▪ مفتتح:
«من الصعبِ أن أتأملَ موت حبيبي،
ولا أرميَ الأرضَ في سلّة المهملات!»
ليس غريباً، ولا مبالغةً، أن يكون التعبير الصارخ أعلاه، هو شعور كل من ابتلي بفقد أقرب الناس إليه، لكنني أعترف أنني ضعيفٌ في مقام «الموت»، ضعيفٌ جداً في «العزاء»، وأحياناً إذا كان المصاب عظيماً فإنني لا أقوى على الحضور والمشاركة، إذ لا أستطيع أن أرى أو أتحمل حزن أصدقائي على رحيل عزيز أو حبيب لديهم.. ومثلما لا أريد أن يراني أحد ما، أي أحد، مكسوراً، فإنني أهربُ من رؤية أصدقائي وأحبابي وهم مكسورون أيضاً من الفقد الأليم، يكويهم الحزن بلهبه الحارق ويسوم قلوبهم حنين للغياب الذي لا يعود! هكذا كنتُ في الأيام الماضية وحتى فجر هذا اليوم الذي سيتم فيه دفن «محمد» ذي العشرين ربيعاً والابن الأصغر لأستاذنا وزميلنا وأخينا الكريم وصديقنا الرائع «سليمان الثنيان» نائب الرئيس للشؤون الحكومية في جامعة «كاوست»، بعد الصلاة عليه في المسجد الحرام ليوارى جسده الغضّ في أقدس البقاع وأشرفها وأطهرها على الإطلاق.
كانت ليلة الخميس الماضية، في كاوست، مفرطة في القسوة عندما حملت رياحها نبأً قاتماً معتماً برحيل الشاب الوديع اللطيف «محمد الثنيان» إثر سكتة قلبية في مقر إقامته في أمريكا حيث يدرس هناك مبتعثاً لمرحلة البكالوريوس، لكن قلبه خانه وخاننا، على البعد، عندما باغته الصمت المطلق تجاه حياتنا المؤقتة، راحلاً إلى الحياة الأبقى، حيث الأبد الجميل والأبدية الناعمة البيضاء. هكذا خطف الموت «ميمه» الفاتنة ليترك لنا الفجيعة والحمد في آنٍ معاً! فكان وقعه على مجتمع «كاوست» بكل جنسياته المتعددة وتنوعه وثقافاته المختلفة، كباراً وصغاراً، أشد وأعظم وأكثر أثراً ووجعاً.
أصدق العزاء لك أبا بندر، فأنت ضمن شخصيات قليلة في حياتنا، إنساناً وقائداً وقلباً أبيض نقياً لا يحمل إلا الودّ والمحبة الكريمة بابتسامتك التي لا تفارقك دائماً، وتغمر كل من يقابلك بإشعاعها الآسر صفاء وصدقاً وجمالاً كمياه النبع تماماً. وأنت مثل قليلين ونادرين أيضاً، رجلاً هادئاً رصيناً رزيناً حكيماً خلوقاً متواضعاً بسيطاً وإنساناً يشبهُ وصف السلام: «نهارٌ أليفٌ خفيف الخطى لا يعادي أحدْ».. فللجميع هنا العزاء لأننا فجعنا مثلك وكان الفراق أشبه بندبة في قلب «ثول» بأسرها، لا يمكن لها أن تنمحي بسهولة.
أعرف أن حزنك طويلٌ كبيرٌ، ضخمٌ وعميق، من فرط ما ثقب قلبك رحيل ولدك وولدنا جميعاً، وكأنه قلبي عندما ثقبته (شامة) كانت تزيّنُ قريةً في الجنوب القصيّ! لستَ وحدك من يبكي أو انفطر قلبه حزناً وأسفاً على رحيلٍ اختاره الله وقدّره بأمره، أرواحنا تبكي معك وتألم لألمك، لأن فقد فلذات الأكباد لا يشبهه أي فقد، والعزاء فيهم لا يشترك فيه الناس فقط، ولكن كل ما يحويه كون الله من طير وشجر وحجر وماء يجتمعون في تأبين «الأنجال» عندما تغمض عيونهم في المنام الأخير وتسكتُ قلوبهم إلى الأبد. إنهم، أي أبناؤنا، أو على على الأدق أكبادنا التي تمشي على الأرض، هم إكسير حياتنا، وعندما يرحلون بغتة، دون موعد أو إنذار، فإننا حتماً سنبكي ونحزن عميقاً وتحرقنا اللوعة الدفينة، لكن إيمانك وصلاحك، اللذين أعرفهما، سيضيئان طريقك حتماً إلى التسليم بقضاء الله لتكون على درب البياض إلى البهي العظيم.
ولفقيدنا الشاب (محمد!) أقول: أكتبُ اسمك ولا أنطقه، لأنه في الكتابة، كما يقول الراحل محمود درويش، ــ مع قليلٍ من التصرف ــ، يتموّج اسمك على ماء الحضور، وفي الكلام أسمع وحش الغياب يطارد محبيك، زملاءك وأصدقاءك، يطاردهم من حرفٍ إلى حرف، ليفترس الشلو الأخير من قلوبهم الجائعة إلى ابتسامتك المادحة! ترى في أيّة ريحٍ أخفيت عنا ابتسامتك الحبلى بالفراشات والنور، كأنما لم يعد في غيابك متسعٌ لغياب آخر!
وكأنني أخال والدك، الآن، يخاطبك بولع ولهفة وحزن الأب النبيل: «محمد، هل تعلم كم نحبك؟ لماذا تمضي وتتركنا ناقصين؟ لماذا.. لماذا؟».
كل قلوبنا معك، أبا بندر، في أيام حزنك ولولدك «محمد الثنيان» دعواتنا إلى الرحمن بالمغفرة والرحمة والرضوان من الله، وسلامٌ على روحه المطمئنة بإذن الكريم.
«من الصعبِ أن أتأملَ موت حبيبي،
ولا أرميَ الأرضَ في سلّة المهملات!»
ليس غريباً، ولا مبالغةً، أن يكون التعبير الصارخ أعلاه، هو شعور كل من ابتلي بفقد أقرب الناس إليه، لكنني أعترف أنني ضعيفٌ في مقام «الموت»، ضعيفٌ جداً في «العزاء»، وأحياناً إذا كان المصاب عظيماً فإنني لا أقوى على الحضور والمشاركة، إذ لا أستطيع أن أرى أو أتحمل حزن أصدقائي على رحيل عزيز أو حبيب لديهم.. ومثلما لا أريد أن يراني أحد ما، أي أحد، مكسوراً، فإنني أهربُ من رؤية أصدقائي وأحبابي وهم مكسورون أيضاً من الفقد الأليم، يكويهم الحزن بلهبه الحارق ويسوم قلوبهم حنين للغياب الذي لا يعود! هكذا كنتُ في الأيام الماضية وحتى فجر هذا اليوم الذي سيتم فيه دفن «محمد» ذي العشرين ربيعاً والابن الأصغر لأستاذنا وزميلنا وأخينا الكريم وصديقنا الرائع «سليمان الثنيان» نائب الرئيس للشؤون الحكومية في جامعة «كاوست»، بعد الصلاة عليه في المسجد الحرام ليوارى جسده الغضّ في أقدس البقاع وأشرفها وأطهرها على الإطلاق.
كانت ليلة الخميس الماضية، في كاوست، مفرطة في القسوة عندما حملت رياحها نبأً قاتماً معتماً برحيل الشاب الوديع اللطيف «محمد الثنيان» إثر سكتة قلبية في مقر إقامته في أمريكا حيث يدرس هناك مبتعثاً لمرحلة البكالوريوس، لكن قلبه خانه وخاننا، على البعد، عندما باغته الصمت المطلق تجاه حياتنا المؤقتة، راحلاً إلى الحياة الأبقى، حيث الأبد الجميل والأبدية الناعمة البيضاء. هكذا خطف الموت «ميمه» الفاتنة ليترك لنا الفجيعة والحمد في آنٍ معاً! فكان وقعه على مجتمع «كاوست» بكل جنسياته المتعددة وتنوعه وثقافاته المختلفة، كباراً وصغاراً، أشد وأعظم وأكثر أثراً ووجعاً.
أصدق العزاء لك أبا بندر، فأنت ضمن شخصيات قليلة في حياتنا، إنساناً وقائداً وقلباً أبيض نقياً لا يحمل إلا الودّ والمحبة الكريمة بابتسامتك التي لا تفارقك دائماً، وتغمر كل من يقابلك بإشعاعها الآسر صفاء وصدقاً وجمالاً كمياه النبع تماماً. وأنت مثل قليلين ونادرين أيضاً، رجلاً هادئاً رصيناً رزيناً حكيماً خلوقاً متواضعاً بسيطاً وإنساناً يشبهُ وصف السلام: «نهارٌ أليفٌ خفيف الخطى لا يعادي أحدْ».. فللجميع هنا العزاء لأننا فجعنا مثلك وكان الفراق أشبه بندبة في قلب «ثول» بأسرها، لا يمكن لها أن تنمحي بسهولة.
أعرف أن حزنك طويلٌ كبيرٌ، ضخمٌ وعميق، من فرط ما ثقب قلبك رحيل ولدك وولدنا جميعاً، وكأنه قلبي عندما ثقبته (شامة) كانت تزيّنُ قريةً في الجنوب القصيّ! لستَ وحدك من يبكي أو انفطر قلبه حزناً وأسفاً على رحيلٍ اختاره الله وقدّره بأمره، أرواحنا تبكي معك وتألم لألمك، لأن فقد فلذات الأكباد لا يشبهه أي فقد، والعزاء فيهم لا يشترك فيه الناس فقط، ولكن كل ما يحويه كون الله من طير وشجر وحجر وماء يجتمعون في تأبين «الأنجال» عندما تغمض عيونهم في المنام الأخير وتسكتُ قلوبهم إلى الأبد. إنهم، أي أبناؤنا، أو على على الأدق أكبادنا التي تمشي على الأرض، هم إكسير حياتنا، وعندما يرحلون بغتة، دون موعد أو إنذار، فإننا حتماً سنبكي ونحزن عميقاً وتحرقنا اللوعة الدفينة، لكن إيمانك وصلاحك، اللذين أعرفهما، سيضيئان طريقك حتماً إلى التسليم بقضاء الله لتكون على درب البياض إلى البهي العظيم.
ولفقيدنا الشاب (محمد!) أقول: أكتبُ اسمك ولا أنطقه، لأنه في الكتابة، كما يقول الراحل محمود درويش، ــ مع قليلٍ من التصرف ــ، يتموّج اسمك على ماء الحضور، وفي الكلام أسمع وحش الغياب يطارد محبيك، زملاءك وأصدقاءك، يطاردهم من حرفٍ إلى حرف، ليفترس الشلو الأخير من قلوبهم الجائعة إلى ابتسامتك المادحة! ترى في أيّة ريحٍ أخفيت عنا ابتسامتك الحبلى بالفراشات والنور، كأنما لم يعد في غيابك متسعٌ لغياب آخر!
وكأنني أخال والدك، الآن، يخاطبك بولع ولهفة وحزن الأب النبيل: «محمد، هل تعلم كم نحبك؟ لماذا تمضي وتتركنا ناقصين؟ لماذا.. لماذا؟».
كل قلوبنا معك، أبا بندر، في أيام حزنك ولولدك «محمد الثنيان» دعواتنا إلى الرحمن بالمغفرة والرحمة والرضوان من الله، وسلامٌ على روحه المطمئنة بإذن الكريم.