-A +A
جولة:عبدالعزيز معافا-ضمد
الوصول الى "المقبورة" غير متاح الا بعبور جبال الحشر، ويقول سكان القرية ان للبلدة من اسمها نصيباً وافراً .. فالخدمات كما يصفها سلمان سليمان قبرت منذ زمن وتنتظر من يبعث فيها الحياة ولعل من مفارقات بلدة المقبورة انها تدفن موتاها في ساحات المنازل وعلى جوانب الطرقات بسبب قلة المساحة المتوفرة في فضاء القرية التي يقطنها نحو 2500 نسمة .. الحديث عن نقص الخدمات لا يمكن تجاوزه إلا بالتطرق الى معاناة السكان مع مياه الشرب وفقر مركز الرعاية الصحية وخطوط الطريق التي تقطعها كتل الصخور في مواسم الامطار والسيول وبرج الهاتف الصامت والغرباء الذين يحتشدون في المقبورة دون حسيب او رقيب الى جانب المستنقعات التي يعتبرها السكان بيئة خصبة للأمراض الفتاكة .. ويقف المركز الصحي عاجزاً عن اصلاح الحال. تعبر السيارة طرقا خلوية قاسية قبل الوصول الى قرية "الجانبة" ثم تنحرف غرباً قاصدة المقبورة, ويعد طريق الجبل هو المعبر المحوري للسكان الى الطريق الدولي الرابط بين جازان وعسير, ويتحدث السكان عن مآس ومفقودين وضحايا راحوا نهباً للطريق الخطر الذي لا يمكن تجاوزه الا بمغامرة غير محسوبة العواقب .. ويعود سلمان للقول ان بلدة المقبورة قبرت نفراً عزيزاً من السكان بعد ان التهمهم الطريق الوعر ..
السقيا من المطر

ازمة المياه اجبرت الأهالي على البحث عن حلول ذاتية, اذ حفر السكان احواضاً لتجميع مياه الأمطار داخل بيوتهم ويخشى الناس ان يؤثر ذلك على الوضع الصحي كما يقول مسفر سلمان اذ تقدم سكان البلدة بعشرات الشكاوى دون مجيب بعد ان باتوا تحت رحمة باعة المياه الذين استغلوا حاجة المقبورة من الماء الصالح للشرب وضربوا بأسعارهم الأرقام القياسية اذ وصل سعر الناقلة في المناطق الجبلية الى اكثر من 250 ريالاً!
ويتهم قاسم الحريصي مياه الشرب الملوثة في حدوث حالات مرضية بين السكان ويأمل من الجهات المعنية وضع حلول حاسمة تضمن مستقبلاً صحياً سليماً لسكان المقبورة..
جنين في ونيت
وللاستدلال على تواضع مستوى الخدمات الصحية يروي جابر مفرح قصة ذلك المواطن الذي شعرت زوجته بآلام المخاض في وقت متأخر من الليل فنقلها في سيارته المكشوفة قاصداً مستشفى صبيا وسط ظروف مناخية بالغة القسوة وطريق وعر .. ووضعت الزوجة جنينها في حوض السيارة في مشهد لن ينساه زوجها .. ويخشى جابر حدوث ذات السيناريو مرة اخرى مع استمرار وضع المركز الصحي على حاله. ويصف السكان المركز بأنه يتيم وفقير ..لا دواء ولا اجهزة تقنية ولا كوادر مؤهلة فالمركز يديره طبيب وممرضة يقفان عاجزين امام الحالات, ومن المفارقة العجيبة ان المركز يفتقر الى الادوية الحيوية المنقذة للحياة مثل عقاقير السكر ويضطر المرضى للسفر الى القرى والمدن المجاورة لشراء حاجاتهم من الادوية المنقذة للحياة وهو امر يستغرب له سليمان الحريصي .. فالمواطن مداوي سالم المصاب بداء السكري يضطر إلى شراء الدواء من الصيدليات الخاصة معتمداً في ذلك على اجره المحدود من الضمان.
خدمة ذاتية
ويتحدث مفرح مشعوي مدير مدرسة التحفيظ بالمقبورة عن ضرورة الاهتمام بصحة البيئة منتقداً بشدة تردي النظافة العامة في البلدية وسط صمت مطبق من بلدية فيفا مشيراً الى عدم وجود حاويات نظافة فضلاً عن اعتماد السكان على انفسهم في حمل اكياس القمامة بسياراتهم الخاصة لرميها بعيداً عن النطاق السكاني ويخشى مشعوي من الآثار البيئية السيئة على صحة المواطنين حيث تتولى الحيوانات الضالة والقرود المنتشرة في الجبل نبش مرمى النفايات العشوائية ونقلها الى داخل النطاق السكني مجدداً...
وينتقل مشعوي من الحديث عن تردي البيئة الى جانب آخر من نواقص القرية ويشير الى برج الهاتف الصامت الذي لم يضف شيئاً الى القرية مع ان السكان تبرعوا بأرضه املاً في نقلهم من العزلة الى فضاء الاتصالات الرحيب, ويتساءل المواطنون عن فائدة تركيب برج والبلدة تعيش عزلتها الاختيارية بسبب صمت شركة الاتصالات..!
الغرباء
ومثل كل بلدة بعيدة في الاطراف فان الغرباء يجدون في المقبورة ضالتهم بحثاً عن الامان وهرباً من عيون الشرطة ويدعو حسن قاسم وحسن الحريصي الى سرعة اقامة مركز شرطة يتولى ضبط الأمن ومتابعة المتخلفين واخراجهم من مخابئهم .. ويربط السكان بين انتشار بعض الظواهر الاجرامية والمتخلفين الذين درجوا على سرقة المواشي والمتاجر ..
ويعتبر الاهالي جبل الحشر همزة وصل بين جازان وعسير, غير انها تغلق اجبارياً في مواسم السيل والأمطار بسبب الصخور المتناثرة .. والمنفذ الوحيد في عقبة الصلالة يعاني الأمرين عندما يضيق المعبر او يغلق بسبب الانهيارات الصخرية.
ويطالب الاهالي جهات الاختصاص بالاستمرار في عمليات الصيانة الدورية للعقبة والتأكد مراراً من ازالة صخورها الخطرة ووضع مصّدات على الجبال لمنع الانهيارات ..لا سيما ان الطريق تسلكه عشرات السيارات المقلة للطلاب والمعلمين والمعلمات.
موتى مع الأحياء
ولعل من المشاهد الغريبة التي تلفت الانظار في البلدة وجود احواش داخل المنازل وبسؤال السكان عن ذلك قالوا انها مدافن ومقابر اقاربهم من الموتى حيث عمدوا الى ذلك بعد ان ضاقت القرية وقلّت المساحات الفارغة فيها .. ولعدم وجود مقبرة عامة فإن الاهالي يضطرون الى ذلك اضطراراً .. ويحث الناس المحافظة وبلدية فيفا الى اصلاح هذا الوضع وتخصيص مقبرة تضمن كرامة الراحلين عن الدنيا الفانية ..
السوق الشعبي
كان يوم افتتاح السوق الشعبي بعد 14 عاماً من التجميد يوماً بهيجاً في المقبورة واقيم حفل بمدرسة التحفيظ تناول سيرة السوق وسلعه الوفيرة التي ظلت تجذب المتسوقين من كافة المناطق عسير ونجران وسراة عبيدة ومن اليمن الشقيقه .. حضر حفل افتتاح السوق عدد كبير من المشايخ والاعيان وطالبوا باستمراريته وتطويره.
وينتقد محمد يحيى مساحات الخضرة الملوثة الناتجة من المستنقعات ويستغرب لصمت البلدية عن هذا الوضع البيئي الخصيب بالامراض والاوبئة والحشرات الناقلة .. سيما ان بعض الصغار اعتبروها مرتعاً للهو واللعب دون ادراك بمخاطرها الصحية.. وعلى ذات المنوال ينتقد مفرح وجابر سليمان سوء حال الشوارع الداخلية وافتقارها للانارة والمصدات الجانبية التي تمنع المخاطر عن العابرين فضلاً عن ضيق مساراتها .. ويطالب السكان بصيانة الطرق المؤدية للقرية.