طرح الدكتور حسن نصرت أستاذ ورئيس قسم النساء والولادة سابقا ورئيس وحدة طب الأجنة ووحدة الأخلاقيات الطبية والحيوية بكلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز رؤيته الطبية بعدما توصل إليه المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي من حسم لقضية اختيار جنس المولود بالرفض إلا بالوسائل الطبيعية بقوله: “لا اخفي سرا اننى كغيري من الأطباء المهتمين بمثل هذه الأمور ساورنا كثير من القلق مما تردد قبل صدور القرار النهائي بأن الآراء تتجه الى الموافقة على عملية اختيار جنس الجنين، والآن وقد حسمت القضية بالرفض ربما كان من المفيد أن أشرح لمن كان يأمل ان يكون القرار عكس ذلك الجوانب الطبية والأخلاقية التي دفعت كثير من الدول لرفض هذا الأمر”. كانت الرغبة في التحكم في اختيار جنس المولود ولا تزال ولاسباب عديدة إحدى الأمنيات لدى كثيرمن الناس، وفي الآونة الاخيرة ُطرحت كثير من الاراء اما مؤيدة او معارضة لهذا الأمر، والواقع انه لابد لمن يريد ان يعطي رأيا ما في هذه القضية ان لا ينظر الى النواحي الاخلاقية او الشرعية لعملية اختيار جنس المولود فقط، بل الى المفهوم الاعمق لهذا الامر وهو ما يمكن ان يتيحه ما حدث وسيحدث من تطور طبي وتقني في اختيار صفات اخرى في الجنين، غير الجنس، وذلك قبل زراعته في الرحم، وأود فى هذه المقالة أن أعرض بعض جوانب هذه التقنيه بصورة مختصرة نوعا ما قبل مناقشة قضية اختيار جنس المولود.
التركيب الوراثي
الواقع ان امكانية تحديد جنس الجنين قبل زراعته في الرحم هي إحدى النتائج الاولية التى ظهرت نتيجة التقدم التقني في كل من علم الجينات وعلم الاجنة، ومع استمرار التقدم تعدى الأمر معرفة جنس الجنين ليشمل ايضا امكانية دراسة التركيب الجيني (الوراثي ) للجنين والتعرف على ما يحمله من صفات وراثية سليمة مثل لون البشرة، الطول، الذكاء....الخ، اوصفات مرضية، او حتى مدى قابلية الاصابة بالامراض المستقبلية مثل داء السكر، تصلب الشرايين، الامراض السرطانية او حتى السمنة....وغيرها، وكلما اكتشف العلماء المزيد من تفاصيل الخريطة الجينية (الوراثية) للانسان كلما امكن التعرف على تركيب ومواقع جينات وراثية اكثر.
ولا شك ان معرفة الصفات الوراثية للجنين قبل زراعته في الرحم يعطي املا كبيرا وجديدا لاسر كثيرة كانت تعاني من امراض وراثية لا توجد وسيلة لتشخيصها قبل الولادة الا بعد مرور عدة اشهر من الحمل وبالتالي لا يكون هناك حل إلا اسقاط هذا الجنين مع ما يصاحب مثل هدا القرار من محاذير طبية وشرعية، والأمل انه في المستقبل لن يتوقف الامر فقط على التشخيص بل يتطور الى علاج الجينات المعيبة.
اما كيف تتم عملية التشخيص الجيني للجنين قبل زراعته في الرحم فيجب ان نعرف انها تحتاج الى درجة عالية من الخبرة والدقة حيث ان تحليل الجينات يجري إما على خلية واحدة او بضع خلايا، وتمارس هذه العملية من خلال تقنية اطفال الانابيب، أي انه لابد للزوجين اللذين يرغبان في تشخيص الجنين قبل زراعته في الرحم ان يتعرضا لنفس الخطوات الطبية لعملية اطفال الانابيب، ثم بعد حوالي 48 -72 ساعة من تلقيح البويضات الانثوية في المعمل، وتحولها الى اجنة، يتم نزع خلية او اكثر من كل جنين لاجراء التحليل الجيني عليها، فان كانت تحتوي على الجينات السليمة -او المطلوبة- يمكن اعادة الجنين الى الرحم وان كانت غير ذلك يتم التخلص منه.
ولذا فإن العملية مكلفة تقنيا، وماديا، وصحيا فمن الناحية التقنية فهي تتم من خلال تقنية اطفال الانابيب، بما يعنيه ذلك من متطلبات تقنية، ثم يجيء التحليل الجيني للخلايا الذي يتطلب مستوى أعلى من الخبرة والاجهزة التقنية التي لا تتوفر الا في نسبة ضئيلة من مراكز اطفال الانابيب، وهذا لا شك ينعكس على التكاليف المادية حيث تتضاعف تكاليف عملية اطفال الانابيب المرتفعة اصلا.
اما من الناحية الصحية فإن الأم عليها ان تتعرض للعلاجات وكل الاجراءات المتبعة في عملية اطفال الانابيب وما تتضمنه من محاذير صحية ونفسية على المدى القريب والبعيد، وبالذات إذا أخذ في الاعتبار ان نسبة نجاح الحمل عن طريق تقنية اطفال الانابيب لا تزيد في حدود المتوسط عن 25 في المائة مما عادة يستلزم اعادتها مرة بعد مرة.
تساؤلات حائرة
بعد هذا يمكن طرح السؤال هل يجوز من الناحية الاخلاقية والشرعية الموافقة على اختيار جنس الجنين قبل زراعته في الرحم لمجرد فقط رغبة اوهوى لدى الزوج او الزوجة؟ هل يجوز ان تهدر الاموال والصحة من اجل ذلك؟ وهل هذا يتفق ومقاصد الشرع من حفظ للنفس والنسل والمال؟
ولو فرض ان اجاب احد بجواز ذلك فهل من العدل ان يحرم من تحقيق هذه الرغبة غير القادر ماديا وتكون فقط حكرا على القادرين حيث ان تقنية اطفال الانابيب تتوفر فقط للقادرين على تحمل تكاليفها؟
وماذا نفعل بالاجنة الإناث هل يجوز التخلص منها فقط لمجرد انها إناث؟ وهنا قد يدعي احد انها مجرد اجنة وان الروح - والتي لا يعلمها الا الله تعالى- لم تنفخ فيها بعد، ولكن حتى لو قبلنا هذا فى حالة وجود جينات معيبة، فهل نقبله اذا كانت هذه الاجنة سليمة ونعلم انه لو اتيحت لها الظروف الصالحة يمكنها ان تنمو وتتخلق كما اراد الله تعالى بصورة سليمة إلا انها ستكون انثى....ولذا يجب تحطيمها والتخلص منها!
وهناك جانب آخر لابد من ادراكه والاستعداد له قبل حدوثه وهو انه قريبا جدا ومع اكتمال اكتشاف الخريطة الجينية للانسان سيجيء اليوم الذى يمكن فيه التعرف على الجينات الحاملة لصفات اخرى غير صفة الجنس وقد يجيء من يطلب استخدام تقنية الفحص الجيني للجنين قبل الزراعة لاختيار مواصفات خاصة لابنائه مثل لون العين او طول القامة او درجة الذكاء ....الخ، مدعيا ان هذا قد لا يختلف كثيرا عن حقه فى اختيار الجنس طالما انه سيدفع الثمن.
وقد يتعقد الامر اكثر اذا تبين اثناء الفحص الجيني ان الجنين لديه قابلية او احتمال للاصابة بامراض وراثية في المستقبل البعيد مثل داء السكر او تصلب الشرايين او ارتفاع ضغط الدم او حتى داء السمنة فما العمل هل تتم زراعته في الرحم ام التخلص منه لصالح جنين آخر” سليم “.
ايجابيات ومحاذير
ونحمد الله تعالى ان المجمع الفقهي في دورته الأخيرة، لم يبت في هذا الأمر فهو ليس بالأمر الهين، فمما سبق شرحه يتبين أن هناك ايجابيات كثيرة لاكتشاف الخريطة الجينية للإنسان ولتقنية الفحص الجيني للجنين قبل زراعته في الرحم إلا ان هناك ايضا محاذير وسلبيات يمكن ان تحدث نتيجة سوء استخدام هذه التقنية، لذا لابد من وضع حدود لاستخدام التقنيات الحديثة ولا نفتح المجال لامور لا تحمد عقباها وقد لا تتماشى مع مقاصد الشرع المعروفة، فاستخدام هذه التقنية، قد تكون فقط البداية، وحتى لو توقف الامر عند اختيار جنس الجنين فهو ايضا اهدار للمال وتعريض النفس للخطر بلا مبرر شرعي، بل ربما كان اعتراض على هبة من الله عز وجل للانسان، فما من موقع في القران الكريم ذكرت فيه الذرية إلا وكانت هبة من الله تعالى، واخيرا علينا ان نصارح انفسنا فلا نقول اختيار جنس الجنين فكلنا يعلم ان القصد في معظم ان لم يكن فى كل الاحوال هو اختيار الجنين الذكر، وقد فعل اجداد هذه الامة مثل هذا عن طريق وأد الإناث واستمر ذلك الى ان حرمه الله تعالى، فهل نعود نحن الآن لنحل وأد إناث الأجنة.
التركيب الوراثي
الواقع ان امكانية تحديد جنس الجنين قبل زراعته في الرحم هي إحدى النتائج الاولية التى ظهرت نتيجة التقدم التقني في كل من علم الجينات وعلم الاجنة، ومع استمرار التقدم تعدى الأمر معرفة جنس الجنين ليشمل ايضا امكانية دراسة التركيب الجيني (الوراثي ) للجنين والتعرف على ما يحمله من صفات وراثية سليمة مثل لون البشرة، الطول، الذكاء....الخ، اوصفات مرضية، او حتى مدى قابلية الاصابة بالامراض المستقبلية مثل داء السكر، تصلب الشرايين، الامراض السرطانية او حتى السمنة....وغيرها، وكلما اكتشف العلماء المزيد من تفاصيل الخريطة الجينية (الوراثية) للانسان كلما امكن التعرف على تركيب ومواقع جينات وراثية اكثر.
ولا شك ان معرفة الصفات الوراثية للجنين قبل زراعته في الرحم يعطي املا كبيرا وجديدا لاسر كثيرة كانت تعاني من امراض وراثية لا توجد وسيلة لتشخيصها قبل الولادة الا بعد مرور عدة اشهر من الحمل وبالتالي لا يكون هناك حل إلا اسقاط هذا الجنين مع ما يصاحب مثل هدا القرار من محاذير طبية وشرعية، والأمل انه في المستقبل لن يتوقف الامر فقط على التشخيص بل يتطور الى علاج الجينات المعيبة.
اما كيف تتم عملية التشخيص الجيني للجنين قبل زراعته في الرحم فيجب ان نعرف انها تحتاج الى درجة عالية من الخبرة والدقة حيث ان تحليل الجينات يجري إما على خلية واحدة او بضع خلايا، وتمارس هذه العملية من خلال تقنية اطفال الانابيب، أي انه لابد للزوجين اللذين يرغبان في تشخيص الجنين قبل زراعته في الرحم ان يتعرضا لنفس الخطوات الطبية لعملية اطفال الانابيب، ثم بعد حوالي 48 -72 ساعة من تلقيح البويضات الانثوية في المعمل، وتحولها الى اجنة، يتم نزع خلية او اكثر من كل جنين لاجراء التحليل الجيني عليها، فان كانت تحتوي على الجينات السليمة -او المطلوبة- يمكن اعادة الجنين الى الرحم وان كانت غير ذلك يتم التخلص منه.
ولذا فإن العملية مكلفة تقنيا، وماديا، وصحيا فمن الناحية التقنية فهي تتم من خلال تقنية اطفال الانابيب، بما يعنيه ذلك من متطلبات تقنية، ثم يجيء التحليل الجيني للخلايا الذي يتطلب مستوى أعلى من الخبرة والاجهزة التقنية التي لا تتوفر الا في نسبة ضئيلة من مراكز اطفال الانابيب، وهذا لا شك ينعكس على التكاليف المادية حيث تتضاعف تكاليف عملية اطفال الانابيب المرتفعة اصلا.
اما من الناحية الصحية فإن الأم عليها ان تتعرض للعلاجات وكل الاجراءات المتبعة في عملية اطفال الانابيب وما تتضمنه من محاذير صحية ونفسية على المدى القريب والبعيد، وبالذات إذا أخذ في الاعتبار ان نسبة نجاح الحمل عن طريق تقنية اطفال الانابيب لا تزيد في حدود المتوسط عن 25 في المائة مما عادة يستلزم اعادتها مرة بعد مرة.
تساؤلات حائرة
بعد هذا يمكن طرح السؤال هل يجوز من الناحية الاخلاقية والشرعية الموافقة على اختيار جنس الجنين قبل زراعته في الرحم لمجرد فقط رغبة اوهوى لدى الزوج او الزوجة؟ هل يجوز ان تهدر الاموال والصحة من اجل ذلك؟ وهل هذا يتفق ومقاصد الشرع من حفظ للنفس والنسل والمال؟
ولو فرض ان اجاب احد بجواز ذلك فهل من العدل ان يحرم من تحقيق هذه الرغبة غير القادر ماديا وتكون فقط حكرا على القادرين حيث ان تقنية اطفال الانابيب تتوفر فقط للقادرين على تحمل تكاليفها؟
وماذا نفعل بالاجنة الإناث هل يجوز التخلص منها فقط لمجرد انها إناث؟ وهنا قد يدعي احد انها مجرد اجنة وان الروح - والتي لا يعلمها الا الله تعالى- لم تنفخ فيها بعد، ولكن حتى لو قبلنا هذا فى حالة وجود جينات معيبة، فهل نقبله اذا كانت هذه الاجنة سليمة ونعلم انه لو اتيحت لها الظروف الصالحة يمكنها ان تنمو وتتخلق كما اراد الله تعالى بصورة سليمة إلا انها ستكون انثى....ولذا يجب تحطيمها والتخلص منها!
وهناك جانب آخر لابد من ادراكه والاستعداد له قبل حدوثه وهو انه قريبا جدا ومع اكتمال اكتشاف الخريطة الجينية للانسان سيجيء اليوم الذى يمكن فيه التعرف على الجينات الحاملة لصفات اخرى غير صفة الجنس وقد يجيء من يطلب استخدام تقنية الفحص الجيني للجنين قبل الزراعة لاختيار مواصفات خاصة لابنائه مثل لون العين او طول القامة او درجة الذكاء ....الخ، مدعيا ان هذا قد لا يختلف كثيرا عن حقه فى اختيار الجنس طالما انه سيدفع الثمن.
وقد يتعقد الامر اكثر اذا تبين اثناء الفحص الجيني ان الجنين لديه قابلية او احتمال للاصابة بامراض وراثية في المستقبل البعيد مثل داء السكر او تصلب الشرايين او ارتفاع ضغط الدم او حتى داء السمنة فما العمل هل تتم زراعته في الرحم ام التخلص منه لصالح جنين آخر” سليم “.
ايجابيات ومحاذير
ونحمد الله تعالى ان المجمع الفقهي في دورته الأخيرة، لم يبت في هذا الأمر فهو ليس بالأمر الهين، فمما سبق شرحه يتبين أن هناك ايجابيات كثيرة لاكتشاف الخريطة الجينية للإنسان ولتقنية الفحص الجيني للجنين قبل زراعته في الرحم إلا ان هناك ايضا محاذير وسلبيات يمكن ان تحدث نتيجة سوء استخدام هذه التقنية، لذا لابد من وضع حدود لاستخدام التقنيات الحديثة ولا نفتح المجال لامور لا تحمد عقباها وقد لا تتماشى مع مقاصد الشرع المعروفة، فاستخدام هذه التقنية، قد تكون فقط البداية، وحتى لو توقف الامر عند اختيار جنس الجنين فهو ايضا اهدار للمال وتعريض النفس للخطر بلا مبرر شرعي، بل ربما كان اعتراض على هبة من الله عز وجل للانسان، فما من موقع في القران الكريم ذكرت فيه الذرية إلا وكانت هبة من الله تعالى، واخيرا علينا ان نصارح انفسنا فلا نقول اختيار جنس الجنين فكلنا يعلم ان القصد في معظم ان لم يكن فى كل الاحوال هو اختيار الجنين الذكر، وقد فعل اجداد هذه الامة مثل هذا عن طريق وأد الإناث واستمر ذلك الى ان حرمه الله تعالى، فهل نعود نحن الآن لنحل وأد إناث الأجنة.