-A +A
حمود أبو طالب
من تلاحق في هذا الزمن؟

وكيف يمكن أن تحدد أولوياتك في محاولات النجاة من كتائب الصدمات التي تلاحقك، وهجمات الخذلان التي تشحذ أقدامها كي تجهز على آخر ما تبقى من آمالك وأحلامك، ليس في أن تكون سعيداً، ولكن أن تعيش بقية العمر بأقل قدر من الخيبات التي تنهمر عليك كمطر لا يرتهن إلى مواسم، وريح صرصر عاتية لا تخضع لطبيعة الفصول.


***

تهرب ممّن، وتحاول أن تحتمي بمن؟

كثير كثير، ذلك الذي تهرب منه، ولكن لا أحد تحتمي به، وسوف تظل طريدة تغري اللؤم باقتناص إنسانيتك، فهلاّ كنتَ مثل الذين يطاردون نقاءك العبثي، لكي تنجو من الفجيعة؟. لماذا لا تكون مثلهم أيها الحالم بالوهم، المطارَدُ بالحقيقة. الحقيقة التي تقتفي أثرك، وتصل إلى أرهف الحميم في وجدانك، لتقول لك إنك منفصم عن معادلات هذا الزمن وأدبياته. أنت تعيش خيالات المثالية، وزمنك تديره معادلة اللحظة الآنية واقتناصها بأي وسيلة، حتى لو كان الهدف في أقصى قاع التفاهة، وفي منتهى تخوم الرداءة، وحتى لو كانت الوسيلة في قمة الوضاعة والرداءة.

***

صحيح، أنت تتألم من فجائع كبرى، وتتوجع من ألم فادح نهش كثيراً من يقينك بأن هناك حدوداً قصوى لارتكاب خطيئة الخذلان لأي بشر مهما انحدر في إنسانيته، لكنه خطؤك أنت وحدك ولا أحد غيرك، لأن يقينك يصلح لزمن افتراضي وبشر افتراضيين، ليس هذا الزمن وليس هؤلاء البشر، زمنك هذا والبشر الذي يعيشون فيه هم الحقيقة، وأنت الوهم، بل أسذج من وهم. فلماذا تتألم كثيراً ممن غرس نصله في خلاياك، إنه يمارس حياته الطبيعية، وأنت تعيش في حياتك الافتراضية، في زمنك الواهم، في يقينك السراب الذي كان يجب أن تزيل غشاوته التي انسدلت على عينيك وعقلك وفؤادك زمنا طويلاً طويلا.

***

قم يا رهيف القلب.

انهض، وسيّج قلبك بفولاذ الاحتمال.

اصقله جيداً كي يبتر بقايا الوهم التي تعشش في حناياه، ويستأصل نزوعه إلى حسن الظن الذي خدّرك، وكاد أن يقتلك.

لملم بقاياك، وازرعها في حقول الأيام القادمة لتنبت الزهر والابتسامات التي تجرف حزنا مضى على شيء لا يستحق حتى التصاقه بالذاكرة.