-A +A
عبدالله محمد الفوزان
في أجواء العولمة والفضائيات والانترنت والإرهاب والألعاب الكمبيوترية وانتشار المخدرات والمسكرات وجرائم القتل والسرقة والشذوذ لم تعد الأساليب التربوية القديمة تجدي نفعا لصناعة المواطن الصالح، بل لابد من وعي جديد بالمخاطر التي تتهدد أجيالنا المعاصرة وتضعهم في مهب الريح ذات اليمين تارة وذات الشمال تارة أخرى. فعوامل الفساد والإفساد والانحطاط الأخلاقي والسلوكي تحيط بهم من كل جانب، كما أن عوامل التطرف والانغلاق والتشدد تجذبهم وتغريهم للانخراط في جماعات العنف والإرهاب. أساليب التربية القائمة على اللامبالاة والإهمال والسخرية والإكراه والضرب والتدليل الزائد والقسوة والعنف وتسفيه الآراء والسب والشتم والحرمان التي كانت سائدة في مرحلة المجتمع البسيط والمنغلق على ذاته، يمكن أن تكون اليوم سببا في العديد من المشاكل التي يقع فيها كثير من شبابنا وشاباتنا. فهذه الأساليب التربوية القمعية تارة وغير المبالية تارة أخرى لا يتولد عنها سوى ويلات ومصائب يقع فيها الأبناء والبنات وتهدد كينونة المجتمع ومنظومته القيمية وتفسح المجال أمام انحرافات فكرية وسلوكية وأخلاقية لا حصر لها. وما جرائم القتل والعنف والتدمير والسرقة وتعاطي المسكرات والمخدرات والهروب من المنزل وممارسة الشذوذ الجنسي والاستهتار بالأنظمة والقوانين والانخراط في الجماعات الإرهابية إلا نواتج منطقية لأساليب تربوية سيئة يعيشها أولادنا وبناتنا في أغلب البيوت.
الوضع الراهن وما ينطوي عليه من مخاطر فكرية وسلوكية على الأبناء والبنات يتطلب من الآباء والأمهات وعيا جديدا بالعملية التربوية يقوم في الأساس على توفير أجواء الحب والعطف والحنان والاحترام بين الوالدين من جهة وبينهم وبين أبنائهم وبناتهم من جهة أخرى. فكثير من الأبناء والبنات المنحرفين أو المعرضين للانحراف أو من يعانون من أمراض نفسية مختلفة يشكون من الجفاف العاطفي والفجوة العاطفية بينهم وبين آبائهم وأمهاتهم، فلا أحد يحترمهم ويحتضنهم ويستمع لهمومهم ولا أحد يمنحهم الحب والحنان والكلمة الطيبة واللمسة الحانية. لا أحد يتحاور معهم ولا أحد يتعاطف معهم أو أنهم يجدون أنفسهم في بيئة أسرية قوامها الخلاف والشقاق والتناحر والجفاء بين الوالدين أو أنها مشبعة بكل ألوان القمع والقسوة والسخرية والإزدراء والإهمال واللامبالاة وعدم الحوار بين الوالدين والأبناء والبنات. وفي هكذا أوضاع تتشكل لدى الأبناء والبنات ميول انحرافية بحثا عمن يساعدهم في تحقيق ذواتهم ورغبة في من يشبعهم عاطفيا ويستمع لهمومهم وطموحاتهم وآرائهم.

اليقظة والإحساس بالمسؤولية والقلب المفتوح من أهم شروط نجاح التربية الأسرية للأبناء والبنات في الوقت الراهن، فإحساس الأبناء والبنات بالحب يحميهم من أى انفعال عاطفى طائش ربما يعرضهم للهلاك. كما أن الأبناء والبنات يتبعون خطوات الآباء والأمهات وملامح سلوكهم فهم المثل والقدوة بالنسبة لهم يتبعون الخطوط الظاهرة والواضحة ويقلدون التصرفات والصفات الضمنية التى تحملها كلماتهم ومعاملاتهم ويؤثر ذلك تأثيراً مباشراً على حياة الأبناء والبنات ويحدد أساليب سلوكهم.
التربية الأسرية الصحيحة تبدأ منذ الطفولة، فخبرات الطفولة تترك أثرها على شخصية الفرد في مراحله العمرية اللاحقة إما سلبا أو إيجاباً، بل إن ما يتعرض له الإنسان في طفولته يشكل ملامح شخصيته طوال حياته، ومن هنا يأتي التأكيد على أهمية التربية السوية للطفل حتى نضمن إلى حد كبير نموه الطبيعي وتوازن شخصيته واستقرارها.
لقد أثبتت الدراسات التربوية أن الانتقاد الدائم للأبناء يولد لديهم عدم الثقة بالنفس، وأن العدوانية تولد لديهم العنف، وأن السخرية تعلمهم الخجل، وأن التحقير الدائم يولد لديهم احتقار الذات والاحساس بالذنب، أما التشجيع فيعلمهم الثقة بالنفس، والمدح يعلمهم الرضا واحترام الذات، والحب يعلمهم البذل والعطاء واحترام الآخرين.
عموما نحن أحوج ما نكون اليوم إلى الاستثمار في أبنائنا وبناتنا وتعويد أنفسنا وتوطينها كآباء وأمهات على الصبر على أسئلتهم وعدم الانزعاج منها والاجابة عليها بكل مصداقية وفتح قنوات الحوار والتواصل معهم دون خوف أو وجل والثناء عليهم وعدم تحقيرهم، بل إننا مطالبون بمداعبتهم وملاطفتهم واحتضانهم وتشجيعهم وتحميلهم بعض المسؤوليات وإشراكهم في اتخاذ القرارات العائلية... هكذا نضمن بإذن الله استقرار وتوازن شخصيات أبنائنا وبناتنا في عالم أصبح مخيفا في كل شيء...
هذا وللجميع أطيب تحياتي.
Dr_Fauzan_99@hotmail.com