-A +A
كاظم الشبيب
لا أريد من العنوان جلب التعاطف مع العراق, وإن كان يستحق ذلك. ولا أريد منه استجداء الشفقة لبلاد الرافدين. إنما هي محاولة للتأكيد على مأساوية الوضع هناك! أي تأكيد المؤكد! لأنه, دون مبالغة أو مزايدة, أن نخبة بلاد الحضارات تحتضر! نعم هناك تطور ملحوظ على الصعيد الأمني, لكنه لا يخفي نتائج ما آلت إليه أوضاع السنوات الأخيرة. قد يتساءل البعض: هل يُعقل هذا الأمر؟ أم أن أرواحنا أمست غارقة في اليأس مما يحيط بها من هزائم متتالية وتخلف متنوع وصراعات دائمة؟ وبالتالي تنطلق الأحكام السوداوية من هنا وهناك... ولكن لندع الحقائق تُعبر عن نفسها بنفسها.
بداية, من هم النخبة؟ وأين يتواجدون؟ وما هي أهميتهم؟...هم خلاصة المجتمع في كل عصر. هم النتاج الطبيعي للمجتمع الفاعل والدولة الفاعلة والمؤسسة الفاعلة. هم النبع الذي يزود الأمة بالفكر المبدع والمبادرات الخلاقة والتحولات الايجابية. هم المولدات التي تنتج الطاقة المُحركة للمفاصل العضلية لأي بلد. هم جزء أساسي ومحرك لنشاط المجتمع وحيويته. ربما يكونون في قمة هرم الدولة, أو في الإدارات الدنيا والوسطى, وقد يكونون مجرد موظفين لا يمكن الاستغناء عنهم. هم العلماء والساسة والاقتصاديون والمثقفون والإعلاميون والكتاب والشعراء والباحثون... ويتبين من جل ذلك أهمية النخبة للمجتمعات...

تتعرض النخبة العراقية لخطر شديد يتمثل في استهدافهم المستمر منذ انتشار الفوضى في البلاد عام 2003, القتل والاغتيال, التهديد, الاختطاف, الهجرة... فمن الإعلاميين فقط ومنذ شهر 3/2003 حتى شهر 5/2007 بلغ عدد القتلى 267 إعلامياً. ويُفيد «دليل العراق» الذي صنفه معهد بروكينغز في واشنطن(ابريل 2007) أن أكثر من 40% من العراقيين الاختصاصيين هجروا البلاد منذ 2003. وقدرت وزارة الصحة العراقية في عام 2007 أن 25 في المئة من 18.000طبيب عراقي غادروا البلاد منذ الغزو الأمريكي في عام 2003. ويقدر أن عدد الأطباء المخطوفين منذ 2003 بلغ 250 طبيباً. أما تقرير صحيفة «الإندبندت» في 19/1/2007 فقد ذكر بأن 50% من الأطباء العراقيين تركوا العمل, إما نتيجة استهدافهم بشكل متعمد وقتلهم, أو وفاتهم نتيجة العمليات العسكرية, أو هروبهم نتيجة أعمال التهجير أو التهديد.
وأفاد تقرير لرابطة المحامين العراقيين أن 210 محامين وقضاة على الأقل تعرضوا للقتل. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية غادر مئات المحامين البلاد بسبب التهديدات. فإذا كانت النخبة السياسية, العاملة أو الحاكمة اليوم, تجد الحماية لنفسها في العراق بالفعل أو بالتمكن, فكيف ومن يحمي باقي النخب العراقية؟ فالحماية ينبغي توفرها للنخبة الحاكمة والنخب الأخرى أيضاً, سواءً كانت نخبة فعلية أو نخبة محتملة, لأن استنزافها, من أي نوع كانت, يعني استنزاف العقول البشرية, ومن ثم سيؤدي إلى نقص الخدمات العامة المباشرة, كالصحة والتمريض, أو غير المباشرة كالمحاماة والتخطيط.
خسارة النخبة تعني سقوط الأمة, لأنهم وجهها الذي يرمز إليها ويدل عليها. ويُعرفُ السياسيون النخبة بــ«مجموعة أو فئة قليلة من الناس يحتلون مركزاً سياسياً أو اجتماعياً مرموقاً»... ومجموعة تفوقت أو اكتسبت شهرة في مجال معين. وتجمع هذه الفئة الكفاءات في مجال تخصصها, وقد تكون النخبة حاكمة أو محكومة. والمصطلح تعبير عن الامتياز والتفوق وقيمة قيادية في مؤسسة أو في المجتمع.
وإذا ما أخذنا النتيجة التي توصلت إليها «جيسيكا ت. ماثيوز» رئيسة مؤسسة كارنيغي لأبحاث السلام, التي تفيد بأن الحروب الأهلية التي وقعت بعد سنة 1945 دامت عشر سنوات في المتوسط , واستمر نصفها أكثر من عشر سنوات...فإنه يعني بأن العراق سيبقى محتضراً حتى تنقضي عشر سنوات حتى تبدأ الحياة فيه من جديد؟ وهل يدرك العرب والمسلمون نتائج ذلك؟
ص.ب 2421 الدمام 31451
kshabib@hotmail.com