-A +A
يوسف حمادي (الرباط)
يرى الباحث والمفكر المغربي، عبدالقادر العالمي، وفي نفس دائرة النقاش الفكري الذي أثاره تصريح الدكتور عبد الوهاب المسيري لـ (الدين والحياة) قبل عددين عندما قال بأن العلمانية ليست ظاهرة جزئية بل نموذج شامل للحياة بأدوات جديدة، أن من المرتكزات الأولية والأساسية التي قامت عليها الحداثة، الثورة على الكنيسة، والدعوة إلى التحرر الفكري من سيطرتها، ومن النفوذ الواسع الذي كان يتمتع به رجال الدين، واحتكارهم للعلم والمعرفة، وإقامة أنفسهم وسطاء بين الله والناس، فيكفرونهم، ويحرمونهم من الجنة، وكأنهم يمتلكون مفاتيحها، ويقبلون توبتهم، ويمنحونهم صكوك الغفران، فكان رد الفعل هو مناهضة المفكرين لوصاية رجال الدين على العقول، وتحكمهم في الفكر، ودعوتهم لترك العلاقة بين الله والناس مباشرة وبدون وساطة، فهو وحده، سبحانه وتعالى، الذي يحكم بالحرمان من الجنة، أو يقبل الغفران. ويذهب البعض، يضيف رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، إلى القول بأن هذا التوجه كان متأثرا بما كان شائعا بين العلماء والمتعلمين في أوروبا من المعارف الإسلامية، ومن تعاليم القرآن الكريم، ومن كتابات المفكرين والفلاسفة المسلمين. لكن وبعد مراحل من تطور الفكر الفلسفي في الغرب، يشرح الأستاذ العالمي، أصبحت الثورة المعلنة على الكنيسة ورجال الكهنوت، ثورة على الدين نفسه، ومن هنا جاءت مقولة الفيلسوف (نيتشه) الشهيرة: «قد مات الإله» وأضحى تنظيم شؤون المجتمع وأفراده لا علاقة له بالدين، وراج شعار «الإنسان يصنع تاريخه».
وهذا التطور الحاصل في موقف العلمانية من الدين، قد يكون هو سبب اختلاف الناس في فهم كنهها، وفي موقفهم منها، لأنها إذا كانت تقول بإزالة وساطة الكنيسة ورجال الدين لتبقى علاقة الناس بربهم مباشرة، ورفع الوصاية عن عقل الإنسان وحرية تفكيره، فهي بهذا الموقف لا تلغي الدين، وإنما تصحح مفاهيم لا يقبلها العقل، وبهذا المعنى لا يوجد في العلمانية ما يدعو لرفضها من طرف المتدينين، أو التحفظ منها، وخاصة المسلمين منهم، لما ينطوي عليه المعنى المذكور من انسجام مع تعاليم الإسلام. أما إذا أُخذت العلمانية على معنى إلغاء الدين، وإنكار وجود الله، فإنه من البديهي أن تكون مرفوضة من طرف معتنقي جميع الديانات، وليس من قبل المسلمين وحدهم، علما بأن المناطق التي شهدت ميلاد الحداثة، لم يختف منها الدين.