كثير من الناس يسأل، إذا كان الصيام بهذه الدرجة من الإيجابية المتكاملة، فلماذا يواجه المسلمون ما يواجهونه اليوم، ولماذا صاروا عبئا على البشرية، أو بعبارة أخرى لماذا لا تظهر آثار الصيام الاجتماعية والخُلقية في حياة المسلمين العملية؟
إننا نصوم الشهر كله، ومع كل هذا التنظيم الرمضاني الدقيق، لماذا لم تستطع تجربة رمضان الشاقة خلال أربعة عشر قرناً أن تغرس في نفوس المسلمين معانيَ الاهتمام بالوقت والنظام والصبر وما نحا نحوها من كريم السجايا؟
في رأي كاتب هذه السطور، لا ينبغي البحث عن السبب في (روايات الشرع) وإنما في (رأي الشرع) بمفهومه الأوسع.
إن الصيام وكافة أركان الإسلام ليست مجرد فرائض تنتهي مهمة الإنسان بأدائها، بل المفروض أن ينظم المسلم حياته حسب بوصلتها ويرمق العالم من منظارها.
إن أركان الإسلام يتجاذبها بُعدان، أحدهما أخروي وثانيهما دنيوي، أحدهما فيزيائي والثاني ميتافيزيقي، أحدهما غيبٌ والآخر شهادة، أحدهما عقيدةٌ وثانيهما عمل، أحدهما يجري في ميادين القلب وثانيهما يغوص في أعماق العقل، أحدهما له صبغة روحية بحتة وثانيهما له صبغة مادية، وفي النهاية أحدهما أرضي والآخر سماوي. في الأديان الأحادية البُعد يمكن أداء الصلاة دون وضوء ولكن في الإسلام نجد أن الطهارة ذات طابع مادي.
يمكن للإنسان أن يلمح البُعد المادي الأرضي للصيام في صلاة التراويح التي تبرز معاني المساواة والوحدة والتضامن والنظام من جهة، ومواجهة الانزواء والعزلة بمفهومها السلبي من جهة أخرى. إن توقف الإنسان عن استهلاك الطعام في وقت معين وإفطاره في وقت معين قبل أن يكون حكماً فقهياً فهو سنة يُظهر تنظيم الوقت والانضباط في حياة الإنسان. وهكذا صدقةُ الفطر فهي ليست حركة موسمية وإنما هي رسالة ومشروع. إن مكابدة الجوع ليست مجرد إحساس وإنما هي إعْمالٌ لتعاليم دين الإنسانية. إن تنظيم الوقت والطهارة والتكافل والتعاون ليست مجرد أحكام فقهية وإنما هي قيمٌ لها وشائج بالصبغة الدنيوية الطبيعية للإسلام والتي تسري في منظومة هذا الدين بأكملها. إن العبادة في المقام الأول تعمر دنيا المرء وتضم إلى عمارة دنياه الفوزَ بالجزاء الحسن في الآخرة.
وهل يا ترى من الممكن أن نضيف إلى كل هذا الاهتمام بالجانب الغيبي للصيام شيئا من الاهتمام بطبيعة الصوم الدنيوية، وأن نخلط غيثَ الوحيِ بطينة الواقع لكي نهيئ الفرصة لإنبات الحضارة في واقعنا؟ هل من الممكن أن نجعل الصيام مدرسة للتدرب على القيم الإنسانية الكبرى ونجعل العبادة تدخل جهاز وعينا وتصبح جزءا من ثقافتنا؟ أرجو ذلك!
* محاضر بجامعة (إس إم يو) بولاية تكساس الأمريكية سابقا
إننا نصوم الشهر كله، ومع كل هذا التنظيم الرمضاني الدقيق، لماذا لم تستطع تجربة رمضان الشاقة خلال أربعة عشر قرناً أن تغرس في نفوس المسلمين معانيَ الاهتمام بالوقت والنظام والصبر وما نحا نحوها من كريم السجايا؟
في رأي كاتب هذه السطور، لا ينبغي البحث عن السبب في (روايات الشرع) وإنما في (رأي الشرع) بمفهومه الأوسع.
إن الصيام وكافة أركان الإسلام ليست مجرد فرائض تنتهي مهمة الإنسان بأدائها، بل المفروض أن ينظم المسلم حياته حسب بوصلتها ويرمق العالم من منظارها.
إن أركان الإسلام يتجاذبها بُعدان، أحدهما أخروي وثانيهما دنيوي، أحدهما فيزيائي والثاني ميتافيزيقي، أحدهما غيبٌ والآخر شهادة، أحدهما عقيدةٌ وثانيهما عمل، أحدهما يجري في ميادين القلب وثانيهما يغوص في أعماق العقل، أحدهما له صبغة روحية بحتة وثانيهما له صبغة مادية، وفي النهاية أحدهما أرضي والآخر سماوي. في الأديان الأحادية البُعد يمكن أداء الصلاة دون وضوء ولكن في الإسلام نجد أن الطهارة ذات طابع مادي.
يمكن للإنسان أن يلمح البُعد المادي الأرضي للصيام في صلاة التراويح التي تبرز معاني المساواة والوحدة والتضامن والنظام من جهة، ومواجهة الانزواء والعزلة بمفهومها السلبي من جهة أخرى. إن توقف الإنسان عن استهلاك الطعام في وقت معين وإفطاره في وقت معين قبل أن يكون حكماً فقهياً فهو سنة يُظهر تنظيم الوقت والانضباط في حياة الإنسان. وهكذا صدقةُ الفطر فهي ليست حركة موسمية وإنما هي رسالة ومشروع. إن مكابدة الجوع ليست مجرد إحساس وإنما هي إعْمالٌ لتعاليم دين الإنسانية. إن تنظيم الوقت والطهارة والتكافل والتعاون ليست مجرد أحكام فقهية وإنما هي قيمٌ لها وشائج بالصبغة الدنيوية الطبيعية للإسلام والتي تسري في منظومة هذا الدين بأكملها. إن العبادة في المقام الأول تعمر دنيا المرء وتضم إلى عمارة دنياه الفوزَ بالجزاء الحسن في الآخرة.
وهل يا ترى من الممكن أن نضيف إلى كل هذا الاهتمام بالجانب الغيبي للصيام شيئا من الاهتمام بطبيعة الصوم الدنيوية، وأن نخلط غيثَ الوحيِ بطينة الواقع لكي نهيئ الفرصة لإنبات الحضارة في واقعنا؟ هل من الممكن أن نجعل الصيام مدرسة للتدرب على القيم الإنسانية الكبرى ونجعل العبادة تدخل جهاز وعينا وتصبح جزءا من ثقافتنا؟ أرجو ذلك!
* محاضر بجامعة (إس إم يو) بولاية تكساس الأمريكية سابقا