منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- الحكم في أوائل عام ٢٠١٥م، كان ولي ولي العهد آنذاك الأمير محمد بن سلمان بمثابة «ليقو» لمعظم أبناء وبنات الشعب السعودي. مما تطلب منّا حل هذا اللغز المثير بالتحلي بالصبر حتى تتضح الصورة أمامنا كاملة.
«MBS» كما هو معروف لدى المجتمع الغربي، لم يكن معروفاً لدى الشعب السعودي في صغره. نشأ وترعرع تحت كنف والده الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظهم الله دون أن نعرف أي شيء عنه أو عن حياته الشخصية، وهو أمر غير مألوف في السعودية خاصة إذا كنت من العائلة المالكة آل سعود، ومهيأ لأن تكون الحاكم الثامن للمملكة العربية السعودية.
استغرق منّا الأمر حوالى سنة وثلاثة أشهر لبداية تركيب هذا اللغز المثير الشيّق حتى سمعناه أول مرة يتحدث عن رؤية كانت أشبه بحلم أكثر من كونها حقيقة. لم يعرف أحد منّا ما الخطة! تسأل عائلتك أو أحداً من أصدقائك أو زملائك فيكون ردهم واحداً «أعتقد التنويع من مصادر الدخل بعيداً من الاعتماد الكُلِّي للنفط» لا أكثر ولا أقل! شعرنا جميعاً بنقلة جديدة مليئة بالآمال. وفي نفس الوقت كانت هناك محاولات كثيرة بائسة لزرع الشك في أنفس شباب الوطن، خاصة عندما نتحدث عن هذه «الرؤية» مع الجيل الذي يكبرنا سنّاً. فهم رأوا من الرؤى وسمعوا الكثير والكثير، ومن اختلاف مجتمعهم الذي كان ينبض بالحياة البسيطة الجميلة المفعمة بالحضارة والثقافة، إلى انتشار الإيديولوجية المتطرفة التي تسمى بـ«الصحوة»، إلى محاولة الانفتاح للعالم مرة أخرى، إلى المحاولات العديدة للتنويع من النفط، إلى تمكين الشباب، إلى تمكين المرأة وإعطائها حقوقها. حتى يئسوا ويئست رؤاهم وأحلامهم. هل نستطيع لومهم؟ لا. أبداً.
فالتغييرات في عهدهم كانت قليلة وبطيئة وبسيطة هنا وهناك، وخصوصاً مع النظام البيروقراطي الذي عاش داخل المواطن السعودي وأقعدنا مشلولين لفترة طويلة، فكان من المستحيل لهم إعطاء هذه الرؤية بعضاً من المصداقية والثقة.
ولدت أنا في عام ١٩٨٨م، تسع سنوات من «الثورة الإسلامية الإيرانية» التي أعقبتها المداهمة اليائسة للحرم المكي من قبل جهيمان و٦٧ من جماعته المتمردة، والتي ساهمت بشكل أو آخر في شل الحركة الاجتماعية والتعليمية والثقافية وعجلة التطوّر في السعودية لما يقارب ٣٥ سنة. تم حظر الفنون والفعاليات الثقافية، كما تم حظر السينما والمسارح، ناهيك عن عرض القنوات السعودية القليل من البرامج المختارة، ورفض التجمعات التعليمية والاجتماعية، واختفاء الكثير من المعايير الحضارية والإنسانية والاجتماعية. وإن كانت أمّي رحمها الله حفرت بداخلي شيئاً واحداً فقط، ألا وهو التفاؤل والأمل والإيمان الكُلِّي لمستقبل باهر وجميل في بلدي الحبيب.
اعتدت أنا وهي على تناول مشروبها المفضل «الشاي والحليب» على درج بيتنا أمام الحديقة الصغيرة، وكانت تتحدث لساعات عن الآمال والتغييرات التي كانت تعتقد أنها حق كامل مشروع لكل مواطن سعودي.
وعلى الرغم من أنني تربيت وما زلت وأنا أشعر أنني سفير لبلدي، وشخص يمكن أن يعكس حسن نشأته وتعليمه من خلال تمثيل دينه وعائلته وبلاده، إلا أن طموحاتي وأحلامي وآمالي واجهت العديد من التهديدات الشخصية وفقدان الأمل عندما انتقلت إلى الدراسة في الخارج، وخصوصاً كلما التقيت طلاباً من مختلف جنسيات العالم. كانوا يتحدثون بثقة واضحة عن حقوقهم الكاملة والمشروعة، وعن برامجهم الترفيهية والتثقيفية في بلادهم، واجتماعاتهم الاجتماعية الودية، والمطالب والإصلاحات الجديدة التي يُعمل عليها في أوطانهم، وكنت دائماً أشعر بالوحدة من أمري في الحديث معهم وكأنّي معاقب أقف بقرب الزاوية في نهاية الفصل المدرسي أثناء المحادثات التي جرت، كان ردّي الوحيد فقط لإحراجهم التحدث عن أن أغلب الطلاب السعوديين في الخارج يدرسون ضمن بعثة خادم الحرمين الشريفين بشكل مجاني. علاوة على ذلك يستلمون راتبا شهرياً، بالإضافة إلى تأمين صحي. كان ذلك الرد الوحيد الذي كنت أستخدمه في محادثاتي بمثابة إحدى لكمات «محمد علي كلاي» القاضية الشهيرة لثوانٍ قليلة فقط، وبعدها أعود حزيناً إلى زاويتي.
درست «العلوم السياسية» في مرحلة البكالوريوس في كندا ومن بعد التخرج، بدأت مسيرتي العملية في وكالة الإعلام الخارجي التابعة لوزارة الإعلام. كان العمل ممتعاً وجميلاً، وكنت سعيداً للغاية بالفرص والمهام التي أشرفت عليها. وكانت أول بادرة أمل وتفاؤل شعرت بها على الصعيد الشخصي، أتت تحديداً بتاريخ ٢٩ أبريل ٢٠١٥م، عندما عُيّن معالي الوزير عادل الجبير بمرسوم ملكي ليصبح أول وزير خارجية ليس من العائلة المالكة، (الجدير بالذكر أن معالي الأستاذ إبراهيم السويل أدار الشؤون الخارجية السعودية لفترة قصيرة من الزمن). شعرت حينها ببداية التغيير حيث إن كثيراً ممن التقيت بهم في داخل وخارج السعودية حاولوا نزع ثقتي في نفسي، معللين بأن تخصص «العلوم السياسية» لن يصل بي إلى أي مكانة أو منصب في السعودية، لكونها تعتبر وزارة سيادية بعض الشيء.
نقفز إلى السنوات القليلة التي تلت هذا التعيين، وعلى وجه التحديد السنة التي اندرجت في رأيي الشخصي في تاريخ السعودية تحت اسم «عام التغيير»، ٢٠١٧م، فهو حقاً عام غير مسبوق!
بفضل الله ورؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، لا أستطيع الآن الانتظار كثيراً في البدء برحلة جامعية جديدة لإتمام شهادة الماجستير، أو حضور المنتديات والمؤتمرات الدولية أثناء عملي، حتى أتمكن من الالتقاء بجميع الطلاب والمسؤولين من مختلف الجنسيات، لأقوم أنا بالمبادرة بالحديث أكثر عن ما يجري في بلادي من تغييرات وإصلاحات اجتماعية واقتصادية وثقافية وترفيهية والأهم الريادة السياسية.
لدينا الآن دور سينما وصناعة الأفلام السعودية، يتم تمكين المرأة بشكل كبير سواء كان في القطاع العام أو الخاص ناهيك عن السماح لها بالقيادة لأول مرة، لدينا فعاليات ثقافية وموسيقية ومسرحية، نعمل على إنشاء مشاريع سياحية وترفيهية ضخمة مثل (البحر الأحمر، قديّة، نيوم، وديزني)، التطور العسكري والعمل على توطين الصناعات العسكرية، والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، والأهم من ذلك كله تدمير الأفكار والإيديولوجيات المتطرفة التي شلّت عجلة النهضة والتطور والتعايش مع الآخر. أقولها بصدق، لقد اختفت النظرة إلى السعودي على أنه إرهابي أو متخلف!! وإذا كان هذا هو الإنجاز الوحيد الذي قد نخرج به من «رؤية ٢٠٣٠»، فسأعيش سعيداً ما حييت. بدأ العمل على تطبيق برامج الرؤية من سنتين، وعلى الرغم من أن الطريق ما زال طويلاً أمامنا، بدأنا أكثر واثقين ومؤمنين وطموحين في إبراز الهوية الوطنية السعودية الريادية الجديدة.
في النهاية، أتحدث نيابة عن العديد من شباب هذا الجيل الصاعد الذي سيحافظ وينمي ويطور هذه الرؤية والخطط المستقبلية لنهضة هذا البلد العظيم، بدأت لعبة التركيب «ليقو» أكثر سهولة، والصورة بدأت واضحة تماماً كوضوح الشمس، «MBS» هو الحاضر وهو المستقبل.
فلنحلم يا أيها السعوديون ما دمنا نطمح، فالأحلام لم تعد مجرد رؤى مكتوبة، بل واقع نعيشه ونصنعه.
* شاب سعودي
Faisal-kayal@hotmail.com
«MBS» كما هو معروف لدى المجتمع الغربي، لم يكن معروفاً لدى الشعب السعودي في صغره. نشأ وترعرع تحت كنف والده الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظهم الله دون أن نعرف أي شيء عنه أو عن حياته الشخصية، وهو أمر غير مألوف في السعودية خاصة إذا كنت من العائلة المالكة آل سعود، ومهيأ لأن تكون الحاكم الثامن للمملكة العربية السعودية.
استغرق منّا الأمر حوالى سنة وثلاثة أشهر لبداية تركيب هذا اللغز المثير الشيّق حتى سمعناه أول مرة يتحدث عن رؤية كانت أشبه بحلم أكثر من كونها حقيقة. لم يعرف أحد منّا ما الخطة! تسأل عائلتك أو أحداً من أصدقائك أو زملائك فيكون ردهم واحداً «أعتقد التنويع من مصادر الدخل بعيداً من الاعتماد الكُلِّي للنفط» لا أكثر ولا أقل! شعرنا جميعاً بنقلة جديدة مليئة بالآمال. وفي نفس الوقت كانت هناك محاولات كثيرة بائسة لزرع الشك في أنفس شباب الوطن، خاصة عندما نتحدث عن هذه «الرؤية» مع الجيل الذي يكبرنا سنّاً. فهم رأوا من الرؤى وسمعوا الكثير والكثير، ومن اختلاف مجتمعهم الذي كان ينبض بالحياة البسيطة الجميلة المفعمة بالحضارة والثقافة، إلى انتشار الإيديولوجية المتطرفة التي تسمى بـ«الصحوة»، إلى محاولة الانفتاح للعالم مرة أخرى، إلى المحاولات العديدة للتنويع من النفط، إلى تمكين الشباب، إلى تمكين المرأة وإعطائها حقوقها. حتى يئسوا ويئست رؤاهم وأحلامهم. هل نستطيع لومهم؟ لا. أبداً.
فالتغييرات في عهدهم كانت قليلة وبطيئة وبسيطة هنا وهناك، وخصوصاً مع النظام البيروقراطي الذي عاش داخل المواطن السعودي وأقعدنا مشلولين لفترة طويلة، فكان من المستحيل لهم إعطاء هذه الرؤية بعضاً من المصداقية والثقة.
ولدت أنا في عام ١٩٨٨م، تسع سنوات من «الثورة الإسلامية الإيرانية» التي أعقبتها المداهمة اليائسة للحرم المكي من قبل جهيمان و٦٧ من جماعته المتمردة، والتي ساهمت بشكل أو آخر في شل الحركة الاجتماعية والتعليمية والثقافية وعجلة التطوّر في السعودية لما يقارب ٣٥ سنة. تم حظر الفنون والفعاليات الثقافية، كما تم حظر السينما والمسارح، ناهيك عن عرض القنوات السعودية القليل من البرامج المختارة، ورفض التجمعات التعليمية والاجتماعية، واختفاء الكثير من المعايير الحضارية والإنسانية والاجتماعية. وإن كانت أمّي رحمها الله حفرت بداخلي شيئاً واحداً فقط، ألا وهو التفاؤل والأمل والإيمان الكُلِّي لمستقبل باهر وجميل في بلدي الحبيب.
اعتدت أنا وهي على تناول مشروبها المفضل «الشاي والحليب» على درج بيتنا أمام الحديقة الصغيرة، وكانت تتحدث لساعات عن الآمال والتغييرات التي كانت تعتقد أنها حق كامل مشروع لكل مواطن سعودي.
وعلى الرغم من أنني تربيت وما زلت وأنا أشعر أنني سفير لبلدي، وشخص يمكن أن يعكس حسن نشأته وتعليمه من خلال تمثيل دينه وعائلته وبلاده، إلا أن طموحاتي وأحلامي وآمالي واجهت العديد من التهديدات الشخصية وفقدان الأمل عندما انتقلت إلى الدراسة في الخارج، وخصوصاً كلما التقيت طلاباً من مختلف جنسيات العالم. كانوا يتحدثون بثقة واضحة عن حقوقهم الكاملة والمشروعة، وعن برامجهم الترفيهية والتثقيفية في بلادهم، واجتماعاتهم الاجتماعية الودية، والمطالب والإصلاحات الجديدة التي يُعمل عليها في أوطانهم، وكنت دائماً أشعر بالوحدة من أمري في الحديث معهم وكأنّي معاقب أقف بقرب الزاوية في نهاية الفصل المدرسي أثناء المحادثات التي جرت، كان ردّي الوحيد فقط لإحراجهم التحدث عن أن أغلب الطلاب السعوديين في الخارج يدرسون ضمن بعثة خادم الحرمين الشريفين بشكل مجاني. علاوة على ذلك يستلمون راتبا شهرياً، بالإضافة إلى تأمين صحي. كان ذلك الرد الوحيد الذي كنت أستخدمه في محادثاتي بمثابة إحدى لكمات «محمد علي كلاي» القاضية الشهيرة لثوانٍ قليلة فقط، وبعدها أعود حزيناً إلى زاويتي.
درست «العلوم السياسية» في مرحلة البكالوريوس في كندا ومن بعد التخرج، بدأت مسيرتي العملية في وكالة الإعلام الخارجي التابعة لوزارة الإعلام. كان العمل ممتعاً وجميلاً، وكنت سعيداً للغاية بالفرص والمهام التي أشرفت عليها. وكانت أول بادرة أمل وتفاؤل شعرت بها على الصعيد الشخصي، أتت تحديداً بتاريخ ٢٩ أبريل ٢٠١٥م، عندما عُيّن معالي الوزير عادل الجبير بمرسوم ملكي ليصبح أول وزير خارجية ليس من العائلة المالكة، (الجدير بالذكر أن معالي الأستاذ إبراهيم السويل أدار الشؤون الخارجية السعودية لفترة قصيرة من الزمن). شعرت حينها ببداية التغيير حيث إن كثيراً ممن التقيت بهم في داخل وخارج السعودية حاولوا نزع ثقتي في نفسي، معللين بأن تخصص «العلوم السياسية» لن يصل بي إلى أي مكانة أو منصب في السعودية، لكونها تعتبر وزارة سيادية بعض الشيء.
نقفز إلى السنوات القليلة التي تلت هذا التعيين، وعلى وجه التحديد السنة التي اندرجت في رأيي الشخصي في تاريخ السعودية تحت اسم «عام التغيير»، ٢٠١٧م، فهو حقاً عام غير مسبوق!
بفضل الله ورؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، لا أستطيع الآن الانتظار كثيراً في البدء برحلة جامعية جديدة لإتمام شهادة الماجستير، أو حضور المنتديات والمؤتمرات الدولية أثناء عملي، حتى أتمكن من الالتقاء بجميع الطلاب والمسؤولين من مختلف الجنسيات، لأقوم أنا بالمبادرة بالحديث أكثر عن ما يجري في بلادي من تغييرات وإصلاحات اجتماعية واقتصادية وثقافية وترفيهية والأهم الريادة السياسية.
لدينا الآن دور سينما وصناعة الأفلام السعودية، يتم تمكين المرأة بشكل كبير سواء كان في القطاع العام أو الخاص ناهيك عن السماح لها بالقيادة لأول مرة، لدينا فعاليات ثقافية وموسيقية ومسرحية، نعمل على إنشاء مشاريع سياحية وترفيهية ضخمة مثل (البحر الأحمر، قديّة، نيوم، وديزني)، التطور العسكري والعمل على توطين الصناعات العسكرية، والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، والأهم من ذلك كله تدمير الأفكار والإيديولوجيات المتطرفة التي شلّت عجلة النهضة والتطور والتعايش مع الآخر. أقولها بصدق، لقد اختفت النظرة إلى السعودي على أنه إرهابي أو متخلف!! وإذا كان هذا هو الإنجاز الوحيد الذي قد نخرج به من «رؤية ٢٠٣٠»، فسأعيش سعيداً ما حييت. بدأ العمل على تطبيق برامج الرؤية من سنتين، وعلى الرغم من أن الطريق ما زال طويلاً أمامنا، بدأنا أكثر واثقين ومؤمنين وطموحين في إبراز الهوية الوطنية السعودية الريادية الجديدة.
في النهاية، أتحدث نيابة عن العديد من شباب هذا الجيل الصاعد الذي سيحافظ وينمي ويطور هذه الرؤية والخطط المستقبلية لنهضة هذا البلد العظيم، بدأت لعبة التركيب «ليقو» أكثر سهولة، والصورة بدأت واضحة تماماً كوضوح الشمس، «MBS» هو الحاضر وهو المستقبل.
فلنحلم يا أيها السعوديون ما دمنا نطمح، فالأحلام لم تعد مجرد رؤى مكتوبة، بل واقع نعيشه ونصنعه.
* شاب سعودي
Faisal-kayal@hotmail.com