(كلما جئت أرتشف قهوتي، رأيتك فيها قطعة السكر)
أذكر قبل سنوات قليلة حين كنت في جولة سياحية في منطقة القصيم، أن فاجأني دليلنا السياحي وهو يتحدث عن عادات أهل المنطقة القديمة وتراثهم بقوله: كانت القهوة شرابا خاصا بالرجال، ولم يكن النساء يعرفنها، فكانت القهوة وأدوات إعدادها من دلال وفناجيل وبن وهيل وغيره، تحفظ في مكان خاص في مجلس الرجال ويقفل عليها بقفل يحتفظ بمفتاحه سيد البيت. وإمعانا في إقصاء النساء عن القهوة كان إعدادها موكولا للرجال، فحين يستقبل رب البيت ضيوفه يقوم هو بنفسه بإعداد القهوة لهم.
كان الدليل يتحدث عن هذا الأمر بعفوية وبساطة، وحين سألته عن سبب حظر شرب القهوة على النساء؟ لم يزد عن قول: «مجرد عادة متوارثة ليس إلا». لكن هذه الإجابة لم تقنعني! ظل السؤال في داخلي متقدا: ما سبب حظر شرب القهوة على النساء؟
ألأن القهوة كانت في بعض الزمن من التاريخ تعد شرابا محرما له تأثير يبطل العقل كتأثير الخمر، ولأن من عادة المجتمع أن يتسامح مع الرجال عند وقوعهم في شيء من المحرمات كالتدخين والخمر والعلاقات المحرمة وغيرها، ولا يتسامح في شيء من ذلك مع النساء، فآثر أن تبقى النساء بعيدات في معزل عن القهوة حتى بعد أن نفيت حرمتها؟
أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سببا اقتصاديا؟ فقد كانت القهوة تعد من السلع الباهظة الثمن، ومن الحكمة ترشيد استهلاكها بقصر تناولها على الذكور وحدهم، واتخاذ الحيطة اللازمة لذلك بتخزينها وأوانيها وأدوات إعدادها في مجلس الرجال وقفل الأبواب عليها؟
حاولت العثور على دليل يرجح أحد الافتراضين من خلال التأمل في طريقة صب الناس للقهوة، فما جرت عليه عادتهم في صب القهوة هو أن يصبوا منها مقدار رشفة واحدة في فنجال صغير الحجم، فهل هم يفعلون ذلك خشية أثرها المزعوم في الذهاب بالعقل؟ أم هم يفعلونه لمقتضيات اقتصادية بحتة؟ كلا الأمرين محتمل، فازداد الأمر التباساً علي، فتركت التفكير فيه.
على أية حال، في أيامنا هذه بات سعر القهوة في متناول الأغلبية من الناس والحمد لله، كما صارت القهوة شرابا متاحا للجنسين، فتبع ذلك أن زاد الاستهلاك لها ورافق هذه الزيادة ازدهار في تجارة البن، وانتشار المقاهي التي تسوق القهوة، بعد أن صارت شراباً حلالاً على الجميع.
لكن الأحوال لا تدوم، ومن طبع الليالي تغيير ألوانها، ففي هذه الأيام تنتشر شائعة في العالم بأن محصول البن آخذ في التناقص، متجه في طريقه نحو التلاشي، وأنه ربما يختفي من العالم قبل نهاية هذا القرن بسبب ما تتعرض له حقوله من تغيرات مناخية حرارية لا تناسبها. وبطبيعة الحال فإن محصول البن لن يختفي من العالم فجأة، قبل اختفائه سيمر بمرحلة التناقص التدريجي من الأسواق، وهو ما يرفع سعر القهوة من جديد (حسب قانون العرض والطلب)، وقد تصير القهوة من المشروبات الفاخرة التي لا ينعم بها سوى أصحاب الثروات الكبيرة، وهنا المحك، هل سيؤدي ارتفاع سعر القهوة إلى أن تعود النساء إلى نقطة البداية فيصير احتساء القهوة من المحظورات عليهن؟
azman3075@gmail.com
أذكر قبل سنوات قليلة حين كنت في جولة سياحية في منطقة القصيم، أن فاجأني دليلنا السياحي وهو يتحدث عن عادات أهل المنطقة القديمة وتراثهم بقوله: كانت القهوة شرابا خاصا بالرجال، ولم يكن النساء يعرفنها، فكانت القهوة وأدوات إعدادها من دلال وفناجيل وبن وهيل وغيره، تحفظ في مكان خاص في مجلس الرجال ويقفل عليها بقفل يحتفظ بمفتاحه سيد البيت. وإمعانا في إقصاء النساء عن القهوة كان إعدادها موكولا للرجال، فحين يستقبل رب البيت ضيوفه يقوم هو بنفسه بإعداد القهوة لهم.
كان الدليل يتحدث عن هذا الأمر بعفوية وبساطة، وحين سألته عن سبب حظر شرب القهوة على النساء؟ لم يزد عن قول: «مجرد عادة متوارثة ليس إلا». لكن هذه الإجابة لم تقنعني! ظل السؤال في داخلي متقدا: ما سبب حظر شرب القهوة على النساء؟
ألأن القهوة كانت في بعض الزمن من التاريخ تعد شرابا محرما له تأثير يبطل العقل كتأثير الخمر، ولأن من عادة المجتمع أن يتسامح مع الرجال عند وقوعهم في شيء من المحرمات كالتدخين والخمر والعلاقات المحرمة وغيرها، ولا يتسامح في شيء من ذلك مع النساء، فآثر أن تبقى النساء بعيدات في معزل عن القهوة حتى بعد أن نفيت حرمتها؟
أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سببا اقتصاديا؟ فقد كانت القهوة تعد من السلع الباهظة الثمن، ومن الحكمة ترشيد استهلاكها بقصر تناولها على الذكور وحدهم، واتخاذ الحيطة اللازمة لذلك بتخزينها وأوانيها وأدوات إعدادها في مجلس الرجال وقفل الأبواب عليها؟
حاولت العثور على دليل يرجح أحد الافتراضين من خلال التأمل في طريقة صب الناس للقهوة، فما جرت عليه عادتهم في صب القهوة هو أن يصبوا منها مقدار رشفة واحدة في فنجال صغير الحجم، فهل هم يفعلون ذلك خشية أثرها المزعوم في الذهاب بالعقل؟ أم هم يفعلونه لمقتضيات اقتصادية بحتة؟ كلا الأمرين محتمل، فازداد الأمر التباساً علي، فتركت التفكير فيه.
على أية حال، في أيامنا هذه بات سعر القهوة في متناول الأغلبية من الناس والحمد لله، كما صارت القهوة شرابا متاحا للجنسين، فتبع ذلك أن زاد الاستهلاك لها ورافق هذه الزيادة ازدهار في تجارة البن، وانتشار المقاهي التي تسوق القهوة، بعد أن صارت شراباً حلالاً على الجميع.
لكن الأحوال لا تدوم، ومن طبع الليالي تغيير ألوانها، ففي هذه الأيام تنتشر شائعة في العالم بأن محصول البن آخذ في التناقص، متجه في طريقه نحو التلاشي، وأنه ربما يختفي من العالم قبل نهاية هذا القرن بسبب ما تتعرض له حقوله من تغيرات مناخية حرارية لا تناسبها. وبطبيعة الحال فإن محصول البن لن يختفي من العالم فجأة، قبل اختفائه سيمر بمرحلة التناقص التدريجي من الأسواق، وهو ما يرفع سعر القهوة من جديد (حسب قانون العرض والطلب)، وقد تصير القهوة من المشروبات الفاخرة التي لا ينعم بها سوى أصحاب الثروات الكبيرة، وهنا المحك، هل سيؤدي ارتفاع سعر القهوة إلى أن تعود النساء إلى نقطة البداية فيصير احتساء القهوة من المحظورات عليهن؟
azman3075@gmail.com