-A +A
صدقة يحيى فاضل
نواصل حوارنا المتخيل مع «الغرب المتنفذ». أعددنا سبعة أسئلة رئيسية، وجهنا اثنين منها لهذا الغرب، في المقال السابق، فأجاب مشكورا على السؤال الأول موضحا ماهية هذا الغرب. كما أجاب على معظم السؤال الثاني، الذى كان نصه: لماذا تهتمون بالمنطقة العربية أكثر من اهتمامكم بمعظم مناطق العالم الأخرى؟

واختتم الغرب المتنفذ إجابته على السؤال الثاني، مذكرا إيانا بـ«طبيعة» العلاقات الدولية، حيث إن «قانون الغاب» ما زال يسري على هذه العلاقات، وإن خفت حدته في هذا العصر، بسبب «تنامي» «الشرعية الدولية». وفيما يتعلق بـ«نفوذ» القوى الدولية الأكبر، قال: إن مسألة «النفوذ» هذه تحتاج لبعض التوضيح. ومعظم دول العالم تتعرض لنفوذ الدول الكبرى والعظمى.. أي لقدر من السيطرة، والتبعية، وعدم الاستقلال الفعلي. وهناك، في الواقع، أربع درجات للنفوذ، أوجزها أحد أكاديميينا كالتالي:


- الخضوع التام: حيث يصادر الأقوى إرادة الأضعف تماما، ويملي على الأخير سياساته الخارجية والداخلية الهامة.

- التبعية: حيث تصبح المستعمرة تابعة في سياساتها كلها للمستعمر، رغم استقلالها القانوني الظاهر.

- الحماية: ضد أخطار معينة أو محتملة، مقابل تنازلات معينة ومحدودة، ودون التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأضعف.

- تحالف الأنداد: لخدمة مصالح مشتركة، مع تساوٍ نسبي في الحقوق والواجبات فيما بين أطراف التحالف.

* ومضى هذا الغرب قائلا: لكى نستمر كدول كبرى وعظمى، لا بد لنا من «مد» نفوذنا على أكبر قدر ممكن من البسيطة، وخاصة المناطق الهامة، وتلك التي يمكن أن يتطلب تنافسنا مع أعدائنا ومنافسينا بسط شيء من الهيمنة عليها. وأنتم، أيها العرب، لو كانت لديكم دولة كبرى لعملت الشيء نفسه، طالما هي تريد الاستمرار والازدهار. ذلك هو ديدن العلاقات الدولية.

* هنا طالب الصحفي التعقيب، ومن ثم توجيه السؤال الثالث، فقال: كثير مما ذكرتم في جوابكم على السؤال الثاني مردود عليه. هناك أمور في سياساتكم، خاصة نحونا، لا يمكن قبولها من قبل المعنيين، بمن فيهم غالبية شعوبكم. وأنتم الذين تكرسون «غابية» العلاقات الدولية، وتعملون على استمرار قانون الغاب فيها، لأنكم الأقوياء. كان بإمكانكم أن تخففوا -كثيرا- من حدة قانون الغاب هذا، بما لكم من سطوة دولية نافذة.. لإقامة عالم أفضل، وأكثر إنصافا ورحمة. ولكن سوء كثير من أهدافكم ووسائلكم جعلت عالمنا مضطربا ويعيش على «كف عفريت»، وخلقت الكثير من المآسي والكوارث الإنسانية، ومشاكل وأزمات لا حصر لها، خاصة في منطقتنا، التي تحظى منكم -مع الأسف- باهتمام مسعور.. ونحن لو كانت لدينا دولة كبرى، فلن نحسبها محترمة إن لم تلتزم بمبدأ العدالة، ولو في حده الأدنى.

****

* ودعونا الآن نطرح السؤال الثالث وهو: أنكم تقسون على العرب، وتضغطون عليهم أكثر من غيرهم، وتترصدون بهم، وأحيانا تأخذونهم بجريرة قلة قليلة فيهم، وتكنون لهم العداء والكره. ماذا تريدون من العالمين العربي والإسلامي؟ ولماذا يخشى غربكم الإسلام؟!

وقد ارتأى الصحفي هنا دمج سؤاله الرابع، الذى نصه: لماذا يخشى غربكم الإسلام؟ مع السؤال الثالث، لارتباط وتداخل موضوعي بين السؤالين. وفيما يلي ملخص لإجابة الغرب على هذين الاستفسارين: هناك مسببان رئيسيان لما الأمة العربية (منطقتكم) فيه من ضعف وتخلف واضطراب، هما:

أ - المسبب الذاتي (الداخلي): ويتجسد في أربعة أسباب رئيسية (الاستبداد السياسي، الطائفية، المذهبية، الإسلاموية) وعدة أسباب متفرعة.

ب - المسبب الخارجي (الأجنبي): ويتجلى أساساً في: حركة «الاستعمار الجديد» وما يوضع وينفذ من خطط مدمرة، تجاه أمتكم، بالتحالف مع الحركة الصهيونية. إضافة إلى سياسات «مد ودعم النفوذ» التي نمارسها نحن بالمنطقة.

****

نعم، هناك «خطة» غربية كبرى، أو سياسة سلبية غربية قديمة ــ جديدة، تجاه العالمين العربي والإسلامي -باعتبارهما من العالم النامي الجنوبي، وحسابهما على دين.. معاد للغرب وقيمه- كما نعتقد نحن في الغرب. هذه السياسة عبارة عن: «أهداف» نسعى لتحقيقها في معظم الوطن العربي، و«وسائل» لتحقيق هذه الأهداف.

غالبيتنا تعتبر «الإسلام»، الآن، تهديدا كبيرا لديننا (المسيحي) بل ولكل قيمنا الأساسية. وقد قدم المتطرفون «الإسلامويون» لنا «ذرائع».. لشن حروبنا المعروفة، وآخرها ما نسميه بـ«الحرب على الإرهاب».. وبالمنطقة العربية إمكانات وموارد، يسيل لها اللعاب، وأولها: الثروة النفطية الهائلة. وتتلخص أهدافنا في: محاولة استغلال المنطقة العربية، وإخضاعها لنفوذنا الدائم. وعبر وسيلة «الهيمنة السياسية»، والتمزيق والإضعاف، يتم هذا الاستغلال، ويتم ضمان بقاء ورفاه إسرائيل، وتسيير الأمور في المنطقة على النحو الذي يذلل إمكاناتها لنا..

ولكن المسبب الذاتي يظل هو الأقوى تأثيرا. والمسببان مترابطان، ومتداخلان، أشد التداخل. وهذه العلاقة الوثيقة تؤكد بأنه: لولا «المسبب الذاتي» ما وجد واستشرى «المسبب الخارجي».. ولولا «المسبب الخارجي «ما كان» «المسبب الذاتي» مستتباً ومتمكناً بالقوة التي هو عليها.. ولهذا الحديث تتمة.