-A +A
عزيزة المانع
حين تكون فرص الترقية محدودة والتنافس على المرتبة الوظيفية الأعلى ساخنا، من أحق بأن يعطى الفرصة الأكبر في الترقية، من هو أكبر سنا ويعول أسرة كبيرة ويقترب حثيثا من سن التقاعد، حتى وإن كان أداؤه ضعيفا، أم من هو أعلى كفاءة وأفضل أداء وأكثر انضباطا، وإن كان لما يزل في مقتبل العمر وليس له أسرة يعولها أو له أسرة صغيرة محدودة العدد؟

أي الاثنين أولى بالترقية؟ من هو في أشد الحاجة إلى زيادة الدخل الذي تحققه المرتبة الجديدة، لكبر سنه وكثرة عياله وحاجته الملحة إلى الزيادة، رغم تدني كفاءته المهنية، أم من ليس مضطرا لتلك الزيادة، لكنه جدير بها لمؤهلاته وسماته الوظيفية المميزة؟


في مثل هذه الحال، أين يقع العدل؟ هل العدل في النظر إلى حاجة الفرد، أم النظر إلى كفاءته ومستوى عطائه؟

أيهما أولى أن يقدم، مشاعر الرحمة وما تمليه العاطفة، أم ما يمثل الحق ويخدم المصلحة العامة؟

ما يزيد الأمر تعقيدا أن مثل هذه المفاضلات من الصعب معرفة الصواب فيها، لأن أحكام العاطفة تتداخل بسهولة مع رؤية العقل، وفي كثير من الأحيان يختلط على الناس الأمر فيصعب عليهم التمييز بين ما هو عقلي وما هو عاطفي!

فالإشكالية التي تتجسد أمامنا هي هذا اللبس الذي يشوب الأحكام حين لا يمكن فصل العاطفي عن العقلي، فمن السهل التدليس على العقل، خاصة أن العاطفة عندها قدرة عجيبة على تزييف أحكامها بحيث تجعلها تظهر كما لو أنها وليدة العقل.

فالعاطفة في بعض الأحيان، وهي غير قليلة، تتمكن من تغليف أحكامها بغشاء سطحي تستلبه من العقل، فيبدو حكمها كما لو أنه صادر عن العقل، ولو أخذنا المثال السابق نموذجا، لوجدنا أنه بإمكان عاطفة الرحمة أن تصور منح الترقية لرب الأسرة الكبيرة المحدود الدخل والموشك على التقاعد، تصرفا عقليا بحتا، فهذه آخر فرصة للرجل يزيد فيها دخله، الذي سيخسف بعد التقاعد، فهو أكثر حاجة إلى المال من الشاب الخالي من الالتزامات الأسرية، وما زال في مقتبل العمر وأمامه فرص أخرى كثيرة غير هذه. مثل هذه المبررات تبدو كما لو أنها نابعة من العقل ولا علاقة لها بالعاطفة.

هذه الإشكالية يقع فيها كثير من الناس، حين يصدرون أحكاما أو يتخذون قرارات وليدة العاطفة لكنهم يخدعون أنفسهم، وربما غيرهم أيضا، بتغطيتها بمبررات زائفة تجعلها تظهر في العيون كما لو أنها أحكام عقلية بحتة لا أثر فيها لميل ولا هوى!

azman3075@gmail.com