-A +A
عبدالله محمد الفوزان
أرأف كثيرا بحال الطفل في أحياء مدننا، حيث لا يجد الطفل في تلك الأحياء مساحة للحركة والاستمتاع، فأحياؤنا صماء وتفتقر إلى الخدمات الترويحية والترفيهية من حدائق وملاعب كرة قدم وطائرة وتنس ولا توجد فيها مضامير للمشي ولا أماكن للسباحة، لذلك يظل الطفل مقيدا في حركته بين ثنايا المسكن الذي يقيم فيه مع اهله. وإذا ما حاول الطفل التعبير عن رغبته في اللعب داخل البيت نهره أهله عن ذلك بحجة عدم ازعاج الجيران وإن خرج إلى الشارع منعوه من ذلك بحجة ان الشارع ليس مكانا للعب والخوف عليه من الأذى.
حقا مسكين طفل المدينة، فقدرته على الحركة والانطلاق واشباع رغباته في اللعب في الهواء الطلق مع أقرانه كما كنا نفعل نحن في القرية أصبحت مستحيلة نتيجة سوء التخطيط للأحياء في المدن ليجد هذا الطفل أن حدود حركته لا تتجاوز جدران المنزل في أحسن الأحوال، هذا ان لم يكن أسير جدران إحدى غرف المنزل ليشاهد التلفزيون او يلعب ألعاب الفيديو والكمبيوتر وهذا أقصى ما يمكنه أن يفعل فيترهل جسمه ويزيد وزنه ويضعف نظره ويعاني من أمراض نفسية وجسدية لا حصر لها. بل انه غالبا ينتظر على احر من الجمر أن يتفضل والداه او احدهما لحمله الى اقرب مكان للترفيه واللعب وهو ما لا يتوافر له الا في حدود ضيقة ووفق ظروف ومزاج الوالدين وفي أوقات متباعدة.

يا لها من طفولة بائسة حين تجد نفسك مقيدا في حدود ضيقة لا تسمح لك بحرية الحركة ولا تسمح لك بمقابلة الاقران ومشاركتهم اللعب والمنافسة والحوار، بل وحتى المشاجرة والصراخ معهم. فشخصية الطفل المحروم من اللعب والحركة والانطلاق ومقابلة الاقران تتسم عادة بالكآبة وتعاني من الرتابة والملل وتفتقد إلى الثقة بالنفس وتعجز عن التفاعل الايجابي مع الآخرين عند البلوغ. هذه الشخصية حرمت من حقها في المغامرة والمنافسة والتفاعل وممارسة الهوايات وتفريغ الطاقات لذلك من الطبيعي ان تنمو مشوهة وناقمة وعاجزة عن التكيف الاجتماعي.
ما أروع طفولتنا في القرية، فقد كانت أجواء القرية تسمح لنا بالانطلاق في مساحات شاسعة للعب كرة القدم وغيرها من الالعاب الشعبية والتراثية بصحبة الاقران. كنا نتصالح ونتشاجر مع اقراننا... كنا نتنافس ونغار من بعضنا البعض... كنا نتعلم من بعضنا البعض... كنا نعيش عيشة طبيعية تساعد في النمو الحقيقي والسوي لشخصياتنا كأطفال. سامح الله مخططي الأحياء في مدننا فقد أفقدوها الحس الانساني وجعلوها صماء تفتقد الى الحياة الطبيعية حين جردوها من الحدائق والملاعب ووسائل الترفيه وكل ما هو انساني لنجد أنفسنا جميعا نعيش في عزلة قاتلة عن الجيران وأطفالهم وفي ظروف لا تسمح لنا ولا لأطفالنا بممارسة أبسط حقوقنا في المشي والرياضة واللعب والسباحة والترفيه والترويح وغيرها من النشاطات التي كنا سننعم بها لو أن الأحياء خططت بما يحقق ممارسة مثل هذه الأنشطة والهوايات لساكنيها ولكن لا أملك سوى القول حسبنا الله ونعم الوكيل ... مرة أخرى أقول: يا لها من طفولة بائسة فعلا يعيشها أطفالنا في أحياء صماء تحتضنها مدننا العزيزة... ترى متى تدب الحياة في أحيائنا؟ ولماذا يسطو البعض على الاراضي المخصصة للخدمات في أحيائنا؟ حقيقة لا أدري... وعموما الصبر مفتاح الفرج... والمطالبة لا زالت قائمة للمسؤولين لدينا بـ"أنسنة أحيائنا" الفاقدة -مع الأسف -لأبسط معاني الإنسانية... هذا وللجميع أطيب تحياتي.
Dr_Fauzan_99@hotmail.com