-A +A
فريدة صالح شطا
اعتدنا لسنوات طويلة ربما تسبق أعمارنا، على وجود مواطنين عرب وأجانب يعملون في بلادنا في مهن مختلفة ومواقع متعددة، يأتون من بلاد غنية وبلاد فقيرة، ولسنا وحيدين في هذا الخصوص، فالأمر يحدث في كثير من دول العالم، وفيه فائدة لكلا الطرفين. ففيه تبادل للمنفعة، للخبرة، للاستفادة المادية.. إلخ. إلا أنه أوجد لدينا وحدنا مفهوماً أحادياً ووجهة نظر وحيدة حيال ذلك الأمر، لأن عقولنا تبرمجت على قدوم الآخرين إلى بلادنا للعمل سواء كان ذلك في مهن عالية، أكاديمية، معرفية، علمية، انتهاءً بأبسط المهن، ولا أقول أدناها فكل عمل علا أو دنا له قيمته وأهميته. ولم يحدث خلال تلك السنوات بأن يحدث الأمر في (الاتجاه المعاكس)، بمعنى أن يذهب أي منا للعمل خارج المملكة في أية دولة أخرى إلا ما تم باختيار شخصي لأسباب لا تعود في الغالب إلى الحاجة المادية، يستثنى أيضاً العاملون في السلك الدبلوماسي وغيره. لذلك ما أن نُشر في الصحف عن تعاقد بعض المعلمات السعوديات للعمل في إحدى دول الخليج إلا وثارت ثائرة الكثيرين وانقسم البعض ما بين مؤيد ومعارض الى جانب من كان محايداً أو من لم يكون رأياً بخصوص المسألة.. وأذكر هنا أنني أنتمي إلى الفئة الأخيرة التي لم تصل إلى تكوين رأي محدد، لأنني واجهت شعورين مختلفين.. يتعلق أحدهما بالعقل، والآخر بالعاطفة، فالمتعلق بالعقل رأى أمامه أعداداً غفيرة من الخريجات اللاتي يبحثن عن العمل، ولا أخجل من القول بأنهن يبحثن عن لقمة العيش ومورد محترم للرزق، في قطاع التعليم أو في أي قطاع آخر، ووجدت أن اختيارهن لقبول العمل هناك قرار صائب أمام المعطيات الحاصلة، فالراتب يصل إلى سبعة آلاف ريال أو أكثر، والسكن مؤمن إلى جانب المواصلات، ومقارنة ذلك بعدم قبولهن السفر لن تكون في صالح خيار البقاء هنا، فعدم وجود فرص للعمل إن وجدت ستكون في مناطق نائية، ولن تكون قيمة الراتب منافسة لما عرض عليهن. أما الشعور الآخر والمتعلق بالعاطفة، فإنه يعود إلى رفض اغتراب بناتنا، الأمر الذي يدحضه الاغتراب الداخلي فيما لو تم تعيينهن في المناطق النائية، ناهيك عما يكتنفه ذهابهن إلى النائية من أخطار الحوادث التي باتت مسلسلاً لا نهاية له، ولا تزال الأسر تعاني منه إلى الآن.
إذن.. نحن أمام موقف لمتغير جديد.. ومن الخطأ أن نتسرّع في الحكم عليه أو اتخاذ قرار بشأنه.. فلا الرفض المطلق أو القبول المطلق.. هما الحل.. لا بد من وقفة جادة لدراسته وإيجاد صيغ مقبولة للتعامل معه.. خاصة أنني قبل أن أنهي الموضوع قرأت عن وجود أعداد كبيرة من الجنسين ستذهب أو ذهبت فعلاً للعمل في دول مجاورة..

وإذا كنا لا نريد أن نقف نتفرج ونحن مكتوفو الأيدي على نزوح أبنائنا وبناتنا للعمل خارج البلاد؛ فإننا لا بد أولاً من التفكير السريع لإيجاد البدائل التي تمكننا من إقناعهم بالبقاء، وحتى توجد تلك الحلول والبدائل.. فإننا يجب أن نقبل بما يحدث ولا نطبق المثل "لا أرحمك ولا أخليك ولا أخلي رحمة ربي تجيك".