مجموع القوى العاملة بالمملكة يتجاوز الـ 13 مليون فرد، 56% منهم وافدون. (رويترز)
مجموع القوى العاملة بالمملكة يتجاوز الـ 13 مليون فرد، 56% منهم وافدون. (رويترز)
-A +A
فاطمة آل دبيس (الدمام)، محمد الصبحي (جدة)
fatimah_a_d@

mohammedalsobhi@


طفا اعتقاد سائد بسيطرة الوافدين على سوق العمل وانتزاع الفرص الوظيفية من السعوديين على السطح منذ أعوام عدة، ولا يزال الاعتقاد المحلي يترسخ أكثر في مجالس السعوديين ويحتل جانباً مهماً في أحاديثهم اليومية المتعلقة بالشأن العام. ومع ارتفاع وتيرة التذمر مما يسميه العاطلون السعوديون «احتلالاً» لفرص العمل في القطاع الخاص، ينافح رجال أعمال بحجج أن الوافد أكثر إنتاجية وأقل تكلفة من العامل السعودي، الأمر الذي استنكره وتصدى له وزير العمل السابق غازي القصيبي إبان تسلمه الحقيبة الأكثر تعقيداً، وأكد حينها أن الشباب السعودي كانوا آباء للتجار الرافضين لتوظيف السعوديين بحجج واهية، «بنوا امبراطوريات وبدأوا عصاميين». «عكاظ» تفتح ملف بيئة العمل في القطاع الخاص، وتضع الأرقام الرسمية أمام حجج بعض التجار الذين يسوقون إلى أن الوافدين أقل تكلفة من الشباب السعوديين.

وعلمت «عكاظ» من مصادر مطلعة في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن أكثر من 246.4 ألف وافد يتقاضون مرتبات شهرية تتجاوز الـ 10 آلاف ريال، فيما يرى العاطلون أن الرواتب المذكورة كافية لانخراطهم في العمل وتحسين وضعهم المعيشي.

وأظهر مسح قوى العمل للربع الثالث من 2016 (حصلت «عكاظ» على نسخة منه) أن مجموع القوى العاملة (15 عاماً فأكثر) يتجاوز الـ 13 مليون فرد، يمثل الوافدون من الإجمالي نسبة 56% (أكثر من النصف)، فيما بلغ عدد المتعطلين السعوديين 693.7 ألف متعطل يمثلون ما نسبته 12.1% من قوة العمل السعودية من بينهم أكثر من 254 ألفا من الرجال.

أجور 300 ألف وافد

وفيما أفصحت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لـ«عكاظ» أن متوسط الأجر الشهري لغير السعوديين في القطاع الحكومي يصل إلى 8426 ريالا، بلغ عدد من يتقاضون من 5000 آلاف إلى 9000 ريال 335910 وافدين في القطاعين العام والخاص، أمام 312 ألف سعودي.

المدن الذهبية للوافدين

وتشكل الرياض، جدة، الجبيل، المنطقة الشرقية، وينبع أكثر الوجهات المانحة رواتب مغرية للأجانب، حتى أن مكتب التأمينات الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة- جدة يؤكد تفوق العامل الأجنبي على السعودي في الرواتب، إذ تشير الإحصاءات أن متوسط الأجر الشهري للعامل الأجنبي في القطاع الحكومي يتجاوز الـ 16 ألف ريال، فيما لا يتجاوز متوسط الأجر الشهري للسعودي في المنطقة 13 ألف ريال.

الاستغناء عن النصف!

من جهته، أكد عضو مجلس الشورى الدكتور صدقة فاضل لـ«عكاظ» إمكانية الاستغناء عن نصف أعداد الوافدين في المملكة كحد أدنى، مستدلاً بأبحاث أجريت من مختصين أشارت إلى ضرورة قصر الاستقدام في المهن والأعمال التي لا يعمل فيها سعوديون، إضافة إلى الأعمال التي لا يجيدها السعوديون وتحتاج إلى كفاءة فنية عالية.

وأوضح فاضل أن من بين هذه الأعمال التي لا يقبل عليها السعوديون «عمال النظافة»، مشيراً إلى أن الأعمال الإدارية يُفاجأ طالب العمل السعودي بإحلال الأجانب فيها.

واعتبر فاضل أن المملكة «ليست مجبورة لتوفير وظائف لشعوب الدول الأخرى»، مشدداً على ضرورة أن تكون الأولوية للسعودي.

السعوديون أولاً

واستشهد فاضل في مطالبته بـ«دول العالم التي تعطي الأولية لمواطنيها أولاً»، لافتاً إلى أن الأجانب عملوا في جميع المجالات في السعودية كـ«الجامعات، الأعمال الفندقية، الأعمال السياحية، وظائف الاستقبال في الشركات، والإعلام».

واستغرب من توجه 32 جامعة محلية لاستقطاب الكوادر الأكاديمية من الخارج، رغم وجود أكاديميين سعوديين مؤهلين للتدريس، مؤكداً أن برنامج الابتعاث في كل عام يخرج دفعات قادرة على العمل محل الأجنبي، «إلا أنهم لا يجدون وظائف، وتوضع أمامهم عشرات العقبات، في ظل تسابق الأجانب على الوظائف التي يمكن للسعودي أن يعمل فيها».

وتساءل عضو مجلس الشورى عن عدم تمكن السعودي من العمل في أبسط الوظائف في الدول الأجنبية «لماذا يحل للأجانب ما يحرم على السعوديين؟»، مطالباً بسن قانون يفرض على الجهات توظيف السعوديين وإعطاء الأولوية لهم أولاً، مع ضرورة التثقيف والتوعية ببيان المخاطر من عدم توظيف السعوديين.

وانتقد فاضل عدم وجود قوانين لوضع حد أعلى للتحويلات الخارجية، مضيفاً «يجب مراقبة المبالغ التي يحولها الأجنبي والتساؤل دائما من أين أتت كل هذه المبالغ، إذ إن بعض الأجانب يتقاضون راتبا لا يتجاوز 2000 ريال ويعملون في غسل السيارات ويكون المبلغ المحول من قبلهم شهرياً 10 آلاف ريال».

«العمل» فشلت

وأكد فاضل قدرة السعوديين على العمل في ظل زيادة أعداد المتعلمين والكفاءات المحلية، معتبراً أن وزارة العمل لم تنجح في تقديم حلول ووضع حد لتساهل شركات القطاع الخاص في توظيف الوافدين على حساب السعوديين، «يجب أن تدرس الوزارة هذه المعضلة وتعطي حلولاً».

خلل السوق

فيما يرى عضو مجلس الشورى غازي بن زقر في حديثه لـ«عكاظ» أن السوق يعتريها خلل منذ فترة طويلة، موضحاً أن القطاع الخاص اعتمد على العمالة الوافدة من خارج البلاد منذ فترة طويلة، «وأن بعض الوافدين يكونون من دول اقتصادها ضعيف فيكون الراتب الذي يحصل عليه في المملكة له قيمة مالية عالية وإن كان بسيطا، فالعامل الأجنبي غالباً لا توجد لديه التزامات مالية واجتماعية في السعودية».

دمج وزارتين

وطالب بن زقر وزارات؛ العمل والتنمية الاجتماعية، الاقتصاد والتخطيط، والخدمة المدنية أن تعمل على صياغة قانون محدد يعالج الجوانب الموجودة في سوق العمل من جوانب مختلفة، إضافة إلى إعادة النظر في عدد ساعات العمل في القطاع الخاص والرواتب، مضيفاً «وضع خطة شمولية موحدة تتجرد من النظر للعمل كقطاع عام وخاص أمر مهم، أعتقد أن وضع دراسة لدمج وزارتي العمل والتنمية الاجتماعية والخدمة المدنية بات مهما، لتكونا جهة واحدة، ولا بد من النظر لسوق العمل كسوق واحدة».

148 ألف ريال شهرياً.. أكبر راتب لوافد بالمملكة

أكد استطلاع «غلف بيزنس سلاري سيرفاي 2017» الصادر أمس أن الرواتب في بلدان مجلس التعاون الخليجي شهدت نمواً «خافتاً» العام الماضي، بسبب انخفاض الإنفاق الحكومي. ولم يزد نمو رواتب الوافدين الآسيويين والعرب والغربيين في السعودية سوى بنسبة 0.18% من 12986 إلى 13010 دولارات شهرياً. وأظهر الاستطلاع أن أكبر راتب لوافد بالسعودية هو راتب مدير شركة متعددة الجنسيات، إذ تجاوز 148 ألف ريال (39643 دولاراً)، يليه مدير شركة محلية (25457 دولاراً)، ثم مدير بنك (15797 دولاراً). ولا يعتقد مسؤولو التوظيف أن رواتب الأجانب في السعودية ستشهد زيادات تذكر هذا العام.

«تكتلات» للمضايقات.. شهادات متطابقة بتفاصيل مختلفة

رسخت التجربة لعدد كبير من الشبان السعوديين انطباعات سلبية عن بيئة العمل في القطاع الخاص، إذ يواجه الشاب السعودي في أول أيام عمله تكتلات «أجنبية» لمضايقته، بحسب شهادات متطابقة أدلى بها شبان سعوديون عملوا في القطاع الخاص لأعوام قبل أن ينالوا وظائف حكومية.

بدت الخطوط العريضة لمحاولات التضييق على طالبي العمل السعوديين متشابهة، بيد أن التفاصيل تختلف، ورغم التحسن الكبير الذي طرأ على القطاع الخاص بالنسبة لتوظيف السعوديين عبر الأنظمة الأخيرة، إلا أن توجس الموظف الأجنبي لا يزال مستمرا ويتنامى مع قدوم الموظف السعودي والمرجح أن ينافسه على مكانه. لا تبدو الصورة برمتها قاتمة، بيد أن الشاب فيصل الذي عمل في مستشفى خاص لم تشفع له شهادته الجامعية المتخصصة في الموارد البشرية في كسب ثقة مديره (الوافد) الذي يتهمه بـ«التضييق عليه»، وممارسة انتقائية «فاضحة» في المعاملة معه.

وقال فيصل لـ«عكاظ» إن تلك الممارسات دفعته في نهاية المطاف إلى الاستقالة وترك الوظيفة «رغم عدم وجود خيار وظيفي آخر»، معتبراً الأعوام الثلاثة التي قضاها في المستشفى بـ«المتعبة نفسياً» كونه يعتقد أنه تعرض للظلم وعدم تقدير عمله. من جهته، انتقد الخبير الاقتصادي الدكتور حبيب الله التركستاني عزوف أرباب العمل السعوديين عن توظيف الشباب برواتب معقولة، «هم يجهلون أن منح السعوديين رواتب عالية ينعكس إيجاباً على اقتصاد بلدهم، عكس الوافدين تماماً». وأوضح أن الوافد عادة سيذهب راتبه في التحويلات الخارجية لأسرته، بينما راتب السعودي سيدور داخلياً في الاقتصاد المحلي، مضيفاً: «نظرة السعودي للعمل اختلفت خلال الأعوام الـ10 الماضية، ففي السابق كان السعودي بعد تخرجه من الجامعة يبحث عن العمل بشكل مباشر إلا أنه في الوقت الحالي أصبح يبحث عن المهارات واللغة الإنجليزية قبل بحثه عن العمل، وذلك لأمرين؛ هي تفادي حجج أرباب الأعمال، والبحث عن إثراء النفس وكسب مهارات جديدة بدلا من الدراسة التقليدية».