-A +A
فريدة صالح شطا
لاشك في أن الأعمار بيد الله , والموت نهاية كل حي . لكن كما قال الشاعر: تعددت الأسباب والموت واحد , وقد جاء في المثل المكي القديم " قيل تقدم ياموت فقيل تقدم يا سبب " والأسباب كثيرة منها , المرض , الحوادث , تقدم العمر .. وهذا ليس شرطاً .. لكنه أحد الأسباب. وحديثا قرأنا عن أشخاص توفوا بسبب البرد ! وإن كان البرد ليس وحده السبب , الفقر كان هو السبب الأول.. فهو الذي أعجزهم عن وقاية انفسهم من البرد , لإنهم يعيشون في عشش من الصفيح ! . تألمت كما تألم كل من سمع , غير أن أكثر ما يؤلم هو أننا نقف بمشاعرنا عند هذا الحد , غافلين أو مغفلين ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقص إيمان من بات شبعاناً وجاره جائع..ففي رأيي ان الجوع له معنى أوسع من خلو المعدة من الطعام .. بل يشمل افتقار هذا الجار المسلم إلى أهم مقومات الحياة , طعام , شراب , ملبس , مسكن , دواء .. ومن هذه الفئة من ماتوا خلال موجة البرد الفائتة .. افتقدوا لكل ما سبق ! أين كنا نحن ؟ وهم يعيشون حولنا وجوارنا في عشش من الصفيح لم تحمهم من زمهرير الشتاء , وبالتأكيد فلن تحميهم من شدة الحر حين تصل درجات الحرارة إلى مستويات يمنع فيها عالمياً الخروج من المنزل . فإن كنا نحتمي بمنازلنا من البرد بل ونستعين بأجهزة تبعث الدفء في المنزل , وأغطية وملابس .. إلخ وتمدنا في الصيف بالبرودة التي تهون علينا الحرارة خارج المنزل ! أين نحن منهم وهم يعانون البرد القارس والحرارة اللاهبة . ألسنا مقصرين في واجبنا كمسلمين تجاه اخواننا , ألسنا ننساهم ولا نتذكرهم إلا حين نقرأ ما يحل بهم , وسرعان ما ننساهم لنعود إلى حياتنا , بيوتنا , طعامنا , ملابسنا , ما نتدفأ به في الشتاء وما يبرد علينا حرارة الجو في الصيف؟!
رافق الألم الذي شعرت به , تقريع داخلي مر مع إحساس كبير بالذنب , ولم تنفع في تهدئتي ما نكرره من عبارات مثل " ماذا أستطيع أن أفعل لهم وحدي ؟ " أو " فليلطف بهم رب العباد " ! لقد استخدمنا هذه الجمل كثيراً .. فتقاعسنا عن واجبنا تجاه أخوة لنا . وإذا كانت موجة البرد قد انتهت فإنها لن تكون الأخيرة , وإن لم تأت موجة أخرى هذا العام فهي قطعاً ستأتي الأعوام القادمة , أيضاً سيأتي قبلها الصيف الجو العام لبلادنا , فهل نبدأ منذ الآن بعمل جماعي نحمي به اخواننا الذين يعيشون خارج المدن وأحياناً داخلها في عشش الصفيح , قبل أن تلفحهم شمس الصيف فيموتوا أيضاً لكن من شدة الحر لا من شدة البرد.

وبعد: فإلى جانب الفتاتين اللتين توفيتا نتيجة البرد الشديد مات أيضاً أحد الطلاب من شدة البرد , ليس لأنه يعيش في الخلاء , إنما لإن المدير الملتزم بالنظام حرفياً , وحتى لا يخرق هذا النظام !.. أصر على إقامة طابور الصباح في هذا الجو القارس دون الأخذ بالاعتبار تباين أحوال الطلاب الصحية والبدنية ما أدى إلى وفاة طالب أو أكثر -لست متأكدة- من فوره ( فهل له دية...... ؟ ) نحن نستخدم مجازا كلمة ميت من البرد دلالة على شدة الشعور بالبرد .. وقد انتقل المجاز إلى حقيقة هذه المرة . أخيراً أقول إنني أعتقد أن ما يحتاجه الفقراء فعلياً هو المسكن الملائم , المستشفى المجهز , توفير الطعام .. وهذا كله لابد ان يكون بشكل عاجل , ولا أظن أني أبالغ إذا اعتقدت أن توفير مدارس لهذه الفئة يأتي في المرتبة الثانية , وليس من المطالب العاجلة , فنحن يجب أولاً أن نـُطعم ونـُؤوي , نداوي ونطبب .. ثم نعلم من بعد ذلك , فمن لا يملك سقفاً يحميه ولقمة تغذيه ودواء يساعده على الشفاء , فلا جدوى من أن يتعلم .من لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم.