Okaz_online@
حذر الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى من ردة الفعل المتطرفة المتمثلة في حالة الإسلاموفوبيا، مؤكدا أنها ستولد المزيد من المعاناة كما أنها ستزيد من أعداد المتطرفين الذين كانوا بالأمس أسوياء معتدلين يتعايشون مع مجتمعاتهم في البلاد غير الإسلامية باندماج إيجابي، محترمين دساتير وقوانين وثقافة الدول التي يحملون جنسيتها أو يقيمون فيها.
جاء ذلك في كلمة للعيسى خلال مؤتمر استضافه البرلمان الأوروبي في بروكسل بحضور فعاليات كبرى برلمانية وسياسية أوروبية، فيما حضره كذلك عدد من أتباع الديانات والثقافات الأوروبية وعدد من قادة ونشطاء الجاليات المسلمة في أوروبا. وخاطب العيسى المؤتمرين قائلا: «يسعدنا في رابطة العالم الإسلامي أن نكون معكم في هذا اليوم لنتحدث عن موضوع هذا المؤتمر، وفي البداية لا بد من مقدمة نستذكر فيها التاريخ الإنساني في فصول صراعه: الديني والسياسي والثقافي والفكري، إذ تقابلت الحضارات الإنسانية ـ في كثير من أحوالهاـ بالصدام لا بالتعارف والحوار والوئام، فخسرت التعاون فيما بينها، لا سيما في المشتركات التي تجمعها، مع التسليم الإيجابي بالفروق الطبيعية بينها، التي ستقود الحكماء والعقلاء إلى الإيمان بسنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية، يقول الله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ»، كما يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا».
لقد أراد الله تعالى منا أن نتعارف لنتقارب، وأن نتقارب لنتعاون، وأن نتعاون لنكسر حواجز البرمجة السلبية التي نشأ عليها بعضنا، هذه البرمجة التي صاغت سلبيا بعض العقول والأفكار والتوجهات والانطباعات، مصحوبة بنظرة فردية تستطلع من زاوية واحدة، وتتلقى معلوماتها من مصدر واحد، بعيدا عن منطق الإنصاف والوعي.
وهذا بلاشك سيقود لمقدمة خاطئة، تبدأ بخطأ التشخيص، ومن ثم خطأ المعالجة، بعد هذا سنكون جميعا على موعد متوقع، مع فصل تاريخي جديد، يضعنا أمام نتيجة حتمية، لتلك الأخطاء الفادحة، هي الصدام الحضاري، وعندما نقول: «الصدام»، نتحدث بأسف عن المواجهات التي لا تنتهي إلا بخسائر فادحة على الجميع، ثم في نهاية مطافها تعود لمربعها الأول في حلقات دور لا يوقفها إلا منطق الحكمة والإنصاف والوعي.
ولا يعني هذا أننا ندعو إلى حتمية القناعة برأي واحد، في السجال الديني والثقافي والفكري، فديننا الإسلامي قرر قاعدة منطقية وهي أن القناعات الداخلية لا تفرض، كما قرر أنه لا يمكن أن يكون الناس كلهم على منهج واحد، ولكننا ندعو إلى التفاهم والتعايش، وأن نجعل من المشتركات أدوات التقاء وتعاون، وألا تكون مناطق الاختلاف الديني والسياسي والثقافي والفكري، ولا أخطاء التشخيص، سببا للأحقاد والكراهية، التي تعتبر المغذي الرئيسي للتطرف والإرهاب.
وسنكون قريبين من وصف الحالة عندما نقول: إن التطرف عملة واحدة لها وجهان: الأول منشأ التطرف، والثاني ردة الفعل المتطرفة تجاهه، فكلاهما يحمل الكراهية والمواجهة. وعندما نتحدث اليوم عن «الإسلاموفوبيا» نجد أمامنا نموذجا قاسيا للتطرف العنيف، إذ يعطي الأبرياء الذين يحملون الاسم الذي سمى به المجرم نفسه وخدع به الناس الحُكم الصادر على المجرم نفسه، يأتي هذا في مقابل وجود الدليل التاريخي على أن الإسلام دين سلام، كما هي دلالة اسمه في لغة القرآن، ودين تسامح وبر وعدل مع الجميع حتى شملت رحمته ورفقه الحيوان وليس فقط الإنسان.
كل ذلك واضح في نصوصه التي حاول التطرف بفشله ومكابرته أن يحرفها ويروج لنظرياته الإجرامية فلم يكسب من الاتباع إلا عصابة مختلة في وعيها وفهمها من المتطرفين المحسوبين اسما على الإسلام، وفئة أخرى قابلتها بالتطرف المضاد، نعم؛ لقد كسب التطرف الإجرامي تلك الفئة الأخرى.
«الإسلاموفوبيا» هو أكثر الناس ترحيبا بها، لأنها تؤكد نظرياته الخاطئة التي يراهن بها على العاطفة الدينية المجردة التي استفزتها الكراهية المتمثلة في نتائج الإسلاموفوبيا، وقد قدمت هذه الكراهية الاستفزازية للتطرف الإرهابي من الخدمات أكثر مما قدمته حساباته الأخرى.
ولا أخطر في الأثر من تحقق رهان الإرهاب بإثارة عاطفة وشعور وكرامة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، إذ يُشكلون نحو ربع سكان الأرض، وأكثر من هذا هو أنهم يُشَكِّلون نسبا كبيرة في البلدان غير الإسلامية حتى أصبحوا جزءا من مكونها الوطني المهم، وهنا الرهان الأكبر للتطرف الإرهابي المتمثل في إثارة حفيظة هذه الجاليات عن طريق تعميم الحكم بالإساءة لدين الإسلام عموما، دون تفريق بين المتطرفين والمعتدلين.
وإذا كانت الإسلاموفوبيا في سنين ماضية، قد ظلت مجرد نظرية فكرية، وتحفظا عاما، ربما كانت وقتها مأمونة العواقب الوخيمة إلى حد كبير، فإن توقعات نتائجها اليوم تختلف اختلافا جذريا، وهي أقوى رسائل التطرف التي يُلَوِّحُ بها لتعبئة الشعور الإسلامي ضد الآخر.
وعندما نكون أمام حالة غياب منطق الوعي، وعندما لا نصبح أمام حياد العدالة، وعندما نكون أمام توظيف سياسي ربما تنازل عن مبادئ وقيم النخبة المثقفة لينساق مع المفاهيم الخاطئة التي تولدت عن ضعف الاستطلاع وقلة الوعي وعن التضليل الإعلامي بهدف الإثارة والشهرة والتسويق، عندئذ سنكون أمام صدام مؤلم في الظرف الصعب.
ولعلنا نسأل أنفسنا ما هي نتائج هذه المواجهات على السلم والأمن والتعايش، هل تساهم في الحل، أو تزيد المشكلة تعقيدا وفداحة، وعندما نكون على أسوأ الاحتمالات أمام حالة خاطئة هل نعالجها بالاحتواء أو بالكراهية والإقصاء، وما هي نتائج هذا التعقيد وتلك الكراهية، وما نتائج خطأ التقدير في خطاب الإقصاء.
ما هي نتائج ذلك كله على شريك وطني يحمل الجنسية نفسها يتمتع بالاعتدال ويُدين بشدة كل أساليب التطرف والإرهاب المحسوبة على دينه! مثلما يدينها غيره في تطرف ديني آخر محسوب على الإسلام أو غيره حاضر أو سابق، هل نعتقد أن اعتدال هذا الشريك الوطني المسلم المسالم، سيكون بخير أو أن مشاعره الدينية ستتحرك سلبيا في ظل تتالي الإساءات والاتهامات الظالمة له بالتطرف ولدينه بالإرهاب.
نعم؛ نكرر ونؤكد بأن ردة الفعل المتطرفة المتمثلة في ظاهرة الإسلاموفوبيا ستولِّد المزيد من المعاناة كما ستزيد من أعداد المتطرفين الذين كانوا بالأمس أسوياء معتدلين يتعايشون مع مجتمعاتهم في البلاد غير الإسلامية باندماج إيجابي، محترمين دساتير وقوانين وثقافة الدول التي يحملون جنسيتها أو يقيمون فيها.
نعم إن أول كاسب لظاهرة الإسلاموفوبيا هي العناصر الإرهابية التي تسعى لمضاعفة أعدادها من خلال إثارة وتعبئة المشاعر الدينية المتسرعة لدى الشباب المسلم خصوصا في البلدان غير الإسلامية.
والخطورة تكمن في أن الإرهاب لا يحكمه نطاق جغرافي يحيط به ينتهي باكتساح دائرة دولته الإجرامية، لكنه مع الأسف محكوم بعالم افتراضي لا حدود له، كما أن المشكلة تكمن أيضا في كون الكيان الإرهابي يتمدد ليس عن قوة عسكرية يمتلكها يتفوق بها على غيره، ولكن من خلال أفكار يخترق بها مستهدفيه عبر وسائل التواصل الحديثة، فهناك أتباع له لا يعلمهم هو إلا من خلال تسجيل رسائلهم الانتحارية وإعلانهم تبعيته.
نعلم جميعا أن تاريخ التطرف الديني في عموم الأديان، كانت له وقائع مؤلمة تحضُر وتغيبُ، بين مد وجزر، من زمن لآخر.
ومن سُنَّة الخالق جل وعلا، أن التطرف الديني لم يُحقق في غالب مراحله، سوى الظاهرة الصوتية، والإساءة لسُمعة الدين الذي ينتسب إليه، ليأتي بعد هذا كلِّه القَدَر المحتوم بالقضاء على التطرف والإرهاب، كل ذلك في دورات زمنية متتالية، تتبادل أدوارها الأديان عامة، والمذاهب الدينية في داخلها على وجه الخصوص، علاوة على النظريات السياسية والفكرية والفلسفية المتطرفة، بما تُحدثه في كثير من أحيانها من أفعال ضارة، لا تقتصر فقط على النظرية المجردة.
كما يجب أن نعلم أن التطرف الإرهابي المعاصر، المحسوب على الإسلام، ليس له مدرسة دينية معينة؛ فهو خليط من عدة دول بلغ في آخر إحصاء له أكثر من 100 دولة، جنَّد منها أكثر من 45 ألف مقاتل، ينحدرون من اتجاهات فكرية متعددة لهدف واحد، ومع حرص الإرهاب الشديد، على أن يستقطب المزيد من عناصره من المملكة العربية السعودية؛ نظرا لما تمثله من ثقل ووزن إسلامي وسياسي كبير، فهو كثير ما يزايد على أن بعض أتباعه هم من أرض الحرمين الشريفين إلا أنه خسر في هذا الجانب بشكل كبير، إذ لم يلتحق به من أرض الحرمين الشريفين وبحسب الإحصاءات المؤكدة إلا أعداد أقل من غيرها بكثير، بل التحقت به أعداد غفيرة كانت قبل انضمامها له ضد المفاهيم الإسلامية للمملكة العربية السعودية، ولا تزال تحارب الفكر الإسلامي المعتدل للمملكة، تحكي ذلك وثائق التطرف المسجلة على خليطه المتعدد على مواقع التواصل الاجتماعي.
يؤيد هذا أن التطرف الإرهابي لم يوجِّه حملاته الإجرامية اليائسة ورسائله الفكرية المعادية والمكفرة، لأي جهة مثلما وجهها للمملكة العربية السعودية، ولم يتلق التطرف الإرهابي ملاحقات أمنية ناجحة، ومواجهات فكرية دخلت في تفاصيل أيديولوجية التطرف، كما لم يتلق الإرهاب حشدا للجهود والتحالفات ضده، مثلما تلقاها من المملكة العربية السعودية، التي أقامت في العام الماضي التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، حشدت له الجهود الإسلامية وانضمت له بالدعم والتأييد دول غير إسلامية، عكست بتفاعلها مستوى الترحيب والتقدير العالمي لهذه الخطوة والعزيمة الإسلامية التاريخية لمواجهة الإرهاب.
كما أقامت المملكة العربية السعودية في العام نفسه مركزا متخصصا لمحاربة الإرهاب أيديولوجيا باسم «مركز الحرب الفكرية»، يتبع وزارة الدفاع.
والرهان الحقيقي والمؤثر بفاعلية، إنما هو على اقتلاع الإرهاب من جذوره، فالإرهاب لم يقم على تجمع سياسي مجرد، أو قوة عسكرية مسيطرة، بل على أيديولوجية متطرفة، ولا سبيل للخلاص منها إلا بهزيمتها من خلال تفكيك موادها التي بلغت في آخر الإحصاءات أكثر من 800 مادة أيديولوجية متنوعة المحتوى والخطاب بحسب المستهدفين، أطلقتها العناصر الإرهابية عبر مئات الآلاف من الرسائل في مُختلف المواقع الإلكترونية.
هذا: ومن خلال استطلاع رسائل التطرف التهديدية وردود أفعاله القلقة، نجد أنها لا تحمل كراهية وتهديدا بل ولا أفعالا إجرامية، على بلد مثلما تحمله على المملكة العربية السعودية، كما لم يوجِّه التطرف سهامه على مؤسسة دينية مثلما وجهها على المملكة، حتى أصدرت رموزه ومراجعه الرسائل والكتب والخطب متضمنة تكفير المملكة وعلمائها، كل هذا يعكس حجم الضربات القاسية التي تلقاها الإرهاب من المملكة عسكريا وفكريا، وهذا يترجم من جانب آخر حجم الاختلاف الجذري مع أيديولوجيته الإرهابية.
وفي هذا السياق، من المهم أن نفرق بين الفكر الإرهابي، وبعض الآراء المتحفظة المتعلقة ببعض الموضوعات الدينية الاجتهادية، سواء كانت اجتماعية أو غيرها، فالأول: فكر إجرامي منحرف، والثاني لا يعدو أن يكون تحفظا دينيا ربما أصاب صاحبه أو أصحابه وربما أخطأوا، بل ربما كانوا في محل التفهم والاعتذار، وربما رُفض وكان في إطار التحفظ المتشدد، وهي في جميع الأحوال اجتهادات يحصل داخل مدرستها الواحدة سجال ونقاش حول تلك القضايا زاد من الثراء والانفتاح العلمي.
لكن ما يجب أن نعلمه هو أن بين الأول في فكره الإرهابي، والثاني في اجتهاده المحفوف بفكره المسالم اختلافا كبيرا، يشهد لذلك أن التطرف الإرهابي على ما قلنا شن حملات شرسة على أولئك المسالمين.
وختاما: أنبه على أمور:
الأول: هناك أسماء وأوصاف تُطلق على جهات إسلامية يتم التصور الخاطئ بأنها تمثل كتلة دينية تستقل بهذا الاسم أو الوصف الملفق عليها عن غيرها، ومن أمثلة ذلك السلفية، والسلفية ليست اسما مرادفا للإسلام أو فصيلا متفرعا عن الإسلام بل هي منهج لكل مسلم يسير في اعتداله الديني وفهمه الصحيح للإسلام على خطى أسلافه الذين ترجموا تسامح ووسطية وتعايش وعالمية الإسلام.
ومن العجيب أن هذا الاسم المركب كفصيل إسلامي أصبح متنازعَا عليه بين العديد من الجهات المتصارعة في كثير من الأصول والفروع الإسلامية، فكلهم يصف نفسه بذلك، ولربما قلنا هناك 10 فئات متنازعة كلها تصف نفسها بالسلفية، وكذلك ما يسمى بالوهابية، وهو اسم اخترعته بعض الخصومات السياسية والمذهبية، وليس للمملكة العربية السعودية مذهب ولا فكر ولا منهج تستقل به عن عالمها الإسلامي الذي تشرفت بقيادته الدينية.
الثاني: وهو التنبيه على الخطأ الكبير في وصف الإرهاب المحسوب على الإسلام بـ«الإرهاب الإسلامي»، ومع ما في هذا من خطأ في الحكم، إلا أنه يحمل في مضامينه إثارة مشاعر المسلمين، فالتطرف الديني الذي لا يمثل أكثر من شخص واحد فقط من 200 ألف نسمة، لا يُحسب عن طريق الوصف على الإسلام ولا المسلمين، وإلا جاز لنا أن نقول ذلك على الأديان الأخرى بسبب أفعال متطرفة صادرة عن فئات تنتسب إليها في زمن معين.
الثالث: ويخص الأخطاء الصادرة عن بعض الجاليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية المتعلقة بمطالبات خصوصياتها الدينية والثقافية، إذ يجب أن تكون تلك المطالبات في إطار النظام العام للدولة، وأدوات الحسم الدستورية والقانونية وليس غيرها، وأن أي تجاوز لذلك يعتبر إساءة للإسلام قبل غيره، وعليها في جميع الأحوال احترام القرار النهائي والعمل به، وعدم الإساءة إليه ولا إلى الثقافة المحلية بأي أسلوب كان، وتعاليم الإسلام تَعْذر المسلم في كل خصوصية لا يستطيع العمل بها ومن ذلك اصطدامها بالدساتير أو القوانين أو القرارات النهائية النافذة.
الرابع: ويتعلق برابطة العالم الإسلامي، وهي منظمة إسلامية شعبية عالمية جامعة مقرها مكة المكرمة، تأسست منذ 56 عاما، تهدف إلى إيضاح الإسلام الصحيح، ومحاربة الأفكار المتطرفة، ومد جسور التعاون الإنساني مع الجميع لتحقيق السلام والاستقرار وسعادة البشرية، وتوجيه المسلمين عموما والجاليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية خصوصا بأن يترجموا بسلوكهم الأخلاقي ووعيهم الحضاري القيم العليا في الإسلام من المحبة والعدل والتسامح والتعاون والتعايش مع الجميع، ودعم منظومة الحقوق والحريات، واحترام النظام العام لكل دولة، وأن يكونوا أعضاء فاعلين في كل مكان، وأن يسهموا بحضورهم الإيجابي المميز في البناء الحضاري والتواصل الثقافي، وأن يتفهموا الثقافات الأخرى، ويحترموا خصوصياتها، وأن يستذكروا دائما أن دينهم الذي مضى عليه أكثر من 1400 عام، لم يبلغ تلك المكانة العالمية إلا بتلك القيم الرفيعة، وأنه عبر قرونه الماضية الطويلة لم يعرف الأفكار المتطرفة وأساليبها الإجرامية الماكرة والحاقدة والغادرة، التي انتحلت اسم الإسلام وأساءت إليه، وأن نبي الإسلام محمدا صلى الله عليه وسلم لخص قيم رسالة الإسلام فقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال عنه القرآن الكريم: «وإنك لعلى خلق عظيم».
إن القرآن الكريم أرشد إلى أن يكون المسلمون في غاية الإحسان وكمال العدل في التعامل مع غيرهم، وإن الإسلام وجه توجيها مباشرا وقويا بأنه لا إكراه في اعتناق الدين، ولذا فالقول بأن الإسلام حارب من أجل ذلك يعتبر من جملة الأخطاء الفادحة على الإسلام، ولم يحارب الإسلام إلا دفاعا عن نفسه من معتد، ولم يحارب إلا الظلم والاضطهاد والفوضى، وقد أصبحت مهمة إرساء السلام العالمي، ومحاربة الظلم والاضطهاد والفوضى للمنظومة الدولية في عصرنا الحديث».
حذر الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى من ردة الفعل المتطرفة المتمثلة في حالة الإسلاموفوبيا، مؤكدا أنها ستولد المزيد من المعاناة كما أنها ستزيد من أعداد المتطرفين الذين كانوا بالأمس أسوياء معتدلين يتعايشون مع مجتمعاتهم في البلاد غير الإسلامية باندماج إيجابي، محترمين دساتير وقوانين وثقافة الدول التي يحملون جنسيتها أو يقيمون فيها.
جاء ذلك في كلمة للعيسى خلال مؤتمر استضافه البرلمان الأوروبي في بروكسل بحضور فعاليات كبرى برلمانية وسياسية أوروبية، فيما حضره كذلك عدد من أتباع الديانات والثقافات الأوروبية وعدد من قادة ونشطاء الجاليات المسلمة في أوروبا. وخاطب العيسى المؤتمرين قائلا: «يسعدنا في رابطة العالم الإسلامي أن نكون معكم في هذا اليوم لنتحدث عن موضوع هذا المؤتمر، وفي البداية لا بد من مقدمة نستذكر فيها التاريخ الإنساني في فصول صراعه: الديني والسياسي والثقافي والفكري، إذ تقابلت الحضارات الإنسانية ـ في كثير من أحوالهاـ بالصدام لا بالتعارف والحوار والوئام، فخسرت التعاون فيما بينها، لا سيما في المشتركات التي تجمعها، مع التسليم الإيجابي بالفروق الطبيعية بينها، التي ستقود الحكماء والعقلاء إلى الإيمان بسنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية، يقول الله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ»، كما يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا».
لقد أراد الله تعالى منا أن نتعارف لنتقارب، وأن نتقارب لنتعاون، وأن نتعاون لنكسر حواجز البرمجة السلبية التي نشأ عليها بعضنا، هذه البرمجة التي صاغت سلبيا بعض العقول والأفكار والتوجهات والانطباعات، مصحوبة بنظرة فردية تستطلع من زاوية واحدة، وتتلقى معلوماتها من مصدر واحد، بعيدا عن منطق الإنصاف والوعي.
وهذا بلاشك سيقود لمقدمة خاطئة، تبدأ بخطأ التشخيص، ومن ثم خطأ المعالجة، بعد هذا سنكون جميعا على موعد متوقع، مع فصل تاريخي جديد، يضعنا أمام نتيجة حتمية، لتلك الأخطاء الفادحة، هي الصدام الحضاري، وعندما نقول: «الصدام»، نتحدث بأسف عن المواجهات التي لا تنتهي إلا بخسائر فادحة على الجميع، ثم في نهاية مطافها تعود لمربعها الأول في حلقات دور لا يوقفها إلا منطق الحكمة والإنصاف والوعي.
ولا يعني هذا أننا ندعو إلى حتمية القناعة برأي واحد، في السجال الديني والثقافي والفكري، فديننا الإسلامي قرر قاعدة منطقية وهي أن القناعات الداخلية لا تفرض، كما قرر أنه لا يمكن أن يكون الناس كلهم على منهج واحد، ولكننا ندعو إلى التفاهم والتعايش، وأن نجعل من المشتركات أدوات التقاء وتعاون، وألا تكون مناطق الاختلاف الديني والسياسي والثقافي والفكري، ولا أخطاء التشخيص، سببا للأحقاد والكراهية، التي تعتبر المغذي الرئيسي للتطرف والإرهاب.
وسنكون قريبين من وصف الحالة عندما نقول: إن التطرف عملة واحدة لها وجهان: الأول منشأ التطرف، والثاني ردة الفعل المتطرفة تجاهه، فكلاهما يحمل الكراهية والمواجهة. وعندما نتحدث اليوم عن «الإسلاموفوبيا» نجد أمامنا نموذجا قاسيا للتطرف العنيف، إذ يعطي الأبرياء الذين يحملون الاسم الذي سمى به المجرم نفسه وخدع به الناس الحُكم الصادر على المجرم نفسه، يأتي هذا في مقابل وجود الدليل التاريخي على أن الإسلام دين سلام، كما هي دلالة اسمه في لغة القرآن، ودين تسامح وبر وعدل مع الجميع حتى شملت رحمته ورفقه الحيوان وليس فقط الإنسان.
كل ذلك واضح في نصوصه التي حاول التطرف بفشله ومكابرته أن يحرفها ويروج لنظرياته الإجرامية فلم يكسب من الاتباع إلا عصابة مختلة في وعيها وفهمها من المتطرفين المحسوبين اسما على الإسلام، وفئة أخرى قابلتها بالتطرف المضاد، نعم؛ لقد كسب التطرف الإجرامي تلك الفئة الأخرى.
«الإسلاموفوبيا» هو أكثر الناس ترحيبا بها، لأنها تؤكد نظرياته الخاطئة التي يراهن بها على العاطفة الدينية المجردة التي استفزتها الكراهية المتمثلة في نتائج الإسلاموفوبيا، وقد قدمت هذه الكراهية الاستفزازية للتطرف الإرهابي من الخدمات أكثر مما قدمته حساباته الأخرى.
ولا أخطر في الأثر من تحقق رهان الإرهاب بإثارة عاطفة وشعور وكرامة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، إذ يُشكلون نحو ربع سكان الأرض، وأكثر من هذا هو أنهم يُشَكِّلون نسبا كبيرة في البلدان غير الإسلامية حتى أصبحوا جزءا من مكونها الوطني المهم، وهنا الرهان الأكبر للتطرف الإرهابي المتمثل في إثارة حفيظة هذه الجاليات عن طريق تعميم الحكم بالإساءة لدين الإسلام عموما، دون تفريق بين المتطرفين والمعتدلين.
وإذا كانت الإسلاموفوبيا في سنين ماضية، قد ظلت مجرد نظرية فكرية، وتحفظا عاما، ربما كانت وقتها مأمونة العواقب الوخيمة إلى حد كبير، فإن توقعات نتائجها اليوم تختلف اختلافا جذريا، وهي أقوى رسائل التطرف التي يُلَوِّحُ بها لتعبئة الشعور الإسلامي ضد الآخر.
وعندما نكون أمام حالة غياب منطق الوعي، وعندما لا نصبح أمام حياد العدالة، وعندما نكون أمام توظيف سياسي ربما تنازل عن مبادئ وقيم النخبة المثقفة لينساق مع المفاهيم الخاطئة التي تولدت عن ضعف الاستطلاع وقلة الوعي وعن التضليل الإعلامي بهدف الإثارة والشهرة والتسويق، عندئذ سنكون أمام صدام مؤلم في الظرف الصعب.
ولعلنا نسأل أنفسنا ما هي نتائج هذه المواجهات على السلم والأمن والتعايش، هل تساهم في الحل، أو تزيد المشكلة تعقيدا وفداحة، وعندما نكون على أسوأ الاحتمالات أمام حالة خاطئة هل نعالجها بالاحتواء أو بالكراهية والإقصاء، وما هي نتائج هذا التعقيد وتلك الكراهية، وما نتائج خطأ التقدير في خطاب الإقصاء.
ما هي نتائج ذلك كله على شريك وطني يحمل الجنسية نفسها يتمتع بالاعتدال ويُدين بشدة كل أساليب التطرف والإرهاب المحسوبة على دينه! مثلما يدينها غيره في تطرف ديني آخر محسوب على الإسلام أو غيره حاضر أو سابق، هل نعتقد أن اعتدال هذا الشريك الوطني المسلم المسالم، سيكون بخير أو أن مشاعره الدينية ستتحرك سلبيا في ظل تتالي الإساءات والاتهامات الظالمة له بالتطرف ولدينه بالإرهاب.
نعم؛ نكرر ونؤكد بأن ردة الفعل المتطرفة المتمثلة في ظاهرة الإسلاموفوبيا ستولِّد المزيد من المعاناة كما ستزيد من أعداد المتطرفين الذين كانوا بالأمس أسوياء معتدلين يتعايشون مع مجتمعاتهم في البلاد غير الإسلامية باندماج إيجابي، محترمين دساتير وقوانين وثقافة الدول التي يحملون جنسيتها أو يقيمون فيها.
نعم إن أول كاسب لظاهرة الإسلاموفوبيا هي العناصر الإرهابية التي تسعى لمضاعفة أعدادها من خلال إثارة وتعبئة المشاعر الدينية المتسرعة لدى الشباب المسلم خصوصا في البلدان غير الإسلامية.
والخطورة تكمن في أن الإرهاب لا يحكمه نطاق جغرافي يحيط به ينتهي باكتساح دائرة دولته الإجرامية، لكنه مع الأسف محكوم بعالم افتراضي لا حدود له، كما أن المشكلة تكمن أيضا في كون الكيان الإرهابي يتمدد ليس عن قوة عسكرية يمتلكها يتفوق بها على غيره، ولكن من خلال أفكار يخترق بها مستهدفيه عبر وسائل التواصل الحديثة، فهناك أتباع له لا يعلمهم هو إلا من خلال تسجيل رسائلهم الانتحارية وإعلانهم تبعيته.
نعلم جميعا أن تاريخ التطرف الديني في عموم الأديان، كانت له وقائع مؤلمة تحضُر وتغيبُ، بين مد وجزر، من زمن لآخر.
ومن سُنَّة الخالق جل وعلا، أن التطرف الديني لم يُحقق في غالب مراحله، سوى الظاهرة الصوتية، والإساءة لسُمعة الدين الذي ينتسب إليه، ليأتي بعد هذا كلِّه القَدَر المحتوم بالقضاء على التطرف والإرهاب، كل ذلك في دورات زمنية متتالية، تتبادل أدوارها الأديان عامة، والمذاهب الدينية في داخلها على وجه الخصوص، علاوة على النظريات السياسية والفكرية والفلسفية المتطرفة، بما تُحدثه في كثير من أحيانها من أفعال ضارة، لا تقتصر فقط على النظرية المجردة.
كما يجب أن نعلم أن التطرف الإرهابي المعاصر، المحسوب على الإسلام، ليس له مدرسة دينية معينة؛ فهو خليط من عدة دول بلغ في آخر إحصاء له أكثر من 100 دولة، جنَّد منها أكثر من 45 ألف مقاتل، ينحدرون من اتجاهات فكرية متعددة لهدف واحد، ومع حرص الإرهاب الشديد، على أن يستقطب المزيد من عناصره من المملكة العربية السعودية؛ نظرا لما تمثله من ثقل ووزن إسلامي وسياسي كبير، فهو كثير ما يزايد على أن بعض أتباعه هم من أرض الحرمين الشريفين إلا أنه خسر في هذا الجانب بشكل كبير، إذ لم يلتحق به من أرض الحرمين الشريفين وبحسب الإحصاءات المؤكدة إلا أعداد أقل من غيرها بكثير، بل التحقت به أعداد غفيرة كانت قبل انضمامها له ضد المفاهيم الإسلامية للمملكة العربية السعودية، ولا تزال تحارب الفكر الإسلامي المعتدل للمملكة، تحكي ذلك وثائق التطرف المسجلة على خليطه المتعدد على مواقع التواصل الاجتماعي.
يؤيد هذا أن التطرف الإرهابي لم يوجِّه حملاته الإجرامية اليائسة ورسائله الفكرية المعادية والمكفرة، لأي جهة مثلما وجهها للمملكة العربية السعودية، ولم يتلق التطرف الإرهابي ملاحقات أمنية ناجحة، ومواجهات فكرية دخلت في تفاصيل أيديولوجية التطرف، كما لم يتلق الإرهاب حشدا للجهود والتحالفات ضده، مثلما تلقاها من المملكة العربية السعودية، التي أقامت في العام الماضي التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، حشدت له الجهود الإسلامية وانضمت له بالدعم والتأييد دول غير إسلامية، عكست بتفاعلها مستوى الترحيب والتقدير العالمي لهذه الخطوة والعزيمة الإسلامية التاريخية لمواجهة الإرهاب.
كما أقامت المملكة العربية السعودية في العام نفسه مركزا متخصصا لمحاربة الإرهاب أيديولوجيا باسم «مركز الحرب الفكرية»، يتبع وزارة الدفاع.
والرهان الحقيقي والمؤثر بفاعلية، إنما هو على اقتلاع الإرهاب من جذوره، فالإرهاب لم يقم على تجمع سياسي مجرد، أو قوة عسكرية مسيطرة، بل على أيديولوجية متطرفة، ولا سبيل للخلاص منها إلا بهزيمتها من خلال تفكيك موادها التي بلغت في آخر الإحصاءات أكثر من 800 مادة أيديولوجية متنوعة المحتوى والخطاب بحسب المستهدفين، أطلقتها العناصر الإرهابية عبر مئات الآلاف من الرسائل في مُختلف المواقع الإلكترونية.
هذا: ومن خلال استطلاع رسائل التطرف التهديدية وردود أفعاله القلقة، نجد أنها لا تحمل كراهية وتهديدا بل ولا أفعالا إجرامية، على بلد مثلما تحمله على المملكة العربية السعودية، كما لم يوجِّه التطرف سهامه على مؤسسة دينية مثلما وجهها على المملكة، حتى أصدرت رموزه ومراجعه الرسائل والكتب والخطب متضمنة تكفير المملكة وعلمائها، كل هذا يعكس حجم الضربات القاسية التي تلقاها الإرهاب من المملكة عسكريا وفكريا، وهذا يترجم من جانب آخر حجم الاختلاف الجذري مع أيديولوجيته الإرهابية.
وفي هذا السياق، من المهم أن نفرق بين الفكر الإرهابي، وبعض الآراء المتحفظة المتعلقة ببعض الموضوعات الدينية الاجتهادية، سواء كانت اجتماعية أو غيرها، فالأول: فكر إجرامي منحرف، والثاني لا يعدو أن يكون تحفظا دينيا ربما أصاب صاحبه أو أصحابه وربما أخطأوا، بل ربما كانوا في محل التفهم والاعتذار، وربما رُفض وكان في إطار التحفظ المتشدد، وهي في جميع الأحوال اجتهادات يحصل داخل مدرستها الواحدة سجال ونقاش حول تلك القضايا زاد من الثراء والانفتاح العلمي.
لكن ما يجب أن نعلمه هو أن بين الأول في فكره الإرهابي، والثاني في اجتهاده المحفوف بفكره المسالم اختلافا كبيرا، يشهد لذلك أن التطرف الإرهابي على ما قلنا شن حملات شرسة على أولئك المسالمين.
وختاما: أنبه على أمور:
الأول: هناك أسماء وأوصاف تُطلق على جهات إسلامية يتم التصور الخاطئ بأنها تمثل كتلة دينية تستقل بهذا الاسم أو الوصف الملفق عليها عن غيرها، ومن أمثلة ذلك السلفية، والسلفية ليست اسما مرادفا للإسلام أو فصيلا متفرعا عن الإسلام بل هي منهج لكل مسلم يسير في اعتداله الديني وفهمه الصحيح للإسلام على خطى أسلافه الذين ترجموا تسامح ووسطية وتعايش وعالمية الإسلام.
ومن العجيب أن هذا الاسم المركب كفصيل إسلامي أصبح متنازعَا عليه بين العديد من الجهات المتصارعة في كثير من الأصول والفروع الإسلامية، فكلهم يصف نفسه بذلك، ولربما قلنا هناك 10 فئات متنازعة كلها تصف نفسها بالسلفية، وكذلك ما يسمى بالوهابية، وهو اسم اخترعته بعض الخصومات السياسية والمذهبية، وليس للمملكة العربية السعودية مذهب ولا فكر ولا منهج تستقل به عن عالمها الإسلامي الذي تشرفت بقيادته الدينية.
الثاني: وهو التنبيه على الخطأ الكبير في وصف الإرهاب المحسوب على الإسلام بـ«الإرهاب الإسلامي»، ومع ما في هذا من خطأ في الحكم، إلا أنه يحمل في مضامينه إثارة مشاعر المسلمين، فالتطرف الديني الذي لا يمثل أكثر من شخص واحد فقط من 200 ألف نسمة، لا يُحسب عن طريق الوصف على الإسلام ولا المسلمين، وإلا جاز لنا أن نقول ذلك على الأديان الأخرى بسبب أفعال متطرفة صادرة عن فئات تنتسب إليها في زمن معين.
الثالث: ويخص الأخطاء الصادرة عن بعض الجاليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية المتعلقة بمطالبات خصوصياتها الدينية والثقافية، إذ يجب أن تكون تلك المطالبات في إطار النظام العام للدولة، وأدوات الحسم الدستورية والقانونية وليس غيرها، وأن أي تجاوز لذلك يعتبر إساءة للإسلام قبل غيره، وعليها في جميع الأحوال احترام القرار النهائي والعمل به، وعدم الإساءة إليه ولا إلى الثقافة المحلية بأي أسلوب كان، وتعاليم الإسلام تَعْذر المسلم في كل خصوصية لا يستطيع العمل بها ومن ذلك اصطدامها بالدساتير أو القوانين أو القرارات النهائية النافذة.
الرابع: ويتعلق برابطة العالم الإسلامي، وهي منظمة إسلامية شعبية عالمية جامعة مقرها مكة المكرمة، تأسست منذ 56 عاما، تهدف إلى إيضاح الإسلام الصحيح، ومحاربة الأفكار المتطرفة، ومد جسور التعاون الإنساني مع الجميع لتحقيق السلام والاستقرار وسعادة البشرية، وتوجيه المسلمين عموما والجاليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية خصوصا بأن يترجموا بسلوكهم الأخلاقي ووعيهم الحضاري القيم العليا في الإسلام من المحبة والعدل والتسامح والتعاون والتعايش مع الجميع، ودعم منظومة الحقوق والحريات، واحترام النظام العام لكل دولة، وأن يكونوا أعضاء فاعلين في كل مكان، وأن يسهموا بحضورهم الإيجابي المميز في البناء الحضاري والتواصل الثقافي، وأن يتفهموا الثقافات الأخرى، ويحترموا خصوصياتها، وأن يستذكروا دائما أن دينهم الذي مضى عليه أكثر من 1400 عام، لم يبلغ تلك المكانة العالمية إلا بتلك القيم الرفيعة، وأنه عبر قرونه الماضية الطويلة لم يعرف الأفكار المتطرفة وأساليبها الإجرامية الماكرة والحاقدة والغادرة، التي انتحلت اسم الإسلام وأساءت إليه، وأن نبي الإسلام محمدا صلى الله عليه وسلم لخص قيم رسالة الإسلام فقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال عنه القرآن الكريم: «وإنك لعلى خلق عظيم».
إن القرآن الكريم أرشد إلى أن يكون المسلمون في غاية الإحسان وكمال العدل في التعامل مع غيرهم، وإن الإسلام وجه توجيها مباشرا وقويا بأنه لا إكراه في اعتناق الدين، ولذا فالقول بأن الإسلام حارب من أجل ذلك يعتبر من جملة الأخطاء الفادحة على الإسلام، ولم يحارب الإسلام إلا دفاعا عن نفسه من معتد، ولم يحارب إلا الظلم والاضطهاد والفوضى، وقد أصبحت مهمة إرساء السلام العالمي، ومحاربة الظلم والاضطهاد والفوضى للمنظومة الدولية في عصرنا الحديث».