-A +A
ديفيد ايغناطيوس
يبدو أن الدور الأمريكي المستقبلي في العراق، قد بدأت أُطره تتحدّد، من خلال قضيتين، تجري مناقشتهما حالياً في بغداد وواشنطن، الأولى هي الجدل القائم داخل صفوف إدارة بوش، حول الجدول الزمني لخفض عديد القوات الأمريكية هذا العام، والثانية، هي المفاوضات الأمريكية- العراقية بشأن الوضعية القانونية للقوات الأمريكية التي ستبقى في العراق بعد عام 2008.
وهذه النقاشات تجري ضمن إطار قناعة بأنّ السياسة الأمريكية في العراق، قد بدأت، أخيراً، تعطي ثمارها، وبأنه يجب إيجاد إطار عملي للحفاظ على المكتسبات الأمنية التي تحققت خلال العام المنصرم. لكنّ هذا التخطيط العسكري لا ينسجم بسهولة مع المزاج السياسي داخل أمريكا والعراق، حيث لا يزال الرأي العام متشككاً بشأن الاحتلال العسكري الأمريكي، حتى لو كان في طور تحقيق أهدافه.

إن التقدم هنا، لا يمكن إنكاره، سواءً على صعيد الأمن على الأرض، أو على صعيد الحوار السياسي بين الفرقاء والأحزاب في العراق. فالشعب العراقي لم يعد يتذمَّر من الأوضاع الأمنية بل من سوء الخدمات.
والسؤال هو هل هذه النهضة العراقية قادرة على الاستمرار في الوقت الذي تخفض أمريكا عديد قواتها المقاتلة؟ فالجيش العراقي لا يزال بعيداً عن المستوى الذي يؤهله الإمساك بالمسؤولية الأمنية الكاملة في البلاد. وقد تمضي سنتان قبل أن يصبح قادراً على التصرف بشكل مستقل تماماً عن القوات الأمريكية.
ويتمحور الجدل والنقاش حول المدة الزمنية التي تتطلبها عملية إعادة تقييم الوضع بعد انسحاب كامل القوة الإضافية الأمريكية، في نهاية يوليو القادم. والجنرال «بيتريوس» القائد الميداني الأعلى، لا يريد المجازفة بخسارة ما حققه على الصعيد الأمني، ويرغب بفترة زمنية لإعادة التقييم لا تقلّ عن ثلاثة أشهر، وقد يطلب إبقاء جميع تلك القوات في العراق حتى نهاية عام 2008، والرئيس بوش الراغب في ترك منصبه في يناير القادم، قد يرفض أيضاً أي خفض إضافي للقوات في العراق.
غير أن وجهة نظر معاكسة تفضل حصول عملية تسلسلية ومتواصلة للإنسحاب، تتلاءم مع الرغبة السياسية في كل من أمريكا والعراق، وأصحاب هذه النظرية، ومنهم ضباط بارزون في القيادة الوسطى، يتخوفون من أن الحفاظ على عديد القوات، كما كان قبل الزيادة الأخيرة، سوف ينعكس سلباً على الجيش الأمريكي.
وهناك أيضاً عامل الخطر السياسي، وهذا يعني أنه إذا أبقى الرئيس بوش قوة كبيرة في العراق، حتى نهاية ولايته مطلع عام 2009، فإن الرئيس التالي يمكن أن يُصدر أمراً يقضي بإجراء تغيير سريع في السياسة، أي بتخفيض كبير ومفاجئ في عديد القوات في العراق، وهذا يمكن أن تكون له تداعيات كارثية على الأمن في العراق، ولذلك طالب مسؤولون في البنتاجون، وقيادة الجيش بإجراء الانسحاب بشكل تسلسلي ومتواصل، الأمر الذي يسمح للعراقيين والأمريكيين بوضع مخططات واضحة للعمليات خلال عام 2009 وما يليه. في غضون ذلك، بدأ مسؤولون أمريكيون بالتفاوض مع مسؤولين عراقيين، بشأن الوضع القانوني، لما سيتبقى من قوات أمريكية في العراق، في 2009، وما بعده. والهدف من وراء ذلك هو التوصل إلى «اتفاقية أمنية» جديدة، لتحل مكان التفويض الدولي الذي ينتهي مع نهاية العام الجاري. وإذا لم يأخذ المخططون الواقع السياسي الفعلي، من ضمن حساباتهم، وإذا لم يطمئنوا العراقيين والأمريكيين على السواء، بأن معظم القوات الأمريكية سوف ينسحب تدريجياً من العراق، فإن الأمر سيتحول إلى «مهمة مستحيلة» جديدة.
* كاتب في «واشنطن بوست»
ترجمة: جوزيف حرب