالي فهم لا يُدرجون (رسميا) ضمن مواردها البشرية ولا يُحتسبون ضمن عمالتها الوافدة؛ لأنهم مسجّلون لدى وزارة العمل كمكفولين للوكالات الموظِّفة لهم.
الأسلوب السابق أتاح للشركات إعطاء بيانات (مُضلَّلة) أو بتعبير ألطف (غير دقيقة) عن نسب السعودة فيها، إذ تبدو مرتفعة (دفتريا) فقط؛ عند تعاملها مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التي تشترط نسباً محددة لعدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص من إجمالي عدد الموظفين؛ مقابل تحويل المنشآت إلى النطاق الأخضر، وهو ما يسمح لتلك الشركات بالحصول على المزيد من تأشيرات العمالة الخارجية، وبمعنى آخر فإن الآوت سورس أتاح لكيانات الأعمال مزايا لم يكن بمقدورها الحصول عليها لو أتّبعت الأسلوب التقليدي للتوظيف الذي يجعل (جميع) عمالتها تحت كفالتها؛ عبر توظيفهم من خلال أقسام الموارد البشرية فيها وليس عبر وكالات وسيطة؛ يبقون تحت كفالتها في الوقت الذين يعملون فيه لدى الغير!.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بما إذا كانت وكالات التوظيف تلك، ملزمة هي أيضاً بنسب السعودة؟!، وإلّا فكيف تتمكن من توفير كل تلك العمالة للشركات؟!، لأن التوظيف عبرها هو ما سمح للشركات بالالتفاف على أنظمة السعودة، ليصبح ثغرة واسعة تُضاف إلى تحديات سوق العمل السعودية التي تعاني أصلاً من تشوهات هيكلية؛ تسعى وزارة العمل جاهدةً بقيادة معالي الوزير د. علي الغفيص لتصحيحها.
والمتابع لأداء وزارة العمل لا بد أن يستوقفه تراجع الوزارة عن تحقيق أهم أهدافها وهو السعودة؛ خلال العام الماضي، بعد تدنّي معدلات توظيف السعوديين، وارتفاع نسبة البطالة إلى 12.1% بنهاية العام الماضي 2016، صعوداً من 11.6% في العام الأسبق، وهي مرشّحة للمزيد من الارتفاع نتيجة لانضمام مئات الآف الخريجين سنويا إلى سوق عملنا التي تضيق أساسا بالعاملين السعوديين فيها، ويضاف لذلك تزايد أعداد المفصولين بموجب المادة 77، والتباطؤ الملحوظ على نمو الاقتصاد بعد تراجع الإنفاق الحكومي، وتزامن كل ذلك مع إيقاف التوظيف في القطاع العام.
الحقائق السابقة تستدعي قيام وزارة العمل بتكثيف جهودها لتوطين الوظائف بإحلال السعوديين مكان العمالة الوافدة؛ حيثما ووقتما كان ذلك ممكناً، ولاسيما حينما تكون وظائفهم إدارية، يمكن أن يؤديها عشرات الآلاف من شبابنا العاطلين، وهذا تحديدا هو الهدف من مقال اليوم الذي آمل أن يلفت النظر إلى مجال عمل واسع يمكن لوزارة العمل توظيفه لتوطين الكثير من وظائف الآوت سورس؛ عبر حصر تلك الوظائف؛ خصوصا لدى أكبر500 شركة سعودية، مع أهمية تصنيفها باعتبارها في حكم الشاغرة؛ كونها مشغولة بوافدين.
لذلك آمل أن تبادر وزارة العمل إلى مطالبة الشركات؛ بإحصائيات دقيقة عن عدد الوافدين العاملين لديها بعقود التعهيد، مع بيان أجورهم وطبيعة أعمالهم، والمزايا التي يحصلون عليها، كما يجب عليها احتساب أولئك الوافدين ضمن أعداد موظفي تلك الشركات وليس ضمن موظفي الوكالات الموظِّفة لهم، الأمر الذي سيعطي الوزارة النسبة الفعلية لتوطين الوظائف.
وأعتقد أن تساهل الوزارة مع توظيف الآوت سورس سينطوي على سلبيات عديدة، منها استمرار التحايل على جهود التوطين لأن نسبة لا بأس بها من الوظائف في القطاع الخاص تذهب لوافدين؛ في الوقت الذي يتواجد فيه سعوديون قادرون على أدائها؛ وهو ما يضع الكثيرمن شبابنا المؤهلين والعاطلين، على قارعة الطريق، وكنت آمل أن أتمكّن من تدعيم مقالي بأرقام رسمية من وزارة العمل عن عدد وظائف الآوت سورس وإعطاء تصنيف أكثر دِقّة لطبيعتها؛ لولا تعذّر ذلك، إلّا أن تقديراتي للعدد هو حوالي 100 ألف وظيفة؛ جاهزة للسعودة فوراً، وهي بنسبة لا تتجاوز 1% فقط من إجمالي الوافدين العاملين في القطاع الخاص الذين يناهزعددهم 10 ملايين وافد.
ختاماً، فإن تقديراتي الشخصية تؤكد أن غالبية وظائف الآوت سورسنج هي في مجالات إدارية؛ لا تتطلّب مؤهلات استثنائية خارقة؛ لذلك يمكن سعودتها بسهولة؛ بعد تدريب الكوادر الوطنية العاطلة لشغلها خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا؛ قد لا تتجاوز 90 يوماً؛ علماً بأن أجور النخبة من أولئك الوافدين العاملين في مجال السكرتارية وبعض الخدمات المساندة تصل إلى 20 ألف ريال شهريا؛ وهو راتب يفوق ما يحصل عليه بعض شاغلي المهن التخصصية كالمهندسين والأطباء.غسان بادكوك
gbadkook@yahoo.com
gbadkook@