يفرق علم الجريمة بين الثقافة الأمنية والأمن الثقافي، فالثقافة الأمنية تتطلب اشاعة الوعي بين المواطنين والمقيمين، بأهمية الأمن وانعكاساته على المجتمع اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً. أما الأمن الثقافي فهو العمل على صيانة الثقافة من غزو الثقافات الأخرى التي من شأنها هدم المكونات الثقافية للأمة، الممثلة في اللغة والدين والتراث حتى لا تتحول الأمة الى التبعية الثقافية.
فلو نظرنا الى تركيا لوجدنا ان الانتقال من الأحرف العربية الى الحروف اللاتينية أدى الى فصلهم عن تاريخهم الثقافي، وحولهم بالتالي الى التبعية الغربية التي رفضت انتماءهم السياسي للاتحاد الأوروبي، كي يظلوا تابعين دون ان يكونوا اصلاء في الثقافة الغربية. وحالات الشغب تتأتى من ضعف الثقافة الأمنية، وتتكون من عاملين خارجي وداخلي، فالعامل الخارجي تتسبب فيه الدول المعادية أما العامل الداخلي فينقسم من حيث الأسباب الى قسمين القهر النسبي والحرمان النسبي.
فالدول المعادية تتبنى أعمال التحريض على الشغب، اما بواسطة الاعلام او التأثير الثقافي، او استقطاب المعارضين والخارجين على النظام، فالولايات المتحدة الأمريكية بنشرها كتاب (كيف يستطيع الطلاب ان يقوموا بثورة) وتوزيعه في اندونيسيا مع بداية الستينيات من القرن العشرين استطاعت به ان تسقط حكم الرئيس سوكارنو بعدما خرج 500 الف طالب جامعي للمظاهرة، وتحلقوا حول القصر الرئاسي في جاكرتا يطالبون برأس أحمد سوكارنو حتى تنازل عن الحكم لسوهارتو، كما ان كتابات الفيلسوف هربرت ماركيوز، وبشكل خاص كتابه (الانسان ذو البعد الواحد) كان فيها تحريض على الثورة وأعمال العنف، ورفض للمجتمع الصناعي الغربي والثقافة المادية، فامتد تأثيرها من أوروبا الى أمريكا، حتى أوشكت فرنسا في نهاية السبيعنات من القرن العشرين على الانهيار الاقتصادي بسبب اعمال الشغب التي جلبها هذا الفيلسوف، أما في كوريا الجنوبية فقد انخفض معدل النمو الاقتصادي الى 4% عام 1979 و1980 بسبب اضطربات الطلاب وتظاهراتهم. ان هذه الاضطرابات غالباً ما تتسبب في الانهيار الأمني في بعض الدول النامية لضعف الموارد الاقتصادية، وعدم تمكنها من مواجهة حالات الشغب مثل الصومال وغيرها من الدول الافريقية.
فالاخلال بالأمن، يقود الأمة الى حالات من الارتباك والفوضى الناتجة عن غياب القانون، فتزداد جرائم القتل والسلب ويسود المجتمع جو من الارهاب، وتتعرض حياة المواطنين الأمنية الى المخاطر. كما ان استنفار الأجهزة الأمنية الى مناطق العنف والشعب، تحدث فراغاً أمنياً في المهام العادية، فلا تتمكن السلطات الأمنية من أداء دورها في الأماكن الأخرى، مما يزيد من حدة المشاكل الأمنية، ويضعف بالتالي الحفاظ على الأمن العام بأكمله، فتنتشر السرقات، وتسود الجريمة العادية وغيرها.
وحالات الشغب والعنف تمارس ضغطاً سياسياً فتعرض العمل السياسي للخطر، لان الدولة قد لا تتمكن من القيام بدورها فيختفي النظام ويعرضها للانهيار، كما ان أعمال الشغب والعنف تعرقل نشاط الانتاج فينعكس على الأسعار، ويتأثر نظام تداول السلع فيتسبب في أضعاف تعاطف الجمهور مع الحكومة، ويتأثر النمو بشكل حال لان ذلك يتسبب في هروب الاستثمارات الأجنبية والوطنية، مما يحد من نشاط الصادرات فيحدث الغلاء وترتفع الأسعار وتنخفض القيمة الشرائية للعملة.
إن اشاعة الثقافة الأمنية توطن الشعور بالمسؤولية لدى الشعب الذي يدافع عن وطنه ضد حالات الشغب والعنف والارهاب، فالدول التي تنعم بالأمن نجدها تتطور ويرتفع فيها مستوى الدخل لدى المواطن، مثل كوريا الجنوبية التي استطاعت ان تحد من أعمال الشغب فأصبحت من أكثر الدول النامية تقدماً، ودولة الامارات التي ارتفع فيها دخل الفرد حتى تجاوز الخمسين ألف دولار في العام متخطية في ذلك دخل الفرد في الدول الأكثر تقدماً بينما نجد الدخل الفردي في اليمن بسبب حالات الشغب وضعف الثقافة الأمنية يتدنى الى 270 دولاراً في العام الواحد.
والشغب له أسباب عديدة منها ما يعتمد على الظروف والأحوال المختلفة ومنها ما يحدث من أسباب خاصة، ومن هذه الأسباب انفجار العداوة المتطرفة بين الفئات العرقية، كما يحدث في بعض الدول الافريقية مثل نيجيريا او الدينية مثل ما يحدث في الفلبين وسريلانكا او بين الطبقات الاجتماعية المتعارضة او بسبب استغلال التجمعات من قبل عناصر حاقدة او مشاغبة او عدم رضاء الجمهور عن الأداء كما حدث في العاب كرة القدم. ومن أسباب الشغب الشعور بالاحباط وعادة ما ينفجر الشغب في الاتحادات العمالية حيث يطالب العمال بزيادة الأجور وتحسين الأوضاع ومن أسباب الشغب اشتراك الطلاب في الشؤون السياسية، وكذلك الحال في العصيان الذي يقوده العملاء وذوو الأغراض. وللشغب مراحل ثلاث المرحلة التمهيدية، وهي المرحلة التي ينتهز فيها ذوو الأغراض الحالة النفسية لدى الغوغاء، فيطلقون شعارات جذابة ويطرحون أهدافاً براقة تستميل الجماهير وهنا يبدأ بث الاشاعات واثارة الجموع. أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة انضاج الحركة وذلك بالدعوة الى الالتحاق بهذه العناصر لتوسيع دائرة المتعاطفين والمؤيدين، وفيها يتحول الغضب الى انتقاد القيادة السياسية، ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة العنف وفيها يتحول الموقف الى التظاهر المحرم عندما تزداد جذوة الشغب اشتعالا فتجتذب رجال الامن للسيطرة على المسيرة فيواجهها المتظاهرون بالعصي والحجارة، وقنابل المولوتوف والمتفجرات، في سبيل الوصول الى الأهداف مثل ما حدث في البحرين وهنا قد يحدث الشلل في الأمن الوطني لينتشر في سائر القطر. المرحلة الأخيرة وفيها تتحدد العناصر الأساسية المديرة للشغب، وعندها تتضح النوايا المبيتة من تحضير للعصي والحجارة، وقنابل المولوتوف مما يؤكد ان وراء هذا الشغب عناصر لها أغراض سياسية وفوضوية.
ان الثقافة الأمنية تشكل ضرورة لدى المجتمعات الحديثة فهي التي تؤصل الوقاية في المجتمعات، وتبعد عنها غائلة الفوضى والعنف، فالمجتمع المتماسك الذي يتحلى بالثقافة الأمنية نجده يرفض الارهاب والشغب والانسياق وراء الشعارات التي تضلله، ولا يرضى ان يجعل من الوطن ملاذاً آمناً لأعمال العنف، وهذا يتطلب العمل على توثيق الوحدة الوطنية من خلال الحوار الوطني، وتوعية الشباب، والتخفيف من حدة الحرمان الذي تتعرض له بعض شرائح المجتمع أو طبقاته، كما ان الزيادة في القهر النسبي تساعد على تفكك الوحدة الوطنية، وتحول بعض الفئات الى أعمال الشغب.
eshki@doctor.com
فلو نظرنا الى تركيا لوجدنا ان الانتقال من الأحرف العربية الى الحروف اللاتينية أدى الى فصلهم عن تاريخهم الثقافي، وحولهم بالتالي الى التبعية الغربية التي رفضت انتماءهم السياسي للاتحاد الأوروبي، كي يظلوا تابعين دون ان يكونوا اصلاء في الثقافة الغربية. وحالات الشغب تتأتى من ضعف الثقافة الأمنية، وتتكون من عاملين خارجي وداخلي، فالعامل الخارجي تتسبب فيه الدول المعادية أما العامل الداخلي فينقسم من حيث الأسباب الى قسمين القهر النسبي والحرمان النسبي.
فالدول المعادية تتبنى أعمال التحريض على الشغب، اما بواسطة الاعلام او التأثير الثقافي، او استقطاب المعارضين والخارجين على النظام، فالولايات المتحدة الأمريكية بنشرها كتاب (كيف يستطيع الطلاب ان يقوموا بثورة) وتوزيعه في اندونيسيا مع بداية الستينيات من القرن العشرين استطاعت به ان تسقط حكم الرئيس سوكارنو بعدما خرج 500 الف طالب جامعي للمظاهرة، وتحلقوا حول القصر الرئاسي في جاكرتا يطالبون برأس أحمد سوكارنو حتى تنازل عن الحكم لسوهارتو، كما ان كتابات الفيلسوف هربرت ماركيوز، وبشكل خاص كتابه (الانسان ذو البعد الواحد) كان فيها تحريض على الثورة وأعمال العنف، ورفض للمجتمع الصناعي الغربي والثقافة المادية، فامتد تأثيرها من أوروبا الى أمريكا، حتى أوشكت فرنسا في نهاية السبيعنات من القرن العشرين على الانهيار الاقتصادي بسبب اعمال الشغب التي جلبها هذا الفيلسوف، أما في كوريا الجنوبية فقد انخفض معدل النمو الاقتصادي الى 4% عام 1979 و1980 بسبب اضطربات الطلاب وتظاهراتهم. ان هذه الاضطرابات غالباً ما تتسبب في الانهيار الأمني في بعض الدول النامية لضعف الموارد الاقتصادية، وعدم تمكنها من مواجهة حالات الشغب مثل الصومال وغيرها من الدول الافريقية.
فالاخلال بالأمن، يقود الأمة الى حالات من الارتباك والفوضى الناتجة عن غياب القانون، فتزداد جرائم القتل والسلب ويسود المجتمع جو من الارهاب، وتتعرض حياة المواطنين الأمنية الى المخاطر. كما ان استنفار الأجهزة الأمنية الى مناطق العنف والشعب، تحدث فراغاً أمنياً في المهام العادية، فلا تتمكن السلطات الأمنية من أداء دورها في الأماكن الأخرى، مما يزيد من حدة المشاكل الأمنية، ويضعف بالتالي الحفاظ على الأمن العام بأكمله، فتنتشر السرقات، وتسود الجريمة العادية وغيرها.
وحالات الشغب والعنف تمارس ضغطاً سياسياً فتعرض العمل السياسي للخطر، لان الدولة قد لا تتمكن من القيام بدورها فيختفي النظام ويعرضها للانهيار، كما ان أعمال الشغب والعنف تعرقل نشاط الانتاج فينعكس على الأسعار، ويتأثر نظام تداول السلع فيتسبب في أضعاف تعاطف الجمهور مع الحكومة، ويتأثر النمو بشكل حال لان ذلك يتسبب في هروب الاستثمارات الأجنبية والوطنية، مما يحد من نشاط الصادرات فيحدث الغلاء وترتفع الأسعار وتنخفض القيمة الشرائية للعملة.
إن اشاعة الثقافة الأمنية توطن الشعور بالمسؤولية لدى الشعب الذي يدافع عن وطنه ضد حالات الشغب والعنف والارهاب، فالدول التي تنعم بالأمن نجدها تتطور ويرتفع فيها مستوى الدخل لدى المواطن، مثل كوريا الجنوبية التي استطاعت ان تحد من أعمال الشغب فأصبحت من أكثر الدول النامية تقدماً، ودولة الامارات التي ارتفع فيها دخل الفرد حتى تجاوز الخمسين ألف دولار في العام متخطية في ذلك دخل الفرد في الدول الأكثر تقدماً بينما نجد الدخل الفردي في اليمن بسبب حالات الشغب وضعف الثقافة الأمنية يتدنى الى 270 دولاراً في العام الواحد.
والشغب له أسباب عديدة منها ما يعتمد على الظروف والأحوال المختلفة ومنها ما يحدث من أسباب خاصة، ومن هذه الأسباب انفجار العداوة المتطرفة بين الفئات العرقية، كما يحدث في بعض الدول الافريقية مثل نيجيريا او الدينية مثل ما يحدث في الفلبين وسريلانكا او بين الطبقات الاجتماعية المتعارضة او بسبب استغلال التجمعات من قبل عناصر حاقدة او مشاغبة او عدم رضاء الجمهور عن الأداء كما حدث في العاب كرة القدم. ومن أسباب الشغب الشعور بالاحباط وعادة ما ينفجر الشغب في الاتحادات العمالية حيث يطالب العمال بزيادة الأجور وتحسين الأوضاع ومن أسباب الشغب اشتراك الطلاب في الشؤون السياسية، وكذلك الحال في العصيان الذي يقوده العملاء وذوو الأغراض. وللشغب مراحل ثلاث المرحلة التمهيدية، وهي المرحلة التي ينتهز فيها ذوو الأغراض الحالة النفسية لدى الغوغاء، فيطلقون شعارات جذابة ويطرحون أهدافاً براقة تستميل الجماهير وهنا يبدأ بث الاشاعات واثارة الجموع. أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة انضاج الحركة وذلك بالدعوة الى الالتحاق بهذه العناصر لتوسيع دائرة المتعاطفين والمؤيدين، وفيها يتحول الغضب الى انتقاد القيادة السياسية، ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة العنف وفيها يتحول الموقف الى التظاهر المحرم عندما تزداد جذوة الشغب اشتعالا فتجتذب رجال الامن للسيطرة على المسيرة فيواجهها المتظاهرون بالعصي والحجارة، وقنابل المولوتوف والمتفجرات، في سبيل الوصول الى الأهداف مثل ما حدث في البحرين وهنا قد يحدث الشلل في الأمن الوطني لينتشر في سائر القطر. المرحلة الأخيرة وفيها تتحدد العناصر الأساسية المديرة للشغب، وعندها تتضح النوايا المبيتة من تحضير للعصي والحجارة، وقنابل المولوتوف مما يؤكد ان وراء هذا الشغب عناصر لها أغراض سياسية وفوضوية.
ان الثقافة الأمنية تشكل ضرورة لدى المجتمعات الحديثة فهي التي تؤصل الوقاية في المجتمعات، وتبعد عنها غائلة الفوضى والعنف، فالمجتمع المتماسك الذي يتحلى بالثقافة الأمنية نجده يرفض الارهاب والشغب والانسياق وراء الشعارات التي تضلله، ولا يرضى ان يجعل من الوطن ملاذاً آمناً لأعمال العنف، وهذا يتطلب العمل على توثيق الوحدة الوطنية من خلال الحوار الوطني، وتوعية الشباب، والتخفيف من حدة الحرمان الذي تتعرض له بعض شرائح المجتمع أو طبقاته، كما ان الزيادة في القهر النسبي تساعد على تفكك الوحدة الوطنية، وتحول بعض الفئات الى أعمال الشغب.
eshki@doctor.com