-A +A
صدقة يحي فاضل
انفض سامر مؤتمر اليوم الواحد، وأعني به «مؤتمر انابوليس» لتسوية الصراع العربي– الاسرائيلى.... ذلك الجمع الذي يعتبر بكل مزاياه (وهى قليلة جدا) وعيوبه (وهى عديدة) مجرد «جزئية» بسيطة، في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلى، الذي تعود جذوره الأولى لماض بعيد، وجذور الصدام المباشر فيه لستة عقود خلت. وانتهى هذا «الكرنفال» الامريكى بـ «إعطاء إشارة بدء المفاوضات»، بين الفلسطينيين وإسرائيل، عبر لجان ست، تتناول مواضيع: الحدود، اللاجئين، القدس، المستوطنات، الأمن، المياه. و «المفاوضات» مع الفلسطينيين تعني، في العرف الاسرائيلى: التفاوض لما لانهاية..... مع تكريس ما تريده إسرائيل، ومحاولة فرضه كـ «أمر واقع»...؟! فـ«اللاءات» الإسرائيلية التقليدية تأكدت من جديد، وواصلت إسرائيل قتل وتشريد ومضايقة الفلسطينيين، والتوسع في بناء المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية، واستمرت في إحكام قبضتها القمعية على «سجن غزة الكبير»... الخ، من الأفعال الإسرائيلية اليومية المعتادة. بينما تكررت «الرجاءات» العربية، بشيء من الإلحاح والتوسل، رغم كون العرب أصحاب حق مشروع راسخ، بكل المقاييس والأعراف الإنسانية (عدا مقاييس الصهيونية، وداعميها). وبانفضاض «انابوليس» يكون هذا النزاع (أو العدوان الصهيوني– عند تحري الدقة في الألفاظ) قد وصل إلى منحى محدد ومعين، بعد كل هذه التطورات الطويلة، الدموية والمدمرة. ففي هذا المؤتمر تبلور موقفي طرفي هذا الصراع، في هذه المرحلة من تاريخه، واتضحت (بدقة اكبر) هذه المواقف.... التي يمكن حصرها في: ما يريده كل طرف.... مقابل إنهاء هذا النزاع، عند هذا المنحى منه. فماذا تريد إسرائيل، وماذا يريد غالبية العرب – بمن فيهم غالبية الفلسطينيين ؟!
يمكن تلخيص أهم ما تريده غالبية الإسرائيليين الآن، في النقاط التالية: 1 – التطبيع الكامل للعلاقات مع كل الدول العربية، 2- إبرام معاهدة أمنية.... لضمان ما يسمى بـ«الأمن الاسرائيلي». ويترتب على ذلك: أن تقف الدول العربية مع إسرائيل ضد ما تعتبره الأخيرة تهديداً لأمنها.... ولو كان طرفا عربيا ومسلما، 3– اعتراف العرب بـ«يهودية» الدولة الإسرائيلية.... وما يترتب على ذلك من احتمال «ترحيل» الفلسطينيين الذين يقيمون الآن ضمن ما يسمى بـ«إسرائيل».، 4– الاعتراف بكون «القدس الموحدة» عاصمة أبدية لإسرائيل.، 5– عدم الانسحاب من جزء كبير من الاراضى التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، 6– عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أي جزء مما يسمى بـ«إسرائيل»، 7– إلغاء فكرة القومية العربية، واستبدال «جامعة الدول العربية» بـفكرة «الشرق أوسطية»...

* مقابل كل ذلك، وبعد الالتزام بتقديمه، قد تتكرم علينا إسرائيل بما يلي:
1- السماح بإقامة دولة فلسطينية، مقطعة الأوصال، ومنقوصة السيادة، 2- الإفراج عن بعض المعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية (مجموع ما تعتقلهم إسرائيل الآن يزيد على أحد عشر ألف شخص، بمن فيهم نسبة من النساء والأطفال).
وبالطبع، لن تقبل الشعوب العربية بهذه الاملاءات الصهيونية، تماما كما رفضت الشعوب الأفريقية قبول نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. والعرب وصل بهم التسامح والتنازل حدا جعلهم يعلنون قبولهم بشيء فقط من حقوقهم السليبة، مقابل السلام مع الكيان الصهيوني. وذلك الحد هو أقصى ما يمكنهم التنازل عنه. ومن المؤكد أن العرب لن يقبلوا المطالب الإسرائيلية 2–7 التي ترفضها بشدة الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية، باعتبارها إملاءات.... تكرس العدوان الصهيوني، وتضع الأمن القومي العربي تحت رحمة إسرائيل. فمعروف أن إسرائيل ستتفرغ، بعد تلبية مطالبها السبعة المذكورة، للمرحلة التالية من المخطط الصهيوني، وهى: إطباق الهيمنة التامة على المنطقة.
وقد أوضح العرب موقفهم في ما يعرف بـ «مبادرة السلام العربية» التي صدرت عن مؤتمر القمة العربية، المنعقدة في بيروت عام 2002م، والتى تتلخص في: استعداد الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مقابل: 1- انسحاب إسرائيل من كل الاراضى العربية التي احتلتها سنة 1967م، 2- قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، على كل الاراضى الفلسطينية التي استولت إسرائيل عليها عام 1967م، 3- السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها، بفعل الغزو الصهيوني.
وكامل بنود هذه المبادرة تقوم على: قرارات الشرعية الدولية (الأمم المتحدة) بشان مأساة فلسطين، وفى مقدمة هذه القرارات: قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947م، وقرار حق العودة للاجئين رقم 194 لسنة 1948م، ثم القراران 242 (لعام 1967م) و338 (لعام 1973م). وكل هذه القرارات تطالب إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967م، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة، وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم. وكل هذه «الحقوق» لا تذكر أمام ما ستأخذه إسرائيل، كـ «حق».
وبتحليل سريع للموقفين، نرى: أن «متطلبات» السلام المعقول (والبعض يسميه «العادل والشامل») التي أقرتها الشرعية الدولية هي ذاتها «متطلبات» السلام العربية. وإسرائيل تعلن رفضها التام لهذه المتطلبات، ولا تكف عن عمل نقيضها. والمفترض أن: يبادر المجتمع الدولي، وبخاصة القوى المتنفذة فيه (إن هو فعلا يريد السلام) للضغط على الكيان الصهيوني المارق، لإنفاذ متطلبات السلام.
أما وان القوى الدولية المتنفذة، وبالذات الولايات المتحدة، لا تريد الضغط على إسرائيل، فان هذا يتيح للصهاينة الإصرار على موقفهم العدواني، بل والتمادي فيه... على أمل أن يتحقق لهم، في النهاية، ما يريدون! وما يريدون هو: تحقق كامل مطالبهم السبعة، وليس المطلب الأول، وحسب (لاحظ أهمية ورقة «التطبيع»، في يد العرب، وخطورة التفريط بها، دون قبول إسرائيل لمتطلبات السلام).
ونظن أن تحقق كل مطالب الكيان الصهيوني 1 -7، دونه خرط القتاد. ولا يمكن تصور تحقق هذه الاملاءات، إلا إذا حول كل عرب الجوار إلى هنود حمر...