-A +A
سمير عابد شيخ
خلال العام الذي ولّى بصحائف أعمالنـا، شاهدت مقابلة تلفزيونية مع مدير معهد أبحاث السلام في «ستوكهولم». يتمتع الرجل بسيرة ذاتية عامرة بالانجازات اضافة الى شهادتي دكتوراه ميزتاه عن أقرانه! أخذ الرجل يستحضر كيف أنّه تنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي قبل حدوثه بسنين، ثم عقّب بأنّه كذلك يتنبأ بنفس المصير للولايات المتحدة خلال سنين أخرى. ومن البديهي أن تحقق نبوءته الأولى لا يعني بالضرورة تحقق الثانية، ولكن صدور كتاب جديد ارتقى الى مرتبة «أكثر الكتب مبيعا» لدى جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أعاد الى ذاكرتي نبوءات مدير المركز ذاك!
هذا الكتاب يحمل عنوانا مثيرا وهو «نهاية أمريكا»، هو بقلم العالمة الاجتماعية الأمريكية «نومي وولف». تقول الكاتبة بأن الدافع الأكبر وراء تأليف هذا الكتاب هو صداقتها لابنة احدى ضحايا المحرقة النّازية. ففي كل مرّة كانت ادارة «بوش» تصدر قانونا يحاصر الحريات المدنية، كانت صديقتها تقول بأن ذلك ما كان يحصل في ألمانيا النازية. وبدافع البحث العلمي، قامت الكاتبة بدراسة الأوضاع السياسية التي سبقت وصاحبت «الانظمة القهرية» في العالم. فوجدت خيوطا مشتركة في كل من ايطاليا في العشرينات، وروسيا في الثلاثينات، وألمانيا الشرقية، وتشيكوزلوفاكيا، وتشيلي، والصين! خلصت الكاتبة الى أنّ هناك عشر خطوات مشتركة انتهجتها الزعامات المتسلّطة الظالمة أدّت الى انهيار مجتمعاتهم. تلك الخطوات هي أشبه ما تكون بخارطة طريق لأولئك القادة الذين أساؤوا الى العالم ودمّروا أوطانهم. وتضيف دون تلميح أومواربة بأنّ الرئيس الأمريكي «جورج بوش» قد بدا بالفعل بتنفيذ بعض هذه الخطوات. ولمحدودية المقال والمجال سآتي على ذكر أبرزها. لعلّ من أبرز الخطوات استغلال وجود أعداء للسلطة وتضخيم خطرهم واعطائهم احجاما أسطورية تفوق احجامهم الحقيقية. وتضرب الكاتبة مثلا بالزعيم الروسي البغيض «ستالين» الذي طوّر مفهوم «الخلايا النائمة»، حيث أوهم المواطنين بأنها ستنتهز أوّل فرصة لمباغتة الوطن وتدمير المجتمع. وهذا بالضبط ما يروّجه «بوش» اليوم لاستباحة الحريات المدنية للمواطن الأمريكي.

وعقّبت الكاتبة بأنّه حتى العبارات والجمل التي كان يستخدمها متسلطو التاريخ تبنتها ادارة «بوش» اليوم. فادارة «الأمن القومي» التي استحدثها الرئيس الأمريكي الحالي، ما هي الاّ تجسيد لادارة «هلمات» التي أنشأها «هتلر». كما أنّ ذلك المعتوه الألماني هو الذي استحدث مبدأ «زرع» (embedding) الصحفيين في «بولندا»، وهذا بالضبط ما يفعله «بوش» في العراق اليوم. وهذه العبارة تعني ادراج الصحفيين ضمن «كتائب» الجيش ليصبحوا جزءا من العملية العسكرية يتعاطفون معها حتى وان كانت جائرة وظالمة.
ثم تذكر الكاتبة تفاصيل عن خطوات الاحتجاز التعسفي للمواطنين، والحـجر على حرية الصحافة، وتبديل القوانين بأخرى تخدم أهداف ادارة «بوش». وتستطرد الكاتبة بأن الفاشي الايطالي «موسوليني» هو الذي طوّر أنظمة السجون السّرية. وهذا ما يفعله بوش اليوم في ما يسمّى «المواقع السوداء»، وهي السجون التي أنشأها بوش خارج الولايات المتحدة. كما أسـس «موسوليني» شبكة التجسس الوطنية لمراقبة المواطنين، وفعلت ألمانيا الشرقية ذلك بانشاء جهاز التجسس الداخلي الملقّب «ستاسي».
ولقد انتهج بوش أثرهم باستحداث قائمة بأسماء المواطنين الذين يضعهم تحت المراقبة (watch list). بلغ عدد هؤلاء المراقبين، حسب ما ورد بالكتاب، نحو سبعمائة وسبعة وخمسين ألف مواطن. جدير بالذكر أنّ هذه القائمة ليست محصورة في العرب أو المسلمين، بل تشمل معارضين ومفكرين واعلاميين، بل وسياسيين مخضرمين مثل «تيد كينيدي» عضو الكونغرس وأخو الرئيس جون كنيدي الشهير. هذا ما يفعله جورج بوش بوطنه ومواطنيه فمابالكم بأوطان الآخرين ومواطنيهم!
Samirabid@yahoo.com