-A +A
فقد تابعت بشغف الحوار والنقاش الثائر الذي جرى على ساحة ملحق عكـاظ الديني حول قيادة المرأة للسيارة هذا النقاش الذي ما ان ترى انه قد انتهى حتى يظهر مجددا للعيان وكأنما يناقش لاول مرة.
ولست هنا بصدد الحديث حول السماح بقيادة المرأة للسيارة ولكني احببت ان اثير بعض ما أرى ان في معرفته ما يعطي المتأمل خبرة وحكمة في كيفية تعاطي المجتمع مع أي قضية من قضاياه الدينية او الاجتماعية او التربوية واليك بيان ذلك من خلال مثال “الخلاف حول قيادة السيارة” ان اغلب الذين يرون تحريم قيادة المرأة للسيارة يؤكدون على مسألة المفاسد التي ستؤدي اليها قيادة المرأة للسيارة ويطيلون النفس في بيان هذه المفاسد ولكن في حقيقة الامر ان تصور وجود هذه المفاسد هو بمثابة ردة فعل لا شعورية على الانفلاب الذي حصل للمرأة في بعض الدول الغربية والعربية لكثرة ما شاهدنا من صور جعلت المرأة وسيلة للافساد والاغراء وبسبب هذه النماذج السيئة سيطر علينا هذا الشعور المتوجس الخائف مما نتج عنه تضخيم هذه المفاسد وتوقع حصولها بمجرد قيادة المرأة للسيارة مما يؤدي احيانا ببعض طلاب العلم لدينا الى تصعيد حدة الخطاب وتصنيف المخالف في هذه المسألة بالذات على انه علماني او ليبرالي وحصر الخلاف في هذه المسألة بين “اسلامي سلفي” يرى التحريم وبين “علماني تحرري” يرى الجواز وهذا فيه مغالطة كبيرة وأكبر دليل على هذه المغالطة ما نراه مثلا في تعامل السلفية في مصر وهي سلفية تتعامل بنفس منهج السلف لدينا في محاربة القبور والشرك والبدع ومع ذلك فانك تجد شيوخ السلفية في مصر لا يحرمون قيادة المرأة للسيارة واذا اردت التأكد من ذلك فأضرب لك مثلا بالشيخ “ابي اسحاق الحويني” وهو من طلبة العلم المعروفين بل من الذين يصدرون في فتاواهم عن ابن باز وابن عثيمين والالباني -رحمهم الله- وهو من اكبر الداعين الى الاقتداء بهم ومع ذلك فهو يرى جواز قيادة المراة للسيارة مع ارتدائها للحجاب الشرعي وانظر الى موقع الشيخ في الانترنت لتجد فتواه الصوتية هناك.
والآن اعود بك الى نقطة الخلاف الرئيسية لماذا ترى السلفية في مصر جواز قيادة المرأة للسيارة في حين يرى اغلب المشايخ وطلبة العلم لدينا تحريم هذا الامر وأرجو الا نكرر مقولة “المفاسد” لان جميع المفاسد التي يتوقع حدوثها في السعودية لا تختلف عن المفاسد التي يتوقع حدوثها في مصر “والتفريق بين المتماثلين لا يجوز” بل ان الكثير من هذه المفاسد المطروحة على الساحة السعودية الان سبق وان طرحت بشيء من الاختلاف اليسير حين صدر قرار تعليم البنات في السعودية في عام 1380هـ ولم تحسم هذه المسألة الا بقرار سياسي اسقط الخلاف واذعن الجميع له.
ولأننا الآن نشأنا كجيل تعود على رؤية البنات يخرجن صباحا الى المدارس والجامعات والكليات لدرجة اننا صرنا نصف من يجرؤ على القول بحرمة ذهاب البنات الى المدارس بانه يحاول ان يلقي على اسماعنا فكاهة او طرفة مسلية الا ان هذه الطرفة او الفكاهة كانت قبل اربعين سنة امرا تقام من اجله المعارك الفقهية ويصنف الناس بناء عليه الى ملتزم وغير ملتزم والى منضبط ومتفلت!!.
وأكبر ما أريد ان اصل اليه من هذا النقاش ان مسألة قيادة المرأة عندنا في السعودية خاضعة “للعقل الجمعي” للمجتمع وخاصة كبار المشايخ وطلبة العلم وللنشأة الاجتماعية التي عاشها هؤلاء المشايخ اثر كبير في ميلهم الى تحريم قيادة المرأة للسيارة والا لو كان هؤلاء المشايخ قد نشأوا في غير بيئتنا هذه بحيث كانوا منذ نعومة اظافرهم يرون المرأة وهي تقود السيارة ثم جيء بهم بعد ان كبروا وشبوا الى السعودية لرأينا كثيرا من هذه المفاسد المتوقعة ويزول ويتلاشى خاصة ونحن نعلم انه ليس هناك دليل واضح من الكتاب والسنة على التحريم وانما هي اجتهادات للفقهاء فيما يجلب المصلحة ويدرأ المفسدة ومعلوم ان هذه الاجتهادات مبنية على تجارب وتصورات الفقيه الشخصية بالاضافة الى قاعدته الشرعية فما يراه الفقيه في المغرب العربي يحقق المصلحة قد يراه الفقيه في الهند وسيلة من وسائل المفسدة ونحن هنا نتحدث عما لا نص فيه واما الامور المنصوص عليها كتحريم الربا والزنا وغيرها فليس مدار حديثنا الآن.
وفي الختام فاني اطلب وأرجو من الجميع فقهاء وغير فقهاء ان يقفلوا باب النقاش حول هذه القضية لان فيه من استهلاك الجهد والطاقة ما لو تم توفيره في مجالات هي اوضح وأظهر في حلها او حرمتها لكان اجدى واولى وليتركوا هذه المسألة الى القرار السياسي المبني على النظر المصلحي فما يراه الامام في هذه المسألة هو النظام والقانون الذي يجب على الجميع الالتزام به لانه من امور المصالح المرسلة.
اما لو تركت هذه المسألة لتصويت الشعب ورغبته فحينها لكل من الفقهاء وغيرهم ان يقنعوا من شاءوا بما شاءوا.

راشد محمد الشريف - تربة