-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
عادت قضية معتقلي جوانتانامو إلى الأضواء مجددا بعد قبول المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية النظر في قضايا عدد من المعتقلين، واستماعها في ديسمبر 2007 إلى الحجج المقدمة من محاميهم بشأن أحقيّة المعتقلين في الطعن في قانونية اعتقالهم أمام المحاكم الفيدرالية الأمريكية. ففي فبراير 2006 أيدت محكمة الاستئناف الفيدرالية في واشنطن بأغلبية صوتين مقابل صوت إحدى مواد قانون اللجان (المحاكم) العسكرية لعام 2006 التي تلغي حق المعتقل في صدور أمر قضائي للمثول أمام المحكمة للنظر في قانونية اعتقاله. وإذا ما أيدت المحكمة العليا قرار محكمة الاستئناف فقد يقضي الكثير من المعتقلين بقية أعمارهم رهن الاعتقال دون توجيه أدنى تهمة لهم، ودون مراجعة مستقلة لقانونية اعتقالهم. ويتعين على المحكمة العليا أن تنظر في دستورية قانون اللجان العسكرية الذي يجرد المحاكم الفيدرالية الأمريكية من الولاية القضائية للنظر في الطعون المقدمة من معتقلي جوانتانامو للنظر في مشروعية اعتقالهم، ومدى تمتع معتقلي جوانتانامو بهذا الحق المكفول بالدستور رغم اعتقالهم على أرض خارج الحدود الأمريكية.
فمما لا شك فيه أن الكونجرس يملك سلطة تنظيم اختصاصات المحاكم الفيدرالية الأمريكية، إلا أن هناك حدوداً دستورية لممارسة الكونجرس لهذا الحق. فليس للكونجرس الحق في حرمان معتقلي جوانتانامو من أدنى حق للمثول أمام القضاء للنظر في قانونية اعتقالهم، خاصة أنهم قيد الاعتقال من قبل السلطة التنفيذية الممثلة في الإدارة الأمريكية، ويتم عرضهم على لجان عسكرية واقعة تحت وصاية السلطة التنفيذية. فقضاة اللجان العسكرية مثلا يتم اختيارهم بصورة مختلفة عن تلك التي يتم فيها اختيار القضاة الفيدراليين، ولا يتمتعون بنفس الدرجة من الاستقلال التي يتمتع بها القضاة الفيدراليون. إذ يمكن للرئيس الأمريكي في حالة استيائه من قرارات اللجان العسكرية مثلا إعفاء قضاتها أو إقالتهم. وعليه ألا يحق للمعتقل تحت وطأة السلطة التنفيذية أن يحظى بمراجعة لقانونية اعتقاله عبر الإجراءات الطبيعية من قضاة غير قابلين للعزل مستقلين لا سلطان للسلطة التنفيذية عليهم في قضائهم؟ أضف إلى ذلك أن لجان مراجعة وضع المقاتل العدو (المكلفة بتحديد ما إذا كان المعتقل ينطبق عليه صفة المقاتل العدو...) التي أنشأها الكونجرس لا تمثل بديلا ملائما للحق الدستوري المعروفة «بأمر الإحضار» للنظر في قانونية اعتقالهم. إذ لا يحق للمعتقل الحصول على محام سوى «ممثل شخصي». كما يسمح القانون باستخدام أدلة سرية ليس بمقدور المتهم النظر فيها ومناقشتها، ولأدلة جرى الحصول عليها عن طريق الإكراه. بل إن الأغلبية الساحقة من جلسات الاستماع للجان مراجعة وضع المقاتل العدو جرت دون تقديم الحكومة الأمريكية لشاهد واحد يؤيد ادعاءها، ودون عرض أي أدلة على المعتقل قبل جلسة الاستماع. بل يكتفى فيها بتزويده بملخص عن الأدلة السرية المقدمة ضده، التي غالبا ما تنظر لها هذه اللجان على أنها أدلة موثقة وصحيحة.

وأخيرا، فإن ما جرت عليه السوابق القضائية في الولايات المتحدة هو أن المحاكم الفيدرالية لها ولاية قضائية، خاصة في إصدار «أوامر الإحضار»، على أي شخص محتجز داخل الأراضي الخاضعة للسيادة الأمريكية. مثال ذلك الحكم الذي أصدرته إحدى المحاكم العسكرية الأمريكية على القائد الياباني في الفلبين «ياماشيتا» بالإعدام عام 1952، واستماع المحكمة العليا الأمريكية لالتماسه بالطعن في قانونية اعتقاله باعتبار أن الفلبين كانت خاضعة للسيادة الأمريكية. وقد قضت المحكمة العليا في قضية «رسول» في عام 2006 بأنه وبموجب بنود الاتفاقية بين الولايات المتحدة وكوبا فإن الولايات المتحدة تمارس سلطة قضائية وسيطرة كاملة فوق قاعدة خليج جوانتانامو..بالتالي فإن ولاية المحاكم الفيدرالية القضائية تنطبق عليها. لقد سعت الإدارة الأمريكية جاهدة لإبقاء معتقلي جوانتانامو بعيدا عن أي محكمة مستقلة رغم عدالة مطالبهم ضاربة عرض الحائط بكل مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان، وكل الأمل أن تقدم المحكمة العليا مثالا يحتذى للعدل والديمقراطية وأن تمنح معتقلي جوانتانامو العدالة الغائبة عنهم حتى الآن، وأن تزيل القيم الإنسانية المفقودة من وراء تلك القضبان.
afansary@yahoo.com