-A +A
سمير عابد شيخ
إذا أراد رجل أعمال إنشاء مشروع وليس لديه المال الكافي، يمكن له أن يصدر أسهما يبيعها لمستثمرين يحصل منهم على المال ويكونون بذلك شركاءه في مشروعه. أمّا إذا كان لا يريد شركاء له، يمكنه أن يقترض إمّا من البنوك أو بإصدار (سندات) تثبت لحاملها أنّه أقرض الشركة مبلغا محددا لقاء فوائد يتقاضاها في أجلها. كذلك تفعل بعض الدول عندما تحتاج المال! تقوم خزينة الدولة بإصدار سندات بفئات وآجال محددة، تبيعها لمواطنيها أو لدول أخرى لقاء حصولها على مبالغ معلومة إضافة الى فوائد تعطيها للمقرضين في الآجال المحددة. سندات الخزانة الأمريكية هي الأشهر عالميا وتعتبر الادخار الأكثر أمانا في العالم، لكنّ هذه الميزة قد لا تدوم، ذلك أنّ مؤسسة (موديز)، المختصة بالتقييم المالي، أعلنت أن درجة الأمان والتميز لهذه السندات ستنخفض ما لم تسيطر الولايات المتحدة على ديونها الفلكية. ومع هذا ما زالت نفقات (بوش) العسكرية تفاقم أزمة الدين الذي ارتفع من 5,7 تريليون دولار عند تولّيه الرئاسة حتى تجاوز الـ9 تريليونات بنهاية 2007. فميزانية الدفاع الأمريكية المعتمدة لعام 2008 تفوق ميزانيات كافّة دول العالم مجتمعة! كما أنّ الميزانية الإضافية لحربي العراق وأفغانستان تفوق ميزانيتي روسيا والصين مجتمعتين! أمّا الميزانيات المتعلّقة بالإنفاق العسكري مثل المؤسسات الاستخباراتية والإنفاق على التجارب الجديدة والأبحاث فلقد تجاوزت تريليون دولار لأول مرّة في تاريخ الولايات المتحدة.
الإشكال هنا، هو أنّ هذه الأموال لا تخرج من الخزينة الأمريكية، بل من خزائن الدول الأخرى ـ مثل دول الخليج ـ التي تشتري هذه السندات بانتظام. ومن المعلوم أنّ تمويل الإنفاق الحكومي الأمريكي بالاقتراض من الغير يخلق مشكلتين: الأولى؛ أنّ زيادة الديون الخارجية بهذا الحجم يؤدي بالضرورة الى إثقال كاهل الاقتصاد الوطني الأمريكي وإضعافه. والثانية؛ أن هذه الديون ستؤدي إلى زيادة إضعاف الدولار الأمريكي، وضعف الدولار بالتالي يؤثّر سلبا على الدول المرتبطة بالدولار أمثالنا ويسعّر نيران الغلاء في أسواقنا. وبما أنّ الدولار يمثل نسبة معتبرة من احتياطيات الدول الأخرى، فضعفه أو انخفاض قيمته يعني أن الأموال التي في حوزة البنوك المركزية بهذه الدول ستنخفض أقيامها تباعا. وليتصوّر القارئ الكريم موقفه اذا أكتشف أنّ المائة ألف دولار التي يحتفظ بها في خزنته أصبحت لا تساوي سوى ستين ألفاً مثلاً!

ولقد تعمّقت جذور الأزمة بظهور كارثة الرهونات العقارية التي تعتبر السبب الرئيس لزيارة (بوش) للخليج، حسب استنتاج أحد المحللين الاقتصاديين الأمريكيين. ولقد تمكّنت كبرى البنوك الأمريكية من الحصول على عشرات المليارات من أثرياء وشركات خليجية عديدة. وما زالت الأخبار ترشح بتدفقات نقدية كبيرة من الخليج الى الشريان الأمريكي. ويعتقد الاقتصادي الأمريكي (شيفسكي) أنّ هذا أمر طبيعي، فلا يوجد هناك شيء اسمه دول ذات سيادة مستقلّة، بل هناك شبكة عملاقة من المصالح الدولية. فالعالم هو شركة قابضة عملاقة، والدولارات التي تغادر أمريكا يجب أن تعود اليها، ذلك هو المد والجزر الاقتصادي الدولي! ففي عام 2005 دفع الأمريكيون ربع تريليون دولار للبترول، لكنهم استعادوا كامل المبلغ إضافة إلى ثلاثمائة مليار دولار أخرى. هذا ما تتوقعه الولايات المتّحدة، وهذا ما يبدو هو محرك سياستها الاقتصادية بالخليج. فالأموال التي يدفعونها لنفطنا، يجب أن تعود لاقتصادهم بالإضافة الى فوائد اضافية. وهناك قناتان رئيستان لإعادة هذه الأموال: الأولى؛ هي بإبقاء أسعار البترول مقومة بالدولار حتى تعود الدولارات اليهم. والثانية؛ أن نستمر بشراء سندات اقتصادهم الذي يزداد وهناً على وهن! البعض يقول إنّ هذه بدايات مرض العملاق الأمريكي!
Samirabid@Yahoo.com