-A +A
فاطمة بنت محمد العبودي
أمسكت الممرضة السعودية ذراع الفتى ذي السنوات العشر وأخذته جانباً وهمست في أذنه، ألست رجل البيت؟ ألا تغار على أختك؟ أجاب بلى، قالت، لماذا لا تنصح أختك، أنت مسؤول عنها!!
حدث هذا الموقف عندما حضرت الفتاة ذات الثمانية عشر ربيعاً إلى العيادة تتقدم والدتها وأخاها الصغير، وقد وضعت غطاء الرأس على كتفيها، وشعرها المصبوغ باللون الأحمر ينبئ عن شخصية متمردة، وتبدو والدتها منكسرة عديمة الحيلة، كان الأولى بالممرضة ـ إن أحبت أن تأمر بالمعروف ـ أن تنصح الفتاة بنفسها، لا أن تلقن الفتى مفاهيم خاطئة عن الوصاية على أخته الكبرى.

بمثل هذه الأساليب تربي بعض الأسر أبناءها، ينشأ الفتى معتقداً أنه أكثر تعقلاً من أخته وبأنه وصي عليها، من حقه التحكم في تحركاتها وضربها حتى لو كانت أكبر منه سناً، وتربى الفتاة على الشك، والفتى يربى على الثقة والتسلط، وفي مثل هذه البيئة ينمو العنف ضد المرأة، فمن اعتاد على ضرب أخته سيضرب زوجته مستقبلاً، ومن تربت على تحكّم أخيها فيها ستربي أبناءها لا شعورياً على ذلك، فللموروث الثقافي، في رأيي، دور كبير في التحريض على العنف.
العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية، والإحصائيات الدالة على ذلك متوفرة عبر الإنترنت، وتشترك الدول في بعض أسبابه وتختلف في بعضها، لكن ما يهمني هنا هو الإساءة إلى المرأة في مجتمعنا، الذي زاد الطرح عنه في صحفنا اليومية مؤخراً، فلا تكاد تخلو صحيفة من قصة أو أكثر عن نساء وفتيات تعرضن للإساءة البدنية والنفسية من بعض أقاربهن الرجال.
وقد يكون السبب زيارة مبعوثة الأمم المتحدة لمناهضة العنف ضد المرأة، إلى السعودية في الأسبوع الماضي، ومقابلتها عدداً من نزيلات الدور الاجتماعية ودور الإيواء ممن تعرضن للعنف الأسري، ومن بينهن فاطمة، طليقة النسب، وزيارتها عدداً من الجامعات السعودية في جولة استطلاعية للتأكد من عدد من القضايا الساخنة المثارة عالمياً عن المرأة السعودية ومن بينها عدم قيادة المرأة للسيارة ونقص فرص العمل المتاحة.
إن التربية الأسرية أولاً هي التي تحدد طريقة تعامل الرجل مع المرأة؛ فالمجتمع يحتاج إلى توعية، والمناهج الدراسية ينقصها فصول في ذلك، فكما تُعلّم الفتاة أن تطيع زوج المستقبل وتحترمه، يعلم الفتى حسن التعامل مع المرأة، ولنا في سيرة نبينا الحبيب أسوة حسنة.
هذا عن الخطط طويلة المدى.. أما الخطط العاجلة، فأرى ضرورة وجود خط ساخن تستخدمه من تتعرض للإساءة من النساء، فتتم مساعدتها فوراً من المختصين، إلى جانب توفير دور إيواء في جميع مدن السعودية، وتطبيق العقوبة الشرعية على من تثبت إساءته بدون تأخير، وعدم الانتظار حتى يصل الإيذاء إلى القتل، من مبدأ أن العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، وإعلان ذلك في وسائل الإعلام ليكون عبرة لغيره وليرتدع من تسول له نفسه الإساءة إلى من تحت وصايته من النساء.
fma34@yahoo.com