-A +A
عبدالله محمد الفوزان
كان طالبا جامعيا مثاليا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى... أخلاقه تأسر الآخرين... مظهره وهندامه يعجب الناظرين... إنسان ناضج ومحترم... جاد في المذاكرة ويحصل على أعلى الدرجات... حريص على حضور المحاضرات في وقتها.... يحاور ويناقش داخل الصف... متطلع للحياة والنجاح... محافظ على الصلاة... هكذا كان حال الطالب ( ع. ن )، حيث كان مضرب المثل بين أقرانه ومحل فخر واعتزاز أساتذته وفجأة ينقلب حاله في العام الدراسي الجديد إلى طالب مشاغب... يتغيب عن المحاضرات... رث الثياب... مفرداته بذيئة... ينام داخل الصف... يتشاجر مع زملائه... درجاته متدنية جدا... هجر الصلاة مع زملائه في بهو الكلية... وأخيرا انقطع نهائيا عن الدراسة الجامعية.
عين لم تصلِّ على النبي أصابت ابني... هكذا كان أبوه يظن... الأم تتألم وأحرقت دموعها وجنتيها من سوء تعامله معها... إخوته وأخواته لم يسلموا من كلامه الجارح والمؤذي للمشاعر واعتداءاته المتكررة. يا إلهي ماذا حدث لابننا؟ الكل كان يتساءل!!.

أخذه أبوه إلى الراقي الشرعي... كان الابن يتذمر من سماع آيات القرآن ويتهرب من التردد على الراقي... ابنك لا يخلو من عين حاسدة ويحتاج إلى استمرار الرقية قالها الراقي... استجاب الأب لرؤية الراقي ولكن من دون فائدة... قرر الأب الاستعانة بالطب النفسي لعله يجد ضالته هناك... إنها الفاجعة... ابنك يتعاطى الحبوب المخدرة... لا لا لا هذا غير معقول يا دكتور!!! أنت تتجنى على ابني... يستحيل أن يتعاطى ابني هذه الحبوب. يدور الأب حول نفسه وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة... مستحيل... مستحيل... لا يمكن أن أصدق... لن أعود إليك مرة أخرى... الراقي الشرعي أبخص منك يا دكتور فابني أصابته عين حاسد.
غادر الأب العيادة بصحبة الابن دون رجعة... ساءت حالة الابن أكثر فأكثر... الابن لا ينام... يتخيل أن هناك من يخطط لقتله... يشك في أمه وأخواته... يهدد الجميع بالقتل... يتوهم أنه التاجر المشهور... يحمل المصحف إلى داخل دورة المياه ويمزق أوراقه... يدعي الألوهية تارة والنبوة تارة أخرى.
يعود الأب إلى الطبيب النفسي بعد أشهر... أرجوك ساعدني يا دكتور... أتعبني وأشقاني هذا الابن... أمه لا تتوقف عن البكاء... إخوانه وأخواته في حيرة من أمرهم... نحن مهددون بالقتل في أية لحظة... خسرت ابني يا دكتور... أيعقل أنه كان يتعاطى الحبوب المخدرة؟ كيف؟ ومتى؟ وأين؟ ومن أين كان يحصل عليها؟ حسبي الله ونعم الوكيل.
انهار الأب وخارت قواه وذرفت دموعه... يقف ثم يجلس ثانية على الكرسي... يمسح دموعه بشماغه... ما العمل يا دكتور؟ من الواضح أن حالة ابنك تطورت إلى ما يعرف بالطب النفسي بـ«فصام الشخصية» وهو مرض نفسي مزمن ويصعب علاجه بسهولة... الحبوب المخدرة دمرت خلايا المخ ( يعني بالعامي ضرب فيوزه).
هذا علاج مهدئ أعطه إياه بانتظام... شكرا يا دكتور... انطلق الأب مسرعا إلى المنزل... ناول الحبة لابنه فرماها بعيداً... رفض ابني تناول العلاج يا دكتور... أرجوك ساعدني... أرجوك ساعدني... ما العمل؟ احمله إلى مستشفى الأمل، اقترح الدكتور... حاولت ولكنه رفض وأغلق على نفسه باب الغرفة. بلغ الشرطة وحملوه رغما عنه إلى مستشفى الأمل... تحقق للأب ما أراد ودخل الابن مستشفى الأمل بمعاونة الشرطة... قضى شهرا هناك ثم خرج فليس لدى المستشفى ما يمكن أن يقدمه أكثر مما قدم. حمله الأب إلى المنزل وما زالت المعاناة قائمة وضاعت الأحلام والطموحات... هكذا تفعل الحبوب المخدرة... وهكذا يفعل أصدقاء السوء في غفلة من الأهل... فانتبهوا لأبنائكم وبناتكم... انتهت القصة... فهل من معتبر؟ أرجو ذلك.
Dr_Fauzan_99@hotmail.com