-A +A
سمير عابد شيخ
قالوا له عمّ تبحث هنا تحت عمود الإنارة! قال إنه يبحث عن سلسلة مفاتيحه الضائعة. قالوا وكيف فقدتها! قال ربما سقطت عند زاوية الشارع عند عودته من المسجد. قالوا ولماذا تبحث هنا! أجاب بأن زاوية الشارع مظلمة، أمّا هنا تحت عمود النور فإنّه يستطيع أن يرى بوضوح! تحضرني هذه القصة عندما أسمع جيراني يتحدثون عن الغلاء، فهم ينظرون في الأماكن التي يرونها بوضوح وهي المتاجر والأسواق، بينما تترعرع الأزمة في زاويا أخرى لا يبصرونها!
فهذا الغلاء يظهر ببساطة عندما توجد أموال أكثر من وجود السلع المطلوبة، فترتفع أسعار الأراضي حول الحرمين الشريفين مثلا، لأنّ أموالا طائلة تطارد أراضي قليلة. ولكن قد يجادل البعض بأن الأموال بأيدي الناس قليلة والسلع المطلوبة، خصوصا المواد الغذائية مثل الأرز تملأ مستودعات التجّار! فلماذا يغلى الأرز وباقي السلع إذن! والإجابة هي أنّ وفرة المال في حالتنا هي لدى خزينة الدولة جرّاء ارتفاع أسعار البترول. هذه الوفرة مكّنت الدولة من إطلاق مشاريع بمليارات الريالات منها المدن الاقتصادية والإسكان والجامعات والمستشفيات وغيرها. كل هذه المشاريع تؤدي الى رفع أقيام الأراضي بقرب هذه المشاريع وكذلك ترفع تكلفة مواد البناء من الألف الى الياء! هذا إذن السبب الأول للغلاء.

ثانيا: نحن نستورد معظم أغذيتنا من الخارج، والاستيراد تتم عادة بالعملات الصعبة مثل الدولار واليورو والجنيه الاسترليني وغيرها. وعملتنا مرتبطة بالدولار الأمريكي الذي تناقصت قيمته خلال الأعوام الأخيرة. فعندما نشترى أغذيتنا من أية دولة غير الولايات المتّحدة، سنجد أن تلك الأغذية أغلى سعرا لأن ريالاتنا تفقد قيمتها طبقا لما يفقده الدولار. فربط عملتنا بالدولار هو العامل الثاني لغلاء الأسعار.
ثالثا: تتعرّض كافّة اقتصادات العالم للغلاء؛ فالسلعة التي كنّا نشتريها بألف ريال قبل خمسة أعوام مثلا، أصبحت تساوي ألفا وثلاثمائة ريال. لهذا فعندما نستورد السلع من الخارج نستورد الغلاء معها!.
رابعا: تتوجه عدد من الدول وعلى رأسها الولايات المتّحدة لتحويل العديد من المحاصيل الزراعية مثل الذرة والصويا وقصب السكّر الى إنتاج وقود حيوي يسمى (الايثانول). جدير بالتذكير أن ادارة (بوش) دفعت أكثر من ثلاثة مليارات دولار لدفع هذه العملية، ولقد تبعت مجموعة دول مثل الهند والصين وغيرهما خطوات الولايات المتحدة، نتج عن هذا شيئان؛ أحدهما ارتفاع تكلفة المواد الغذائية وثانيها التدافع لاستثمار الأراضي الزراعية.
خامسا: أدى الازدهار الاقتصادي في الصين والهند لتزايد استهلاك المواد الغذائية، مما رفع أسعارها.
سادسا: لأن النفط يعتبر عنصرا أساسيا في كل حركة اقتصادية، فان ارتفاع سعر البرميل الى حدود المائة دولار أدّى لارتفاع كل انتاج اقتصادي في العالم.
سابعا: أدّى اختلال المناخ لفساد محاصيل أخرى مؤديا الى تفاقم الأزمة.
ثامنا: تقوم الشركات الأجنبية بتسعير بضائعها ليس استنادا على تكلفتها، ولكن تبعا لارتفاع الدخل. فقد تجد المنتج الفلاني يباع بدولار ونصف في مصر، ويباع المنتج ذاته بدولارين في السعودية، فالشركات الأجنبية تراقب بدقّة التطورات الاقتصادية بكل بلد، فكلّما ارتفع دخل الفرد رفعت الشركات أسعارها.
تاسعا: هناك شائعات قوية بأنّ الدولة ستوقف الدعم عن القمح بسبب شح المياه، ذلك مما يجعل البعض يخزّن الدقيق ويرفع أسعاره. عاشرا: .. حيث إنّ الغلاء يأتي على مراحل؛ فالشحنات الأقدم من الأرز مثلا تكون أقل تكلفة من الشحنات الأخيرة. لكن بعض التجار ـ هداهم الله ـ يسعّرون كافة المخزون بمستودعاتهم بسعر الشحنات الجديدة. وهم بذلك يرفعون الأسعار فوق الغلاء المستورد من الخارج.
هكذا نرى تعدد أسباب الغلاء.. ويبدو لي أننا نستورد معظمها من الخارج، وعلى تجّارنا ألا يشتركوا في تأجيج نيران هذه الأزمة، وعلى المواطنين أن يرشّدوا استهلاكهم؛ فمساعي الدولة ـ وفقها الله ـ واضحة، وحقا للدولة الصالحة أن يكون مواطنوها صالحين.
Samirabid@Yahoo.com