«جرول».. أحد أحياء مكة المكرمة الشهيرة ذات الإرث التاريخي، «عكاظ» تجولت في الحي ووقفت على بئر «طوى» التاريخية، التي سوِّرتها هيئة السياحة والتراث الوطني أثناء عمليات الإزالة الأخيرة التي شهدها الحي، إلا أن تلك البئر الأثرية تحتاج إلى عناية واهتمام، لكثرة الحجاج الذين يقفون عليها.
ذلك الحي الذي كان يعيش حالة من الصخب والضجيج الاجتماعي طيلة عقود مضت، من أشهر الأسواق المكية التي يقصدها أبناء مكة والقرى المحلية بها، إذ احتضن تجار الجملة، وباعة البهارات والخضراوات والفواكه، وسوق العلف والحبوب، والحمام، وسوق الماشية.
لم يتبق في «سوق جرول» حاليا سوى جزء منها بعد انتقالها إلى حي «الكعكية»، إلا أن هناك من سكان جرول من لا زال متمسكا بمتجره، خصوصا محلات بيع أطعمة الحمام، إذ يتجمع عليهم بعض الذين يدفعون لهم مبالغ شهرية صدقة عنهم، ويقومون بتوكيلهم لإطعام الحمام بها بشكل يومي، وأصبح به محلات لبيع الخضراوات والفواكه، والأدوات المنزلية، والحبوب.
إلى ذلك، يوضح أحد قاطني حي «جرول» سليم العتيبي أن الحي كان في البدء بستانا، وأخذ شهرته بعد نقل سوق الخضراوات من الحلقة القديمة بجوار الحرم المكي إلى الموضع الحالي، وكان أهل البادية يحرصون على إنهاء كل مستلزماتهم وشراء حاجاتهم منه، والتي لا تخرج عادة عن المواد الغذائية والبهارات والبن والهيل، ويحتضن الحي أقدم مواقف السيارات لنقل سكان قرى الجموم ووادي فاطمة.
أما عبدالله فريج الصبحي، فأوضح أن أمانة العاصمة المقدسة طوقت الحي وسكانه بمواقف سلمتها لشركة استثمارية أصبحت تفرض على المواطنين إيجارات للأرصفة بعد أن كانت تمنع الوقوف عليها سابقا، فاصبح المواطنون لا يستطيعون الوقوف بجوار منازلهم إلا بدفع رسوم للشركة.
مسيفر المعبدي (يعمل سائق سيارة لتوصيل الطلبات) اشتكى من قلة العمل، مشيرا إلى أنه لا يستطيع أن يعمل إلا في هذا العمل، وبينه وبين حلقة جرول ارتباط وثيق زاد عن 40 عاما، إذ عمل معهم أناس كثر منهم من غادر الحياة ومنهم من أصبح لا يستطيع العمل، ولكنه يحب العمل في هذا المكان ومرتاح له، لذلك يحرص على التواجد هنا منذ الصباح حتى المساء ويحصل في اليوم على قرابة 100 ريال.
ويقول أحمد الحاج (صاحب محل لبيع أعلاف الطيور): عرفت سوق جرول منذ طفولتي، وكانت تموج بالمرتادين من أهل مكة المكرمة والقرى المحيطة، وكانت تزدحم بالناس لوقوعها على طريق المعتمرين والحجاج، ولكثرة أهل البادية الذين يرتادونها، وأول ما عرفت به السوق هو تجارة الحبوب والعلف والسمن والعسل، لكن انتقال حلقة الخضراوات من جوار الحرم إلى جرول في التسعينات الهجرية أجج الحركة التجارية وزاد من نسبة الإقبال على سوق جرول، التي أصبحت مقرا لتجار الجملة في المواد الغذائية ومطاحن الدقيق والفواكه.
وأشار إلى أن سكان البادية هم الأكثر ترددا على سوق جرول، فكانوا يأتون بالخضراوات والعلف والسمن من مزارعهم ثم يشترون ما يحتاجونه من مواد غذائية وملابس وأوانٍ منزلية.
وأكد أحد سكان الحي إبراهيم محمد أن سوق جرول تضم اليوم محلات متخصصة في بيع التمور والخضراوات وأعلاف الطيور والمثلجات والمبردات، وتحيط به أبراج سكنية لإسكان الحجاج والمعتمرين، فيما شهد إزالة أجزاء كبيرة منها لصالح مشاريع محطات التوليد والتبريد الجديدة الخاصة بالحرم المكي.
.. ومؤرخ: أرض بساتين.. ومن «طوى» اغتسل النبي
أكد أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى الدكتور فواز الدهاس، أن «جرول» من أقدم أحياء مكة المكرمة، ويضم بئر «طوى» الأثرية الموجودة حتى الآن، التي اغتسل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة فتح مكة المكرمة، ووجه جيوش الفتح من هذا المكان، وعندها انفرق الجيش إلى اثنين؛ خالد بن الوليد قاد جيشه عبر ما يعرف حاليا بريع الرسام, والرسول عليه الصلاة والسلام اتخذ طريق كدى متجها إلى الحرم المكي.
وأشار إلى الحي كان يشتهر بالبساتين، وسمي بـ «جرول» لأن السيول تمر به وتجرف معها الحصى، ويوجد به قصر وزير الوزراء ابن سليمان (وزير المالية في عهد الملك عبدالعزيز).
وأضاف: كان يعرف سابقا بحي «طوى» أو بئر طوى (واد من أودية مكة), يسيل في سفوح جبل أذا خر، والحجون من الغرب, وتفضي إليه كل من ثنية الحجون (كداء قديما) وثنية ريع الرسام (كدى قديما) ويذهب حتى يصب في المسفلة عند قوز النكاسة (الرمضة قديما) من الجهة المقابلة.
وقال معقبا: «لا يفصل» جرول اليوم عن ساحات الحرم المكي سوى أمتار قليلة، وأن 90% من مبانيه قديمة، والبقية عبارة عن أبراج سكنية بُنيَت أخيرا لمساكن الحجاج، وأنّ المشروعات التطويرية نسفت مالا يقل عن 70% من الحي لصالح التوسعة التطويرية لساحات المسجد الحرم المكي، إذ يتضمن المشروع في جرول محطات لتبريد أجهزة التكييف، ومحطة توليد الكهرباء للتوسعة الجديدة، وخزانات للوقود والماء، ومحطة عملاقة لمعالجة النفايات وتحويلها إلى مواد صلبة يتم سحبها إلكترونيا، ويسهم ذلك في تسريع عمليات النظافة داخل الحرم المكي والساحات المحيطة به، خصوصا في أوقات الذروة.
عمدة الحي سابقاً: احتضن أول مسرح
قال عمدة جرول السابق طلال الحساني: الحي تحول اليوم إلى منطقة مركزية لقربها من الحرم المكي بسبب تنفيذ مشروع الأنفاق الرابطة بين الحرم وجرول (طولها كيلو مترين)، وهذا يؤهل «جرول» أن يكون منطقة إسكان مهمة يقبل عليها الحجاج والمعتمرون، الأمر الذي ينعكس على السوق التجارية الداخلية في الحي.
ويتذكر الحساني سنين طويلة كونه أحد أبناء الحي، قائلا: «كانت وزارة الداخلية تتخذ من جرول مكانا لها عندما كان وزيرها الأمير عبدالله الفيصل، ومبناها في منزل الشيخ عبدالله السليمان, إضافة إلى الشرطة العسكرية كانت في الحي».
وأضاف: كان لمكة سور من الجهة الشمالية يغلق ليلا ويفتح نهارا، وهذا السور في حارة الباب أو ما يعرف بـ «ريع الرسام»، ومعالمه موجودة حتى الآن، ونتيجة للتوسع انتقل الباب إلى حارة «البيبان» وهدم عام 1365، موضحا أن رجالات الدولة قطنوا في حي «جرول»، منهم الأمير متعب بن عبدالعزيز (عندما كان أميرا لمنطقة مكة المكرمة).
وأكد أن لجرول إرثا ثقافيا، إذ إن أول مسرح سعودي أقيم في جرول أنشأه أحمد سباعي، وموقعه موجود إلى الآن, وكان في شارع قريش بالحي مجلة أو صحيفة أنشأها أحمد السباعي عرفت باسم الشـارع نفسه (قريش), وصدرت من الحي أول مجلة زراعية قبل الحكم السعودي في عهد الحكم الهاشمي باسم «مجلة جرول الزراعية», وأنشئ أول متنزه أنشئ في الحجاز في جرول ويعرف باسم «بستان عثمان نوري باشا» و«بستان الشريف عون الرفيق»، وكان المحمل المصري ينزل في هذا البستان، الذي كان يحمل معه كسوة الكعبة المشرفة والحجرة النبوية الشريفة والأرزاق والهدايا.
ذلك الحي الذي كان يعيش حالة من الصخب والضجيج الاجتماعي طيلة عقود مضت، من أشهر الأسواق المكية التي يقصدها أبناء مكة والقرى المحلية بها، إذ احتضن تجار الجملة، وباعة البهارات والخضراوات والفواكه، وسوق العلف والحبوب، والحمام، وسوق الماشية.
لم يتبق في «سوق جرول» حاليا سوى جزء منها بعد انتقالها إلى حي «الكعكية»، إلا أن هناك من سكان جرول من لا زال متمسكا بمتجره، خصوصا محلات بيع أطعمة الحمام، إذ يتجمع عليهم بعض الذين يدفعون لهم مبالغ شهرية صدقة عنهم، ويقومون بتوكيلهم لإطعام الحمام بها بشكل يومي، وأصبح به محلات لبيع الخضراوات والفواكه، والأدوات المنزلية، والحبوب.
إلى ذلك، يوضح أحد قاطني حي «جرول» سليم العتيبي أن الحي كان في البدء بستانا، وأخذ شهرته بعد نقل سوق الخضراوات من الحلقة القديمة بجوار الحرم المكي إلى الموضع الحالي، وكان أهل البادية يحرصون على إنهاء كل مستلزماتهم وشراء حاجاتهم منه، والتي لا تخرج عادة عن المواد الغذائية والبهارات والبن والهيل، ويحتضن الحي أقدم مواقف السيارات لنقل سكان قرى الجموم ووادي فاطمة.
أما عبدالله فريج الصبحي، فأوضح أن أمانة العاصمة المقدسة طوقت الحي وسكانه بمواقف سلمتها لشركة استثمارية أصبحت تفرض على المواطنين إيجارات للأرصفة بعد أن كانت تمنع الوقوف عليها سابقا، فاصبح المواطنون لا يستطيعون الوقوف بجوار منازلهم إلا بدفع رسوم للشركة.
مسيفر المعبدي (يعمل سائق سيارة لتوصيل الطلبات) اشتكى من قلة العمل، مشيرا إلى أنه لا يستطيع أن يعمل إلا في هذا العمل، وبينه وبين حلقة جرول ارتباط وثيق زاد عن 40 عاما، إذ عمل معهم أناس كثر منهم من غادر الحياة ومنهم من أصبح لا يستطيع العمل، ولكنه يحب العمل في هذا المكان ومرتاح له، لذلك يحرص على التواجد هنا منذ الصباح حتى المساء ويحصل في اليوم على قرابة 100 ريال.
ويقول أحمد الحاج (صاحب محل لبيع أعلاف الطيور): عرفت سوق جرول منذ طفولتي، وكانت تموج بالمرتادين من أهل مكة المكرمة والقرى المحيطة، وكانت تزدحم بالناس لوقوعها على طريق المعتمرين والحجاج، ولكثرة أهل البادية الذين يرتادونها، وأول ما عرفت به السوق هو تجارة الحبوب والعلف والسمن والعسل، لكن انتقال حلقة الخضراوات من جوار الحرم إلى جرول في التسعينات الهجرية أجج الحركة التجارية وزاد من نسبة الإقبال على سوق جرول، التي أصبحت مقرا لتجار الجملة في المواد الغذائية ومطاحن الدقيق والفواكه.
وأشار إلى أن سكان البادية هم الأكثر ترددا على سوق جرول، فكانوا يأتون بالخضراوات والعلف والسمن من مزارعهم ثم يشترون ما يحتاجونه من مواد غذائية وملابس وأوانٍ منزلية.
وأكد أحد سكان الحي إبراهيم محمد أن سوق جرول تضم اليوم محلات متخصصة في بيع التمور والخضراوات وأعلاف الطيور والمثلجات والمبردات، وتحيط به أبراج سكنية لإسكان الحجاج والمعتمرين، فيما شهد إزالة أجزاء كبيرة منها لصالح مشاريع محطات التوليد والتبريد الجديدة الخاصة بالحرم المكي.
.. ومؤرخ: أرض بساتين.. ومن «طوى» اغتسل النبي
أكد أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى الدكتور فواز الدهاس، أن «جرول» من أقدم أحياء مكة المكرمة، ويضم بئر «طوى» الأثرية الموجودة حتى الآن، التي اغتسل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة فتح مكة المكرمة، ووجه جيوش الفتح من هذا المكان، وعندها انفرق الجيش إلى اثنين؛ خالد بن الوليد قاد جيشه عبر ما يعرف حاليا بريع الرسام, والرسول عليه الصلاة والسلام اتخذ طريق كدى متجها إلى الحرم المكي.
وأشار إلى الحي كان يشتهر بالبساتين، وسمي بـ «جرول» لأن السيول تمر به وتجرف معها الحصى، ويوجد به قصر وزير الوزراء ابن سليمان (وزير المالية في عهد الملك عبدالعزيز).
وأضاف: كان يعرف سابقا بحي «طوى» أو بئر طوى (واد من أودية مكة), يسيل في سفوح جبل أذا خر، والحجون من الغرب, وتفضي إليه كل من ثنية الحجون (كداء قديما) وثنية ريع الرسام (كدى قديما) ويذهب حتى يصب في المسفلة عند قوز النكاسة (الرمضة قديما) من الجهة المقابلة.
وقال معقبا: «لا يفصل» جرول اليوم عن ساحات الحرم المكي سوى أمتار قليلة، وأن 90% من مبانيه قديمة، والبقية عبارة عن أبراج سكنية بُنيَت أخيرا لمساكن الحجاج، وأنّ المشروعات التطويرية نسفت مالا يقل عن 70% من الحي لصالح التوسعة التطويرية لساحات المسجد الحرم المكي، إذ يتضمن المشروع في جرول محطات لتبريد أجهزة التكييف، ومحطة توليد الكهرباء للتوسعة الجديدة، وخزانات للوقود والماء، ومحطة عملاقة لمعالجة النفايات وتحويلها إلى مواد صلبة يتم سحبها إلكترونيا، ويسهم ذلك في تسريع عمليات النظافة داخل الحرم المكي والساحات المحيطة به، خصوصا في أوقات الذروة.
عمدة الحي سابقاً: احتضن أول مسرح
قال عمدة جرول السابق طلال الحساني: الحي تحول اليوم إلى منطقة مركزية لقربها من الحرم المكي بسبب تنفيذ مشروع الأنفاق الرابطة بين الحرم وجرول (طولها كيلو مترين)، وهذا يؤهل «جرول» أن يكون منطقة إسكان مهمة يقبل عليها الحجاج والمعتمرون، الأمر الذي ينعكس على السوق التجارية الداخلية في الحي.
ويتذكر الحساني سنين طويلة كونه أحد أبناء الحي، قائلا: «كانت وزارة الداخلية تتخذ من جرول مكانا لها عندما كان وزيرها الأمير عبدالله الفيصل، ومبناها في منزل الشيخ عبدالله السليمان, إضافة إلى الشرطة العسكرية كانت في الحي».
وأضاف: كان لمكة سور من الجهة الشمالية يغلق ليلا ويفتح نهارا، وهذا السور في حارة الباب أو ما يعرف بـ «ريع الرسام»، ومعالمه موجودة حتى الآن، ونتيجة للتوسع انتقل الباب إلى حارة «البيبان» وهدم عام 1365، موضحا أن رجالات الدولة قطنوا في حي «جرول»، منهم الأمير متعب بن عبدالعزيز (عندما كان أميرا لمنطقة مكة المكرمة).
وأكد أن لجرول إرثا ثقافيا، إذ إن أول مسرح سعودي أقيم في جرول أنشأه أحمد سباعي، وموقعه موجود إلى الآن, وكان في شارع قريش بالحي مجلة أو صحيفة أنشأها أحمد السباعي عرفت باسم الشـارع نفسه (قريش), وصدرت من الحي أول مجلة زراعية قبل الحكم السعودي في عهد الحكم الهاشمي باسم «مجلة جرول الزراعية», وأنشئ أول متنزه أنشئ في الحجاز في جرول ويعرف باسم «بستان عثمان نوري باشا» و«بستان الشريف عون الرفيق»، وكان المحمل المصري ينزل في هذا البستان، الذي كان يحمل معه كسوة الكعبة المشرفة والحجرة النبوية الشريفة والأرزاق والهدايا.