ألحّ "جون غريشام" / John Grisham وهو يكتب روايته الأولى المعنونة بـ "وقت للقتل" / Time to kill A في عام 1989 على تحقيق النجاح والتفوق بسبب رغبته الجامحة لاحتلال مكانة متقدمة بين كتاب الروايات الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة .. وبالفعل كان له ذلك . فبدء من هذه الرواية وهو يخصص كتاباته في عالم الإثارة، العالم الأكثر جاذبية للقارئ الأمريكي، عالم الجريمة والقضاء والمحاكم، لاسيما أن المحاماة ظلت مهنته التي يتكسب منها لسنوات طويلة قبل شهرته الواسعة وثرائه البالغ .. ومع أن غريشام كان يُحب عمله كمحام في بداية حياته العملية إلا انه تحول بعد نشر رواياته البوليسية/القانونية الى عدو لدود للمحامين، حيث ورطهم في مساومات ومساءلات غير بريئة بقيت تشحنهم بالحقد وتطارده باللعنات بقية حياته .. لقد فتح عليهم أبواب جهنم ، بحسب تعبيره في حواره المنشور بمجلة فراييتي عدد نوفمبر 1999.
سردت رواية "وقت للقتل" أحداث مصرع فتاة زنجية على أيدي اثنين من البيض، حيث تمت محاكمتهما في أجواء متوترة، تصفها الرواية بدقة بالغة، ذات الدقة والحبكة التي تغلب على معظم روايات غريشام والتي تدور أحداثها في المحاكم . وبطبيعة الحال أثارت الرواية زوابع العنصرية الامريكية الجديدة ، ولم يسلم كاتبها ولا ناشرها من التعاطف أحيانا أو الهجوم الحاد أحيانا أخرى.. كتبها غريشام وهو لا يزال محامياً يمارس الدفاع في قضايا المهمشين والفقراء، وكان قد حاول طباعة الرواية في عدد من دور النشر، لكنها قوبلت بالرفض، ليس الرفض فقط بل والازدراء من مسؤولي مؤسسات النشر، غير أنه جاهد حتى توصل بعد عناء الى إقناع أحد مديري هذه الدور بطبعها ونشرها، وكانت بداية الشهرة ..فما أن نُشرت حتى أسرعت إحدى شركات هوليود السينمائية بشرائها بستة ملايين دولار، كما يقول في حواره بمجلة فرايتي المشار إليه آنفاً، وبطبيعة الحال حولتها الشركة الى فيلم سينمائي ناجح في سنة 1991 وقام بتمثيل الأدوار الرئيسية فيه كل من ساندرا بولوك، صامويل جاكسون، وماثيو مكاونهي.
مذكرة البجعة
في سنة 1992م كان غريشام قد أنهى كتابة قصة (مذكرة البجعة/ The Pelican Brief) والتي نُقلت الى السينما في فيلم أنتج عام 1993، من بطولة جوليا روبرتس ودينزل واشنطن.. وفي القصة يجد القارئ محامية شابة، أو بالأحرى تلميذة تدرس القانون، تهتم بإحدى قضايا القتل الغامض وتدون كل ماتجده في مذكرة خاصة بهذه القضية، وتكتشف ان هناك افراداً يتبعون مؤسسة يقومون بمطاردتها ويسعون للحصول على المذكرة التي أعدتها عن الجريمة، لكن صحفياً شاباً كان يقف الى جانبها خاصة حين يعلم أن أحد ضباط المباحث الفيدرالية يسعى للحصول على المذكرة ذاتها . . باع غريشام من هذه الرواية ما يزيد على ثلاثين مليون نسخة في شهور قليلة، وتحول بين عشية وضحاها الى مليونير لم يتجاوز الخامسة والاربعين من عمره، وعاش بعد ذلك عيشة رغدة من عائدات بيع كتبه التي أصبحت تدر عليه أموالاً بلا توقف ، وصار يتقاضى عن الرواية الواحدة 15 مليون دولار. وقد ذكرت مجلة الاكسبريس في عدد أكتوبر 1995م : ان مجمل مبيعات رواياته في طبعاتها العالمية تجاوزت الثمانين مليون نسخة خلال خمس سنوات فقط.
وهكذا استمر غريشام في الكتابة ونَشَر رواية مهمة بعنوان (المؤسسة / The Firm) في 1993م وكانت بمثابة انطلاقة حقيقية له، حيث تصدرت أفضل الكتب مبيعاً خلال تلك السنة والسنة التالية، ما أغرى شركة باراماونت للإنتاج بشراء حقوق استغلال الرواية وانتاجها كفيلم مثير بنفس العنوان ، وأسندت البطولة الى الممثل توم كروز في دور "ميتش ماكدير" وهو شاب ابن عائلة متوسطة حديث التخرج وموظف في شركة ضخمة ولا يكف عن العمل والعطاء والتفاؤل، ويحدث أن تقدمه الشركة على أقرانه وترفع من مكانته الوظيفية بين المحامين، فاعتقد انه بدأ يقترب من حلمه المنشود في الثراء والشهرة والسلطة ، ولكنه سرعان ما يكتشف أن وراء هذا النجاح مافيا تدير كل شيء في المؤسسة، حتى مكتبه الخاص الذي افتتحه وتعاونه فيه زوجته، اتضح أنه من تدبير المؤسسة، وهكذا سرعان ما تحدث المواجهة بين المافيا وبين الشاب، فيتم تهديده بالقتل، ويكتشف أن مدير المؤسسة وسكرتيره وراء هذه الأعمال، ولكن بسبب كفاءته كمحام يستطيع تجاوز كافة الأخطار القانونية التي تحيطه.. وكما هو واضح فإن محور الرواية هو تأمل أمثولة الفرد الأعزل الذي يقف بقوة مبادئه وحدها ويتحدى مؤسسة بأكملها تمتلك المال والسلطة والأمن والنساء وكافة الإغراءات.
محامي الشوارع
بعد رواية المؤسسة استقال جون غريشام من بيت الممثلين القانونيين، الذي كان قد انضم إليه في فترة سابقة، ووقتها بدأت دور النشر وشركات السينما تغدق عليه الأموال، فاشترى مزرعة بالقرب من أوكسفورد بالميسيسبي وانتقل ليعيش فيها . ومنذ ذلك العهد تصاعد اسم جون غريشام كواحد من أفضل الكتاب مبيعاً في العالم، وتوالت أعماله التي ألفها وهو مسترخياً في مزرعته بالمسيسيبي، وتحوّلت معظم قصصه ورواياته إلى أفلام باهرة منها : (العميل The client) ، (الغرفة The chamber) ، (المزرعة/ The farm ) ، (صانع المطر /The rain maker ) و(محامي الشوارع / The Street Lawyer ) وغيرها.
لكن يجب الإشارة الى رواية (الغرفة) التي كتبها في 1994 وأصبحت فيلماً في سنة 1996 مثّله كريس أودونيل وجين هاكمان، حيث يعتبرها غريشام أفضل ما كتب، فقد أخذت منه وقتا طويلا في التفكير والصياغة، كما قال، .. وقضى قرابة التسعة أشهر وهو يجلس خمس ساعات في اليوم لكتابتها، بينما كانت تستغرق رواياته السابقة معدلاً يتراوح بين ثلاثة أشهر وأربعة أشهر فقط ، وهو يفسر ذلك بقوله: ربما لأن موضوع "الغرفة" كان موضوعاً صعباً واكثر دقةً وتعقيداً.
وما ينبغي الانتباه إليه أيضاً أن أعمال جون جريشام ذات موضوع تقليدي وثيمة مكررة اعتاد على صياغتها باحتراف يجذب حواس القارئ العادي، أو المُشاهد المستجيب للإثارة .. فالناس الطيبون ـ في رواياته ـ دائما هم الضعفاء المهمشون. أما الأشرار فهم الأقوياء الذين يمتلكون القدرات المادية والنفوذ . وتدخل المحاكم في روايته كعامل أساسي مشترك يتعمد فيه رفع إيقاع الأحداث الى أقصى حد ممكن، وكذلك هو بارع في تطعيم سياق بالمطاردات المثيرة والألغاز الغامضة .. كل ذلك يجعل من القارئ ـ أو المشاهد ـ يلهث للتوصل الى الحقائق التي لا يكشف عنها إلا في الصفحات النهائية من الرواية ، وكعادة الرواية البوليسية فالانتصار دائما للطيبين.
ومثلما حدث في رواية (العميل) من مواجهة بين ضابط المباحث الفيدرالية ومحامية شابة تتبنى قضية صبي صغير كان شاهداً على جريمة قتل، وتسعى المؤسسة التي ارتكب رجالها الجريمة الى التخلص من الصبي الهارب، وأيضاً من المحامية التي تؤمن بأهمية الدفاع عنه، ولكن الضابط يطارد الصبي ويضيق عليه الخناق ولكنه لا يلبث أن يكتشف الحقيقة، لذا يتحول موقفه من أجل الدفاع عن الصبي، والعمل على عدم الوقوع بين أيدي رجال المؤسسة بأي ثمن.
الضعفاء والاقوياء
يقول غريشام في مجلة أوليس ـ عدد مايو 2001 ـ التي تصدرها شركة الطيران الايطالية: "قاعة المحكمة هي المكان الوحيد الذي يمكن فيه أن تسمع الناس يتحدثون عن أشياء وأحداث من المحرمات بشكل عام وخاص، وتجد المواجهة بين العدالة والناس الضعفاء والأقوياء، وهنا يجب أن تصغي الى صوت الحقيقة. ولذا فإنني اذهب الى ساحات المحاكم كلما استطعت .. منذ أسابيع على سبيل المثال حكمت المحكمة بالإعدام على شاب قتل فتاة جميلة، كان اجتماعاً حماسياً مليئاً بالتوتر الانساني وكان من الصعب أن أجد مواقف أكثر عبثاً وبؤساً من التي تحدث أمامي".
كان جون غريشام ، وهو المولود في جونسبورو بولاية أركنساس الأمريكية في الثامن من فبراير عام 1955 قد رحل منها مع أسرته عام 1967 واستقر في ساوثهافن ، وفي 1981 م بدأ ممارسة المحاماة عن المتهمين في قضايا جنائية ومدنية . وفي عام 1983 تم انتخابه ليكون عضوًا في بيت الممثلين القانونيين بولاية الميسيسبي. وليتأمل القارئ هذا الـ جون غريشام، فهو ليس شتاينبك أو وليام فوكنر أو أحد مؤسسي المدرسة الأمريكية الحديثة في الكتابة، ولكنه رغم ذلك استطاع أن يقدم للقراء ـ والمشاهدين ـ روايات ذات حرفية كتابية عالية، وأدبا شعبياً يناسب مزاج الفرد الأمريكي تماماً، من خلال حبكته البوليسية الدقيقة، ومن خلال تشويقه الذي لا ينتهي إلا مع الصفحة الأخيرة من الرواية.كتب (صانع المطر) في 1995 وتحوّلت إلى فيلم بطولة مات ديمون وداني ديفيتو في 1997، وكتب قصة (المحلّف الهارب /The Runaway Jury ) في 1996 وصارت فيلماً في عام 2004 من بطولة داستن هوفمان، جين هاكمان، جون كوزاك و راشيل ويس، كما كتب رواية (الشريك / The Partner ) في 1997، و(محامي الشوارع /The Street Lawyer ) في 1998 وانتقلت الى السينما في 2003،ثم (الشهادة /The Testament ) في 1999، و(الاخوّة /The Brethren ) في 2000، و(المنزل المطلي/A Painted House ) في 2001 وأيضاً تحولت الى فيلم في 2003 .. وفي 2004 نشر "المحلف الأخير /The Last Juror " وأخيراً أصدر (السمسار /The Broker ) في2005 .
سردت رواية "وقت للقتل" أحداث مصرع فتاة زنجية على أيدي اثنين من البيض، حيث تمت محاكمتهما في أجواء متوترة، تصفها الرواية بدقة بالغة، ذات الدقة والحبكة التي تغلب على معظم روايات غريشام والتي تدور أحداثها في المحاكم . وبطبيعة الحال أثارت الرواية زوابع العنصرية الامريكية الجديدة ، ولم يسلم كاتبها ولا ناشرها من التعاطف أحيانا أو الهجوم الحاد أحيانا أخرى.. كتبها غريشام وهو لا يزال محامياً يمارس الدفاع في قضايا المهمشين والفقراء، وكان قد حاول طباعة الرواية في عدد من دور النشر، لكنها قوبلت بالرفض، ليس الرفض فقط بل والازدراء من مسؤولي مؤسسات النشر، غير أنه جاهد حتى توصل بعد عناء الى إقناع أحد مديري هذه الدور بطبعها ونشرها، وكانت بداية الشهرة ..فما أن نُشرت حتى أسرعت إحدى شركات هوليود السينمائية بشرائها بستة ملايين دولار، كما يقول في حواره بمجلة فرايتي المشار إليه آنفاً، وبطبيعة الحال حولتها الشركة الى فيلم سينمائي ناجح في سنة 1991 وقام بتمثيل الأدوار الرئيسية فيه كل من ساندرا بولوك، صامويل جاكسون، وماثيو مكاونهي.
مذكرة البجعة
في سنة 1992م كان غريشام قد أنهى كتابة قصة (مذكرة البجعة/ The Pelican Brief) والتي نُقلت الى السينما في فيلم أنتج عام 1993، من بطولة جوليا روبرتس ودينزل واشنطن.. وفي القصة يجد القارئ محامية شابة، أو بالأحرى تلميذة تدرس القانون، تهتم بإحدى قضايا القتل الغامض وتدون كل ماتجده في مذكرة خاصة بهذه القضية، وتكتشف ان هناك افراداً يتبعون مؤسسة يقومون بمطاردتها ويسعون للحصول على المذكرة التي أعدتها عن الجريمة، لكن صحفياً شاباً كان يقف الى جانبها خاصة حين يعلم أن أحد ضباط المباحث الفيدرالية يسعى للحصول على المذكرة ذاتها . . باع غريشام من هذه الرواية ما يزيد على ثلاثين مليون نسخة في شهور قليلة، وتحول بين عشية وضحاها الى مليونير لم يتجاوز الخامسة والاربعين من عمره، وعاش بعد ذلك عيشة رغدة من عائدات بيع كتبه التي أصبحت تدر عليه أموالاً بلا توقف ، وصار يتقاضى عن الرواية الواحدة 15 مليون دولار. وقد ذكرت مجلة الاكسبريس في عدد أكتوبر 1995م : ان مجمل مبيعات رواياته في طبعاتها العالمية تجاوزت الثمانين مليون نسخة خلال خمس سنوات فقط.
وهكذا استمر غريشام في الكتابة ونَشَر رواية مهمة بعنوان (المؤسسة / The Firm) في 1993م وكانت بمثابة انطلاقة حقيقية له، حيث تصدرت أفضل الكتب مبيعاً خلال تلك السنة والسنة التالية، ما أغرى شركة باراماونت للإنتاج بشراء حقوق استغلال الرواية وانتاجها كفيلم مثير بنفس العنوان ، وأسندت البطولة الى الممثل توم كروز في دور "ميتش ماكدير" وهو شاب ابن عائلة متوسطة حديث التخرج وموظف في شركة ضخمة ولا يكف عن العمل والعطاء والتفاؤل، ويحدث أن تقدمه الشركة على أقرانه وترفع من مكانته الوظيفية بين المحامين، فاعتقد انه بدأ يقترب من حلمه المنشود في الثراء والشهرة والسلطة ، ولكنه سرعان ما يكتشف أن وراء هذا النجاح مافيا تدير كل شيء في المؤسسة، حتى مكتبه الخاص الذي افتتحه وتعاونه فيه زوجته، اتضح أنه من تدبير المؤسسة، وهكذا سرعان ما تحدث المواجهة بين المافيا وبين الشاب، فيتم تهديده بالقتل، ويكتشف أن مدير المؤسسة وسكرتيره وراء هذه الأعمال، ولكن بسبب كفاءته كمحام يستطيع تجاوز كافة الأخطار القانونية التي تحيطه.. وكما هو واضح فإن محور الرواية هو تأمل أمثولة الفرد الأعزل الذي يقف بقوة مبادئه وحدها ويتحدى مؤسسة بأكملها تمتلك المال والسلطة والأمن والنساء وكافة الإغراءات.
محامي الشوارع
بعد رواية المؤسسة استقال جون غريشام من بيت الممثلين القانونيين، الذي كان قد انضم إليه في فترة سابقة، ووقتها بدأت دور النشر وشركات السينما تغدق عليه الأموال، فاشترى مزرعة بالقرب من أوكسفورد بالميسيسبي وانتقل ليعيش فيها . ومنذ ذلك العهد تصاعد اسم جون غريشام كواحد من أفضل الكتاب مبيعاً في العالم، وتوالت أعماله التي ألفها وهو مسترخياً في مزرعته بالمسيسيبي، وتحوّلت معظم قصصه ورواياته إلى أفلام باهرة منها : (العميل The client) ، (الغرفة The chamber) ، (المزرعة/ The farm ) ، (صانع المطر /The rain maker ) و(محامي الشوارع / The Street Lawyer ) وغيرها.
لكن يجب الإشارة الى رواية (الغرفة) التي كتبها في 1994 وأصبحت فيلماً في سنة 1996 مثّله كريس أودونيل وجين هاكمان، حيث يعتبرها غريشام أفضل ما كتب، فقد أخذت منه وقتا طويلا في التفكير والصياغة، كما قال، .. وقضى قرابة التسعة أشهر وهو يجلس خمس ساعات في اليوم لكتابتها، بينما كانت تستغرق رواياته السابقة معدلاً يتراوح بين ثلاثة أشهر وأربعة أشهر فقط ، وهو يفسر ذلك بقوله: ربما لأن موضوع "الغرفة" كان موضوعاً صعباً واكثر دقةً وتعقيداً.
وما ينبغي الانتباه إليه أيضاً أن أعمال جون جريشام ذات موضوع تقليدي وثيمة مكررة اعتاد على صياغتها باحتراف يجذب حواس القارئ العادي، أو المُشاهد المستجيب للإثارة .. فالناس الطيبون ـ في رواياته ـ دائما هم الضعفاء المهمشون. أما الأشرار فهم الأقوياء الذين يمتلكون القدرات المادية والنفوذ . وتدخل المحاكم في روايته كعامل أساسي مشترك يتعمد فيه رفع إيقاع الأحداث الى أقصى حد ممكن، وكذلك هو بارع في تطعيم سياق بالمطاردات المثيرة والألغاز الغامضة .. كل ذلك يجعل من القارئ ـ أو المشاهد ـ يلهث للتوصل الى الحقائق التي لا يكشف عنها إلا في الصفحات النهائية من الرواية ، وكعادة الرواية البوليسية فالانتصار دائما للطيبين.
ومثلما حدث في رواية (العميل) من مواجهة بين ضابط المباحث الفيدرالية ومحامية شابة تتبنى قضية صبي صغير كان شاهداً على جريمة قتل، وتسعى المؤسسة التي ارتكب رجالها الجريمة الى التخلص من الصبي الهارب، وأيضاً من المحامية التي تؤمن بأهمية الدفاع عنه، ولكن الضابط يطارد الصبي ويضيق عليه الخناق ولكنه لا يلبث أن يكتشف الحقيقة، لذا يتحول موقفه من أجل الدفاع عن الصبي، والعمل على عدم الوقوع بين أيدي رجال المؤسسة بأي ثمن.
الضعفاء والاقوياء
يقول غريشام في مجلة أوليس ـ عدد مايو 2001 ـ التي تصدرها شركة الطيران الايطالية: "قاعة المحكمة هي المكان الوحيد الذي يمكن فيه أن تسمع الناس يتحدثون عن أشياء وأحداث من المحرمات بشكل عام وخاص، وتجد المواجهة بين العدالة والناس الضعفاء والأقوياء، وهنا يجب أن تصغي الى صوت الحقيقة. ولذا فإنني اذهب الى ساحات المحاكم كلما استطعت .. منذ أسابيع على سبيل المثال حكمت المحكمة بالإعدام على شاب قتل فتاة جميلة، كان اجتماعاً حماسياً مليئاً بالتوتر الانساني وكان من الصعب أن أجد مواقف أكثر عبثاً وبؤساً من التي تحدث أمامي".
كان جون غريشام ، وهو المولود في جونسبورو بولاية أركنساس الأمريكية في الثامن من فبراير عام 1955 قد رحل منها مع أسرته عام 1967 واستقر في ساوثهافن ، وفي 1981 م بدأ ممارسة المحاماة عن المتهمين في قضايا جنائية ومدنية . وفي عام 1983 تم انتخابه ليكون عضوًا في بيت الممثلين القانونيين بولاية الميسيسبي. وليتأمل القارئ هذا الـ جون غريشام، فهو ليس شتاينبك أو وليام فوكنر أو أحد مؤسسي المدرسة الأمريكية الحديثة في الكتابة، ولكنه رغم ذلك استطاع أن يقدم للقراء ـ والمشاهدين ـ روايات ذات حرفية كتابية عالية، وأدبا شعبياً يناسب مزاج الفرد الأمريكي تماماً، من خلال حبكته البوليسية الدقيقة، ومن خلال تشويقه الذي لا ينتهي إلا مع الصفحة الأخيرة من الرواية.كتب (صانع المطر) في 1995 وتحوّلت إلى فيلم بطولة مات ديمون وداني ديفيتو في 1997، وكتب قصة (المحلّف الهارب /The Runaway Jury ) في 1996 وصارت فيلماً في عام 2004 من بطولة داستن هوفمان، جين هاكمان، جون كوزاك و راشيل ويس، كما كتب رواية (الشريك / The Partner ) في 1997، و(محامي الشوارع /The Street Lawyer ) في 1998 وانتقلت الى السينما في 2003،ثم (الشهادة /The Testament ) في 1999، و(الاخوّة /The Brethren ) في 2000، و(المنزل المطلي/A Painted House ) في 2001 وأيضاً تحولت الى فيلم في 2003 .. وفي 2004 نشر "المحلف الأخير /The Last Juror " وأخيراً أصدر (السمسار /The Broker ) في2005 .