تناولت في المقالين الماضيين أهداف الجولة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى دولة الكويت وسلطنة عُمان في (منتصف فبراير 2017م)، وبيَّنت ما أرى على دول مجلس التعاون اتخاذه من مواقف حازمة تجاه إيران قبل الدخول معها في أي حوار سياسي، والمطالب واجبة التنفيذ لإثبات حُسن نواياها وجديتها ورغبتها الصادقة في الاستجابة لما ورد في الرسالة الخليجية التي بُعثت إليها عن طريق الكويت.
إن الشواهد التاريخية لاستحالة تجاوب إيران مع مضمون الرسالة الخليجية الهادفة إلى إقامة علاقات حُسن جوار، وفتح حوار (خليجي إيراني) قائم على الشراكة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس لا حصر لها، ومبادرتها لتحسين علاقاتها مع دول الخليج تُعدّ ضرباً من المستحيل للأسباب الآتية:
أولاً: إن ما يحكم علاقات إيران بدول مجلس التعاون هي مجموعة من المبادئ السياسية ذات الطابع العقائدي المستمد من مزيج مؤلَّف من التفسير الإيراني المنفرد لمفاهيم الدين الإسلامي والطابع الفارسي التاريخي الناتج عن تداعيات سقوط الإمبراطورية الفارسية وتهاويها سياسياً ودينياً على يد العرب في معركة القادسية عام 636م.
ثانياً: من خلاصة تفاعل هذين العنصرين تكوَّنت النظرة الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون، فإيران تعيش فكراً متخلفاً قريباً من العصور الوسطى؛ وترفض بشكل قاطع مفهوم الدولة الوطنية، وتؤكد على الدولة الدينية المرتبطة بولاية الفقيه الذي تسعى لتثبيته كنظام سياسي ديني مُعترف به عالمياً.
ثالثاً: تَعتبر إيران نفسها مركز المذهب الشيعي في العالم، وحامية شيعة الوطن العربي، والساعية بكل طاقتها وإمكانياتها لتحريرهم من الظلم والتمييز الذي تدّعيه، خصوصاً في دول الجوار الإقليمي.
وفي ظل ذلك ومنذ سقوط نظام الشاه ونجاح (آية الله الخميني) في تأسيس (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) عام (1979م) كأول دولة شيعية في منطقة الشرق الأوسط، تعمل إيران لأن تكون لها اليد العليا والنفوذ والسيطرة في منطقة الخليج العربي الغنية بالثروات النفطية الهائلة والمتميزة بموقعها الاستراتيجي المتحكم في خطوط الملاحة الدولية، وتمركزت أبرز تحركاتها في الآتي:
تقصَّدت إيران مملكة البحرين منذ عشرات السنين، وتدخلت بشكل مستفز في شؤونها الداخلية، واستغلت أحداث (فبراير 2011م) أبشع استغلال، وعملت على تجنيد وسائل الإعلام لبث الأكاذيب وإشاعة وتأجيج الطائفية المقيتة بين أبناء الشعب الواحد، ودرَّبت الإرهابيين في معسكرات أُعدَّت لهذا الغرض، وخَّططت بشكل محكم لتنفيذ الأعمال الإرهابية على أرض البحرين التي تدعي بأنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية وهي الإقليم الرابع عشر بموجب الدستور الجديد، رغم رفض الشعب البحريني لهذه الادعاءات بعد الاستفتاء الذي تمّ بإشراف الأمم المتحدة وصدور قرار مجلس الأمن الدولي الذي وافقت عليه إيران عام (1971م).
تقوم إيران بتسييس مواسم الحج عن طريق التخطيط للحوادث الإرهابية والتخريبية وخلق الفوضى والاضطرابات بدفع الحجاج الإيرانيين لرفع الشعارات السياسية والدينية الطائفية، وتحريضهم على مخالفة الأنظمة والقوانين وتعليمات السلامة التي تصدرها الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية واستغلال هذا الموسم الديني العظيم ليخدم مصالحها السياسية الخبيثة القائمة على أهداف الثورة الخمينية، والإضرار قدر الإمكان بالسعودية والنيل من مكانتها الدولية والإقليمية.
فرَضت إيران مبدأ القوة في المنطقة وانقضَّت على الجزر الإماراتية الثلاث واحتلتها فور الانسحاب البريطاني من شرق السويس في (1971م)، ورفضت المبادرات الحكمية والواعية لحل القضية بشكل سلمي بالتفاوض المباشر أو إحالتها لمحكمة العدل الدولية.
استباحت إيران الأراضي الكويتية ودأبت على تهريب وتخزين ترسانة من الأسلحة المعدة من أجل الانقلاب على الحكم، وعملت على تحريض المواطنين الشيعة للمشاركة في تلك الأعمال المؤسفة.
ورغم أن سياسة إيران التوسعية ازدادت جموحاً في السنوات الأخيرة، حيث عملت بجهد على توفير كل الوسائل لتنفيذها، وتهيئة البيئة الملائمة لنجاح خططها الخبيثة، وتمادت في تدخلاتها في الشؤون الداخلية الخليجية، وتوَّجت ذلك بتقديم الدعم العسكري والمالي واللوجستي لجماعة الحوثيين في اليمن، إلا أنه لا بد من إيجاد صيغة للتعايش السلمي معها لمصلحة المنطقة عموماً ودول مجلس التعاون بشكل خاص.
ومن المهم أن تقوم صيغة التعايش تلك على أسس وثوابت ميثاق الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومبادئ القانون الدولي الخاص في العلاقات بين الدول، وفي إطار سليم ومدروس ومتفق عليه بين مختلف الأطراف والتي من ضمنها الدول الكبرى ذات المصالح الاستراتيجية في هذه المنطقة.
وهذا يؤكد في النهاية على الأهمية الكبرى للعلاقات الخليجية الأمريكية والأوروبية التي تعتبر أهم ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتتطلَّب مزيداً من العمل والتنسيق في المجالات العسكرية الثنائية أو الجماعية أو من خلال مبادرة إسطنبول، إلى جانب إعادة إحياء التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة المعطلة مع الاتحاد الأوروبي، وتنفيذ برامج التعاون الاقتصادي والتجاري مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
إن الشواهد التاريخية لاستحالة تجاوب إيران مع مضمون الرسالة الخليجية الهادفة إلى إقامة علاقات حُسن جوار، وفتح حوار (خليجي إيراني) قائم على الشراكة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس لا حصر لها، ومبادرتها لتحسين علاقاتها مع دول الخليج تُعدّ ضرباً من المستحيل للأسباب الآتية:
أولاً: إن ما يحكم علاقات إيران بدول مجلس التعاون هي مجموعة من المبادئ السياسية ذات الطابع العقائدي المستمد من مزيج مؤلَّف من التفسير الإيراني المنفرد لمفاهيم الدين الإسلامي والطابع الفارسي التاريخي الناتج عن تداعيات سقوط الإمبراطورية الفارسية وتهاويها سياسياً ودينياً على يد العرب في معركة القادسية عام 636م.
ثانياً: من خلاصة تفاعل هذين العنصرين تكوَّنت النظرة الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون، فإيران تعيش فكراً متخلفاً قريباً من العصور الوسطى؛ وترفض بشكل قاطع مفهوم الدولة الوطنية، وتؤكد على الدولة الدينية المرتبطة بولاية الفقيه الذي تسعى لتثبيته كنظام سياسي ديني مُعترف به عالمياً.
ثالثاً: تَعتبر إيران نفسها مركز المذهب الشيعي في العالم، وحامية شيعة الوطن العربي، والساعية بكل طاقتها وإمكانياتها لتحريرهم من الظلم والتمييز الذي تدّعيه، خصوصاً في دول الجوار الإقليمي.
وفي ظل ذلك ومنذ سقوط نظام الشاه ونجاح (آية الله الخميني) في تأسيس (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) عام (1979م) كأول دولة شيعية في منطقة الشرق الأوسط، تعمل إيران لأن تكون لها اليد العليا والنفوذ والسيطرة في منطقة الخليج العربي الغنية بالثروات النفطية الهائلة والمتميزة بموقعها الاستراتيجي المتحكم في خطوط الملاحة الدولية، وتمركزت أبرز تحركاتها في الآتي:
تقصَّدت إيران مملكة البحرين منذ عشرات السنين، وتدخلت بشكل مستفز في شؤونها الداخلية، واستغلت أحداث (فبراير 2011م) أبشع استغلال، وعملت على تجنيد وسائل الإعلام لبث الأكاذيب وإشاعة وتأجيج الطائفية المقيتة بين أبناء الشعب الواحد، ودرَّبت الإرهابيين في معسكرات أُعدَّت لهذا الغرض، وخَّططت بشكل محكم لتنفيذ الأعمال الإرهابية على أرض البحرين التي تدعي بأنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية وهي الإقليم الرابع عشر بموجب الدستور الجديد، رغم رفض الشعب البحريني لهذه الادعاءات بعد الاستفتاء الذي تمّ بإشراف الأمم المتحدة وصدور قرار مجلس الأمن الدولي الذي وافقت عليه إيران عام (1971م).
تقوم إيران بتسييس مواسم الحج عن طريق التخطيط للحوادث الإرهابية والتخريبية وخلق الفوضى والاضطرابات بدفع الحجاج الإيرانيين لرفع الشعارات السياسية والدينية الطائفية، وتحريضهم على مخالفة الأنظمة والقوانين وتعليمات السلامة التي تصدرها الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية واستغلال هذا الموسم الديني العظيم ليخدم مصالحها السياسية الخبيثة القائمة على أهداف الثورة الخمينية، والإضرار قدر الإمكان بالسعودية والنيل من مكانتها الدولية والإقليمية.
فرَضت إيران مبدأ القوة في المنطقة وانقضَّت على الجزر الإماراتية الثلاث واحتلتها فور الانسحاب البريطاني من شرق السويس في (1971م)، ورفضت المبادرات الحكمية والواعية لحل القضية بشكل سلمي بالتفاوض المباشر أو إحالتها لمحكمة العدل الدولية.
استباحت إيران الأراضي الكويتية ودأبت على تهريب وتخزين ترسانة من الأسلحة المعدة من أجل الانقلاب على الحكم، وعملت على تحريض المواطنين الشيعة للمشاركة في تلك الأعمال المؤسفة.
ورغم أن سياسة إيران التوسعية ازدادت جموحاً في السنوات الأخيرة، حيث عملت بجهد على توفير كل الوسائل لتنفيذها، وتهيئة البيئة الملائمة لنجاح خططها الخبيثة، وتمادت في تدخلاتها في الشؤون الداخلية الخليجية، وتوَّجت ذلك بتقديم الدعم العسكري والمالي واللوجستي لجماعة الحوثيين في اليمن، إلا أنه لا بد من إيجاد صيغة للتعايش السلمي معها لمصلحة المنطقة عموماً ودول مجلس التعاون بشكل خاص.
ومن المهم أن تقوم صيغة التعايش تلك على أسس وثوابت ميثاق الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومبادئ القانون الدولي الخاص في العلاقات بين الدول، وفي إطار سليم ومدروس ومتفق عليه بين مختلف الأطراف والتي من ضمنها الدول الكبرى ذات المصالح الاستراتيجية في هذه المنطقة.
وهذا يؤكد في النهاية على الأهمية الكبرى للعلاقات الخليجية الأمريكية والأوروبية التي تعتبر أهم ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتتطلَّب مزيداً من العمل والتنسيق في المجالات العسكرية الثنائية أو الجماعية أو من خلال مبادرة إسطنبول، إلى جانب إعادة إحياء التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة المعطلة مع الاتحاد الأوروبي، وتنفيذ برامج التعاون الاقتصادي والتجاري مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون