-A +A
صدقة يحيى فاضل
أسعدتنا يا فخامة الرئيس دونالد ترمب، عندما فاجأتنا وفاجأت العالم (يوم 28/ 4/ 2017م) بإطلاق تصريحك التاريخي، الذي قلت فيه: «أفتخر بأن أنقل لكم هذا الإعلان التاريخي والعظيم، وهو أن زيارتي الخارجية الأولى، كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، ستكون للسعودية، ثم إسرائيل، وبعد ذلك روما».

وستكون الزيارة الأولى تاريخيا لرئيس أمريكي إلى دولة عربية أو إسلامية، في أول زيارة خارجية له. وكانت الزيارات الخارجية الأولى لرؤساء أمريكا السابقين لترمب، لكل من: كندا، المكسيك، هندوراس، بنما، بريطانيا، بلجيكا، وغيرها من الدول الأوربية الحليفة.


هذا يعطي أهمية كبرى لهذه الزيارة، ولبلادنا ولأمتنا العربية والإسلامية قاطبة، ولما سيتمخض عن هذه الزيارة من قرارات وسياسات... إذ ستعقد خلال هذه الزيارة قمم ثلاث، ذات أهمية سياسية مفصلية خاصة للمنطقة العربية، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها. ويتوقع أن تتمخض هذه القمم عن قرارات وسياسات جديدة... ستصبغ مستقبل المنطقة بصبغة، يؤمل أن تحمل الأمن والسلام والازدهار.

القمة الأولى ستكون ثنائية، بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس ترمب. وبالطبع، فإن هذه القمة ستركز على مواضيع العلاقات الثنائية السعودية – الأمريكية، ثم الرؤى تجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك. سيتم دعم العلاقات الثنائية، والتأكيد على تنميتها وخاصة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. أما بالنسبة للقضايا ذات الاهتمام المشترك، فإن أهمها الآن هي: السياسات التوسعية الإيرانية، مكافحة الإرهاب، قضية فلسطين والصراع العربي – الإسرائيلي، الملف النووي بالمنطقة، الأوضاع السياسية المضطربة في كل من: سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، وغيرها. وكل هذه القضايا الساخنة تهم المملكة جدا، لأنها تمس أمن وسلام المنطقة ككل. وهذه القضايا تهم أيضا أمريكا ربما بنفس الدرجة، باعتبار أن أمريكا دولة عظمى، لها مصالح حيوية في هذه المنطقة، ولها سياسات كونية تعتبر المنطقة العربية بالغة الأهمية الإستراتيجية. واتخاذ سياسات ومواقف سعودية – أمريكية موحدة وقوية تجاه كل من هذه القضايا، يدعم هذه المواقف، ويجعلها أكثر فاعلية وتأثيرا في خدمة المصالح المشتركة للطرفين.

***

أما القمة الثانية، فستكون خليجية – أمريكية... حيث سيحضر الرئيس ترمب القمة التشاورية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تعقد بين القمتين الخليجيتين السابقة واللاحقة، في منتصف كل عام. وستركز هذه القمة أيضا على العلاقات الثنائية الخليجية – الأمريكية وما يتعلق بها من مسائل وشؤون، ثم القضايا ذات الاهتمام المشترك... ومعظمها قضايا المنطقة الساخنة المذكورة آنفا.

ثم تعقد القمة الثالثة، وهي القمة الإسلامية – الأمريكية. حيث يحضرها الرئيس الأمريكي من جانب، وبعض قادة دول العالم الإسلامي التي تشارك في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، من الجانب الآخر. ويبدو أن هذه القمة الثالثة ستركز على ضرورة نبذ التطرف والتأكيد على الوسطية والاعتدال.

ونعتقد أن أهداف السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ثابتة أو شبه ثابتة، ولا نتوقع منكم، فخامة الرئيس، تغييرها جذريا، وإن كنا نأمل مراجعتها، لتصبح أكثر فاعلية في تحقيق المصالح المشتركة بين أمريكا من ناحية وشعوب هذه البلاد العربية والإسلامية من الناحية الأخرى. هذه القمم تسعى، مجتمعة، لإقامة تحالف عربي – إسلامي – أمريكي ضد التطرف والإرهاب والاضطراب.

***

ونؤكد لكم أن الشعوب العربية والإسلامية تحمل لبلادكم العظيمة تقديرا كبيرا، وتعتبر شعبكم من أرقى الشعوب، وتثمن إنجازاته، وحضارته. وتثمن صداقة أمريكا، وتتطلع لتطويرها. كما تتمنى أن تراجع هذه السياسات، وتنقى مما يشوبها من شوائب اتسمت بها طوال العقود الماضية. نعم، تتطلع هذه الشعوب، يا فخامة الرئيس، لمبادراتكم الحكيمة والجريئة... التي ستصحح مسار هذه السياسات، وتعظم من فوائدها لكل المعنيين، وفي مقدمتهم دولتكم العظمى. نظن أن هذه الشعوب تتطلع الآن إليكم... راجية عدة أمور، لعل أهمها:

1 – ضرورة أن تعكس هذه السياسات تطلعات ومصالح غالبية الشعب الأمريكي، في بلد يعد أكبر قلاع الديموقراطية، ولا تعكس مصالح (ضيقة) لجماعات ضغط أمريكية محدودة، ثم تحسب هذه السياسات على الشعب الأمريكي. ضرورة جعل هذه السياسات تخدم مصالح غالبية شعوب الطرفين.

2 – ليتكم تؤكدون على بعض المسؤولين الأمريكيين بضرورة استبعاد مبدأ «المعايير المزدوجة» في السعي لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية بالمنطقة، وتوخي الحد الأدنى من العدالة الدولية عند التعامل مع القضايا العربية والإسلامية.

3 – يجب أن تحظى مبادرة السلام السعودية، التي أصبحت في ما بعد مبادرة السلام العربية، بتأييد أمريكي قوي. ولا شك أن عدم حل المشكلة الفلسطينية حلا عادلا يتسبب في إذكاء الاضطراب، والإرهاب، وعدم الاستقرار بالمنطقة، مما يؤثر بالسلب على الأمن القومي العربي والعالمي. والآمال العربية والإسلامية معقودة الآن عليكم، لاتخاذ خطوات شجاعة لحل هذا الصراع حلا عادلا ومقبولا.

4 – ثقوا، يا فخامة الرئيس، أن الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين تقف بقوة ضد الإرهاب، وتسعى لسيادة الوسطية والاعتدال، كما يحضها دينها الصحيح عليه. وهذه الغالبية بحاجة لدعمكم ومؤازرتكم... وهي تمد الآن يدها للتعاون الوثيق معكم، في كل ما يخدم المصالح المشتركة العربية الإسلامية – الأمريكية.

وباختصار، فإن أهم ما يريده العرب والمسلمون الآن منكم، ومن بلادكم العظيمة، يمكن تلخيصه في التالي:

1 – المساهمة في الحفاظ على وحدة وسلامة البلاد العربية، وحمايتها من التقسيم والتجزئة.

2 – العمل بجد على مكافحة الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله، والحرص على استتباب الأمن والسلام والاستقرار الحقيقي بالمنطقة.

3 – حل الصراع العربي الصهيوني حلا عادلا، يضمن تحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المظلوم.

4 – المساعدة في إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط، ونزع هذا السلاح من كل دول المنطقة.

والعرب والمسلمون يمدون الآن أيديهم للتعاون معكم لتحقيق الأهداف الجميلة التي تجمع في ما بين الجانبين.

وختاما، نرحب بكم فخامة الرئيس دونالد ترمب، ونقول: أهلا وسهلا... متطلعين لبدء مرحلة جديدة في هذه المنطقة الجريحة، أساسها العدل والأمن والسلام والاستقرار، والكرامة لكل أهلها.