قال غسان كنفاني يوماً «اصنع من نفسك رجلاً لا يحتاج في اليوم الصعب إلى ملجأ»، لا يبدو أن هذا المبدأ قد اكتشفه كنفاني مبكراً، فقد تجاوز الأديب الفلسطيني الشهير البحث عن ملجأ في بداية حياته إلى البحث عن بلدٍ للجوء، بعد أن اقتُلِعَ وعائلته عام 1948 وهو في عمر (12 عاماً) من يافا، بعد مسقط رأسه في عكا، لتبدأ بعدها رحلة النزوح إلى لبنان ثم سورية، متردداً على أية دولة في المنطقة إلا فلسطين.
لم يكن قرار الغربة سهلاً، لكنه كان جزءاً من فلسفة الرفض التي سكنت الكنفاني، فقد كانت حياته سلسلةً وجملة من الرفض تتشكل في شخصية متناقضة، فرغم رفضه المدرسة إلا أنه كان أديباً، ورغم نقده ثورات العسكر إلا أنه كان ثائراً، كما أنه اهتمّ بالأدب الصهيوني رغم كونه مقاوماً.
عاش غسان مسفاراً بحثاً عن أرضٍ يزرع فيها جنته، كما قال يوماً، فبعد الخروج من فلسطين عمل في دمشق، ثم الكويت وبعد ذلك في بيروت، وتردد على القاهرة في فترة من فتراته، إلا أن التربة في كل تلك البلدان لم تكن خصبةً كفاية ليزرع جنةً فيها.
لم يدرك ذلك إلا في يوليو 1972 وربما لم يدرك، عندما كان اسمه ضمن قائمة طويلة من كتّاب المقاومة التي بدأت إسرائيل بتصفيتهم واحداً تلو الآخر، ليختار غسان بعدها أن يزرع جنته في السماء. إذ عندما حان دور «كنفاني» كان عدد من العبوات الناسفة في انتظاره وليست واحدة، فـ«غسان» لا تكفيه موتة واحدة.
لم يكن الاغتيال مفاجئاً بالنسبة له، لقد كان قدراً منتظراً منذ قرر مرةً أن الشمس لا يمكن أن تظهر في غرفة مغلقة، ليبدأ رحلة البحث عنها لكن بطريقته التي يفهمها.
18 كتاباً، ومئات المقالات والدراسات في الثقافة والسياسة، روايات وقصص قصيرة، ومسرحياتٌ كانت حصيلة عملية البحث، تُرجمت معظمها إلى 17 لغة ونُشرت في أكثر من 20 بلداً، وتمّ إخراج بعضها في أعمال مسرحية، وبرامج إذاعية في بلدان عربية وأجنبية عدة، اثنتان من رواياته تحولتا إلى فيلمين سينمائيين، وما زالت أعماله الأدبية التي كتبها بين عامي 1956 و1972 تحظى باهتمام متزايد.
انتهى الركض فجأة، وظل العالم يعيد إنتاج كتاباته لأكثر من 40 عاماً تلت اغتياله، حتى قرر أحدهم أن سر غسان الكبير هو سرٌ مع كل قرائه، لتنشر غادة السمّان جملة رسائله لها التي كانت تستمتع بقراءتها ومن ثم تتجاهلها، ليس لشيء سوى أنها تستمتع بحبه المفرط لها، كما كان يستمتع -وفقاً للرسائل- بمهارة التجاهل التي كانت تشغله عن آلام النقرس والسكري وهو ينتظر ساعي البريد على شرفته دون جدوى.
كان ذلك ينجح فعلاً، فقد قال لها في إحدى رسائله «الوطن ليس بالضرورة قطعة أرضٍ كبيرة، قد يكون مساحةً صغيرة جداً حدودها كتفان».. من تحدث عن النقرس؟ أو السكري؟ هناك ما يؤلم غسان أكثر، تلك المساحات الصغيرة جداً، وهو ما يجعلنا نعيد التفكير في ذكرى وفاته بمقولته الشهيرة «لا تمت قبل أن تكون نداً».. فهل كان الكنفاني نداً لقلبه؟!.
لم يكن قرار الغربة سهلاً، لكنه كان جزءاً من فلسفة الرفض التي سكنت الكنفاني، فقد كانت حياته سلسلةً وجملة من الرفض تتشكل في شخصية متناقضة، فرغم رفضه المدرسة إلا أنه كان أديباً، ورغم نقده ثورات العسكر إلا أنه كان ثائراً، كما أنه اهتمّ بالأدب الصهيوني رغم كونه مقاوماً.
عاش غسان مسفاراً بحثاً عن أرضٍ يزرع فيها جنته، كما قال يوماً، فبعد الخروج من فلسطين عمل في دمشق، ثم الكويت وبعد ذلك في بيروت، وتردد على القاهرة في فترة من فتراته، إلا أن التربة في كل تلك البلدان لم تكن خصبةً كفاية ليزرع جنةً فيها.
لم يدرك ذلك إلا في يوليو 1972 وربما لم يدرك، عندما كان اسمه ضمن قائمة طويلة من كتّاب المقاومة التي بدأت إسرائيل بتصفيتهم واحداً تلو الآخر، ليختار غسان بعدها أن يزرع جنته في السماء. إذ عندما حان دور «كنفاني» كان عدد من العبوات الناسفة في انتظاره وليست واحدة، فـ«غسان» لا تكفيه موتة واحدة.
لم يكن الاغتيال مفاجئاً بالنسبة له، لقد كان قدراً منتظراً منذ قرر مرةً أن الشمس لا يمكن أن تظهر في غرفة مغلقة، ليبدأ رحلة البحث عنها لكن بطريقته التي يفهمها.
18 كتاباً، ومئات المقالات والدراسات في الثقافة والسياسة، روايات وقصص قصيرة، ومسرحياتٌ كانت حصيلة عملية البحث، تُرجمت معظمها إلى 17 لغة ونُشرت في أكثر من 20 بلداً، وتمّ إخراج بعضها في أعمال مسرحية، وبرامج إذاعية في بلدان عربية وأجنبية عدة، اثنتان من رواياته تحولتا إلى فيلمين سينمائيين، وما زالت أعماله الأدبية التي كتبها بين عامي 1956 و1972 تحظى باهتمام متزايد.
انتهى الركض فجأة، وظل العالم يعيد إنتاج كتاباته لأكثر من 40 عاماً تلت اغتياله، حتى قرر أحدهم أن سر غسان الكبير هو سرٌ مع كل قرائه، لتنشر غادة السمّان جملة رسائله لها التي كانت تستمتع بقراءتها ومن ثم تتجاهلها، ليس لشيء سوى أنها تستمتع بحبه المفرط لها، كما كان يستمتع -وفقاً للرسائل- بمهارة التجاهل التي كانت تشغله عن آلام النقرس والسكري وهو ينتظر ساعي البريد على شرفته دون جدوى.
كان ذلك ينجح فعلاً، فقد قال لها في إحدى رسائله «الوطن ليس بالضرورة قطعة أرضٍ كبيرة، قد يكون مساحةً صغيرة جداً حدودها كتفان».. من تحدث عن النقرس؟ أو السكري؟ هناك ما يؤلم غسان أكثر، تلك المساحات الصغيرة جداً، وهو ما يجعلنا نعيد التفكير في ذكرى وفاته بمقولته الشهيرة «لا تمت قبل أن تكون نداً».. فهل كان الكنفاني نداً لقلبه؟!.